June2010Banner

 


الديسة..طبيعة أخاذة
تجري المياه في وادي الديسة أغلب شهور السنة، ويتميز بكثرة أشجاره.



يقع وادي الديسة بين تبوك والأخيضر على طريق حجاج الشام، وسمي الوادي بهذا الاسم نسبة للقرية الواقعة بجواره. ويسمى، أيضًا، وادي الطلح، لكثرة الأشجار فيه، خصوصًا ذلك النوع المميز من الطلح. والمسافة بينه وبين تبوك تقارب الـ180كم باتجاه الجنوب الغربي، ويبعد عن ضبا بنحو 110كم باتجاه الشمال الشرقي.

استطلاع وتصوير: عبدالعزيز محمد العريفي

التضاريس
وما أن تتراءى لك جبال قراقر الشامخة تلوح بالأفق بتكويناتها الغريبة، وبألوانها التي تماثل حمرة الغروب، حتى تصاب بالدهشة، جبال أخاذة منتصبة بارتفاعات تصل إلى 1750م فوق سطح البحر، وما أن تقترب منها حتى تتضح لك معالمها، ولتطلق لخيالك العنان قباب معابد هندية، سلال وتماثيل فرعونية، شخوص آدمية عملاقة.
ووادي الديسة وادٍ ضيق بين جبال قراقر، بدايته من حرة هراة، وتصب سيوله في أخاديد ضيقة بحدود لا تتعدى المتر عرضًا في بعض الأحيان. وبعد هذه الاختناقات يبدأ الوادي بالاتساع نحو الغرب، باتجاه وادي قراقر، ويسمى، أيضًا، بوادي دامة الذي يستمر في الجريان حتى يصب مياهه في البحر الأحمر بجوار مدينة ضبا. ويشتهر بكثرة العيون التي لا يزال الكثير منها يتدفق بالمياه العذبة، مثل عين القطار، والعين الزرقاء.
منطقة سياحية
ويعد وادي الديسة من أجمل أودية المملكة العربية السعودية وأغربها تكوينًا، وحالما تلج إليه لا تملك إلا أن تقف مشدوهًا لحظة من الزمن تتأمل بديع صنع الله، وكيف كون تلك الصخور البركانية ورسم تلك اللوحة الربانية التي تحبس الأنفاس.
وتجري المياه داخل الوادي أغلب شهور السنة، فضلاً عن وجود عدد من العيون التي لا تزال تجود بالمياه العذبة الرقراقة. كما يتميز الوادي بكثرة الأشجار، ونخيل التمر، ونخيل الدوم تنتشر على جانبيه، وتتجمع في بعض مناطقه لتخلق ما يشبه الغابات كثيفة الأشجار، وربما كان هذا سبب تسميته بالديسة.. والديسة في اللغة المنطقة كثيفة الأشجار. كما تنتشر في الوادي بكثافة كبيرة أعشاب القصب بأطوال تصل إلى أكثر من مترين، لدرجة الاضطرار إلى دهسها بالسيارات لخلق المنافذ، كما ينتشر نبات النعناع البري برائحته الفواحة يكاد شذاها يعم الوادي، وكأنه يدعوك للتريث قليلاً وتناول شاي النعناع فوق البطحاء الندية، والاستمتاع بالمناظر الخلابة. والوادي بأجوائه المعتدلة يعد بحق من أهم مناطق الجذب السياحي في المملكة، كما أن وجود الماء فيه معظم السنة يغري الطيور، خصوصًا المهاجرة منها، للمكوث والتكاثر فيه، وبخاصة طيور الحبارى والغرانيق، كما يؤكد شهود عيان رؤيتهم للنمر العربي داخل جبالها في المناطق التي لا تصلها السيارات.

مواقع أثرية
والديسة منطقة سياحية واعدة لو حظيت باهتمام أكبر من القائمين على السياحة.. فزيادة على جمالها الطبيعي فهي تضم الكثير من المواقع الأثرية. ويشير أحد المؤرخين إلى وجود آثار أصحاب الرس الذين ورد ذكرهم في القرآن في منطقة الديسة، قال تعالى في سورة الفرقان: }وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا{ «آية 38»، وقال تعالى في سورة ق: }كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُود{ «آية 12».
كما توجد فبها واجهات قبور نبطية نحتت في الصخور الرملية، وكتابات عربية قديمة بالخط الكوفي، وكتابات أخرى نبطية، وتوجد بها مواقع أثرية مهمة أحيطت بالأسيجة المحكمة مثل المشرف، والسخلة، والمسكونة، تدل بمجملها على قدم الاستيطان البشري للمنطقة.

القرى والزراعة
وتعد الديسة الوادي سلة غذاء منطقة تبوك وما جاورها، لكثرة المزارع القائمة فيها، وتنتج الكثير من الفواكه، والخضراوات، والزيتون، وتشتهر بفاكهة المانجو على وجه الخصوص. كما تتبعها قرى عدة أشهرها قرية «أبو العجاج» التي تنتشر بها المزارع لتميزها بخصوبة التربة، وغلاتها تصل إلى جميع تبوك، وقرية «أبو دومة» التي كانت من أهم موارد الماء للقوافل قديمًا.