June2010Banner

 


إهداءات الكتب
بين الإبداع والانطباع



إهداءات الكتب والروايات، والتي تتنوع بين المطبوعة على صدر الصفحات الأولى، أو الإهداءات المكتوبة بخط اليد.. هل هي فن من الفنون الإبداعية، أم أنها مجرد كلمات انطباعية سريعة بقصد المجاملة فقط؟ هل تتأثر تلك الإهداءات بظروف من يهدي وشخصيته ومن تهدى إليه؟

القاهرة: سهى علي

تحمل الإهداءات في جانب منها سمات إبداعية، كما أنها، في معناها ومبناها، تتأثر بطبيعة الشخصية المهدى إليها، ومدى العلاقة التي تربط بينها وبين من يهديها أعماله.
الروائي يوسف القعيد، يقول: عادة يتغير ما أكتبه من إهداء، من شخص إلى آخر، حسب مساحة العلاقة بيننا، وحسب الشخصية التي أتعامل معها، إلا في أضيق الحدود، فإذا صادفني شخص لا أعرفه وطلب مني أن أكتب له إهداء، فيكون من نوعية: «مع تقديري واحترامي»، ورغم شعوري أنه إهداء جاف وجامد، إلا أنه يؤدي الغرض.
وغالبًا ما تكون جملي في الإهداء مناسبة للسياق الموجود في العمل نفسه، كما تناسب الشخصية التي تهدى إليها، فعندما أهدي أحد أعمالي إلى نجيب محفوظ، أو محمد حسنين هيكل، سوف يبدأ الإهداء بكلمة أستاذنا.
وعن أطرف إهداء كتبه يقول: كان لإحدى المستشرقات الروسيات، وتدعى فاليريا كربيتشينكو. كان في الإهداء كلمة عامية مصرية لا أتذكرها، ولم تفهم هي معناها. ومن الإهداءات التي وصلتني ولا أنساها أبدًا إهداء من الراحل جبرا إبراهيم جبرا على روايته «السفينة»، وقد وصل هذا الإهداء إلى صفحة كاملة، وكان به قراءة ضمنية لروايتي «الحداد».

المجالس المحفوظية
أول إنسان كان من عادتي أن أقدم له رواياتي إهداءً هو نجيب محفوظ. بهذا تحدث الروائي جمال الغيطاني، الذي يرى أن الإهداءات غالبًا ما تكون خالصة من شوائب التمجيد، لأن العلاقة مع نجيب محفوظ قد تخطت مراحل الرسميات، ويكون نص الإهداء الثابت: «كل عام وأنت تقرأ من صنع يدي يا صديق المقاهي والحارة المصرية».
أما عن الإهداءات التي أتسلمها من الروائيين فتكون، غالبًا، من واحد من رواد المجالس المحفوظية.

كسر الحواجز
قد أكون في إهداءاتي سليط اللسان.. هكذا قدم الروائي محمد البساطي لكلامه قائلاً: أهديت رواية إلى الروائي بهاء طاهر، وكان نص الإهداء: «أرجو أن تكون هذه الرواية آخر عمل تراه في هذه الحياة يا عزيزي بهاء طاهر». وأتذكر إهداء تلقيته من الكاتبة اللبنانية هدى بركات تقول فيه: «بعد أن تقرأ هذه الرواية سيحدث تغير مفاجئ في نبرات صوتك فلا تتعجب!» وكان هذا الإهداء ردًا على إهداء قدمته إليها كان نصه: «عادة ما يقرأ الإنسان بعينيه، ولكن هذه الرواية ستقرئينها بأذنيك».
أما الشاعر الساخر ياسر قطامش فيقول: عادة لا أحب تكرار الإهداء، لأن الشكل النمطي يصيبني بالملل. