مخاطر «هاري بوتر» على الأطفال
إن سلسلة هاري بوتر تجعل الطفل مشتتًا بين الحقيقة والخيال، وتؤثر في نمط تفكيره وفي بنيته الجسمانية.
تعد ظاهرة «هاري بوتر» التي بدأت كسلسلة كتب للأطفال في بريطانيا، قبل أن تنتشر عالميًّا، حلقة جديدة في سلسلة الظواهر والأحداث الغربية. إن أهم ما يميز «هاري بوتر»
هو مبيعاته الجنونية، فضلاً عن أن بطل الظاهرة وجمهورها من الأطفال. لذا احتلت سلسلة «هاري بوتر»، التي كتبتها «ج. ك. راو لينج»، قائمة الكتب الأكثر شعبية في بريطانيا، كما حقق أول الأفلام المأخوذة عن السلسلة نجاحًا منقطع النظير، وامتد الجنون بهذا الفيلم إلى شراء بعض الشركات المتخصصة بإنتاج اللعب والقرطاسية، حقوق شخصياته لعمل مجسمات وصور لها، ليقتنيها الأطفال.
على الرغم من أن هذه المنظومة السينمائية التي تضم البطل الأسطوري الذي يدافع عن قضية عادلة ضد خصم عنيد في إطار الإبهار والتقنية العالية، ليست بجديدة تمامًا، ولكن يبدو أن يكون البطل، هذه المرة، صبيًا صغيرًا أعطى انطباعًا بأن جيلاً جديدًا سوف ينشأ على قيم جديدة مختلفة، يحاول أن يحقق ما لم يحققه الأوائل، علاوة على كون الفيلم مأخوذًا من قصص مغامرات شعبية مترجمة إلى العديد من اللغات. يتحدث الفيلم عن صبي عمره 12 عامًا، قام بدوره الممثل «دانييل رادكليف»، حيث اكتشف ذات يوم أن والديه اللذين توفيا وتركاه يتيمًا، كانا يتمتعان بقوة سحرية كبيرة، وأنه يملك، ربما بالوراثة، قوى سحرية ينفرد بها هو وحده، وتستمر الأحداث، ويودع الطفل في مدرسة داخلية إنجليزية للسحرة، حيث يتعلم هناك فنون السحر، ويلتقي مجموعة من الأصدقاء يصبحون بعد ذلك من حلفائه المقربين، ويساعدونه على اكتشاف حقيقة وفاة أبويه الغامضة على أيدي خصم قوي هو الشرير «فولديمورت»، ما يصدم «هاري»، ويجعله يصمم على الانتقام، فيقوم بشراء عصا سحرية، ويساعده زملاؤه التلاميذ السحرة على معرفة أسرار هذه العصا الطائرة، فيبدأ في استخدامها مع بعض الأدوات الأخرى والمخطوطات السحرية في رحلة البحث عن الحقيقة إلى عالم آخر، عالم السحر الذي يمكن أن يحقق فيه أحلامه وأمانيه، وينتصر فيه على أعدائه في مشاهد مثيرة صنعت بمهارة وإبهار كبيرين، وينتقل فيها المخرج بمشاهديه إلى عالم السحرة الغامض، تاركًا العالم الأرضي عالم البشر بكل مساوئه. وسط هذا النجاح المذهل لهاري بوتر، أحدث الفيلم ضجة في عالم أدب الأطفال وصناعة الترفيه.
مخاطر هاري بوتر
كثرت الانتقادات التي أثارها الفيلم من جانب مسؤولي التعليم في بريطانيا، حيث أكدوا التأثير السلبي للاعتقاد في قوى السحر، والمجهول، ومخاطرهما الكبيرة على التلاميذ، ودعوا المدرسين وأولياء الأمور إلى توخي الحذر الشديد من هذا الاتجاه. وكانت النتيجة أن منعت إحدى المدارس البريطانية دخول كتب «هاري بوتر» إلى مكتباتها، كما منعت بعض محال لعب الأطفال بيع هذه اللعبة فوق أرففها. كما احتلت السلسلة رأس قائمة مبيعات الكتب في الولايات المتحدة، فقد أتت، أيضًا، على رأس قائمة عشرة كتب قدمت بشأنها شكاوى مكتوبة في المكتبات العامة والمدارس، وطالبت الأسر الأمريكية بعدم إدراجها في مكتبات المدارس، وفقًا للجمعية الأمريكية للمكتبات. ودارت معظم الانتقادات الموجهة حول الأبعاد الدينية والسياسية والاقتصادية التي تثيرها الظاهرة. وتعد الانتقادات الدينية المبنية على تحريم السحر والممارسات السحرية هي الأكثر شيوعًا، فقد قامت بعض التجمعات الدينية في ولاية نيو مكسيكيو بتنظيم تجمع للأطفال قامت فيه بحرق كتب «هاري بوتر» وأفلامه ولعبه. وإلى جانب الاتهامات الموجهة للمحتوى الأخلاقي والأفكار السياسية لقصص «هاري بوتر»، تُتهم الظاهرة بأنها تجسيد للرأسمالية الجشعة والاحتكار الاقتصادي في ظل العولمة، استنادًا إلى أن الفارق يكاد ينعدم بين الظاهرة الفنية والاستغلال الاقتصادي الاحتكاري لها عبر العالم.
«بوتر» وتأثيره في الطفل العربي
هل يحقق فيلم «هاري بوتر» تأثيرات مماثلة لدى المشاهدين العرب خصوصًا الأطفال؟ يرى بعض خبراء علم الاجتماع أن الكتابات الخيالية التي تصل إلى حد الأساطير والخرافات واللامعقول، تجعل الطفل العربي مشتتًا بين ما يراه وما يقرؤه، أي بين الحقيقة والخيال، والواقع والوهم، والنظرية والتطبيق، وأن هذه النوعية من القصص تشغل كل وقته ولمدد طويلة، ما يؤثر في تكوينه الجسماني أيضًا وتفكيره، وهذا له أثر سلبي كبير في تكوينه العقلي، ومن ثم يكون لدينا جيل يعاني قصور العقل، وضعف النظر، وانحناء البنية، ومن الممكن، أيضًا، أن يقلد الطفل شيئًا قد يفوق إمكاناته كالقفز من مكان إلى آخر.
وقد هلل الإعلام العربي لهذه القصص دون أن يفكر في أنها تتعارض مع قيمنا العربية والدينية، فهي تقوم على السحر والشعوذة وعصا سحرية، بدلاً من غرس قيمة العمل والكفاح، فضلاً عن أنها لا تتناسب مع عالمنا المعاصر، عالم الكمبيوتر والتقنية بأنواعها، فالأطفال في حاجة إلى قصص خيال علمي تقوم على أسس علمية، ومنطقية. فنحن نحتاج إلى نموذج وطني يتناسب مع ثقافتنا، ويساعد على خلق جيل مثقف وواع. بينما ظاهرة «هاري بوتر» تجسيد لتيار ما بعد الحداثة، وتهدف إلى جذب القارئ إلى عالم بعيد عن الواقع، ورفض العقلانية، وإطلاق العنان للغرائز، وهذه قيم سوف تخرج لنا جيلاً مهشمًا وضعيفًا ثقافيًّا، ودينيًّا لن يقدم لوطنه أي جديد من العلم. وأكثر ما يحتاج إليه أطفالنا هو وجود أدب خاص بهم، لأنهم أحوج إلى ترسيخ تقاليد صحيحة للغة واستعمالاتها، وعرض الصور الأدبية، ونماذج الأدب الرفيع، وأجناسه المختلفة من شعر «قصائد وأناشيد وقصص وروايات ومسرح».
ومهما كان التطور في كتاب الطفل، ومضمونه الأدبي والمعرفي، فإنه يصب في النهاية في صالح تكوين الشخصية العربية. وأمام هذه الحقيقة تتحول الثقافات الوافدة إلى مجموعة من الأفكار والتقاليد والسلوكيات التي ينبغي أن تصفى وتعرض على الرقابة لنأخذ منها ما يدعم ثقافتنا وشخصيتنا، وهو خيار تفرضه الحضارة والثقافة والشخصية، خيار مرتبط بالدين وبالموروث الثقافي. والمتتبع المنصف لحياتنا الثقافية والفنية لا يستطيع إلا أن يشهد بأن كتبًا جميلة الشكل ورخيصة المحتوى، ومنها «هاري بوتر» تتسلل لصالح ثقافات وافدة، تؤدي أحيانًا دور الغزوة المدمرة، أو الهجمة الشرسة، لأنها تستهدف خيرة أطفالنا الذين هم في الحقيقة صلب مستقبلنا. فنحن أمام كتابين: كتاب ينشر أدب الطفل، وهو ما اتفقت عليه الأسس النفسية والاجتماعية، ومراحل النمو لدى الباحثين النفسيين، وتتفق عليه المؤسسات العالمية ودور النشر في العالم كله، والتي تتخصص في نشر أدب الأطفال، وكتاب ينشر البوليسيات، وسلاسل «الشياطين»، و«سوبرمان»، و«الوطواط»، و«هاري بوتر»، وهذه ليست من أدب الأطفال، بل تسبب لهم قلقًا واضطرابًا وتوترًا نفسيًّا واجتماعيًّا.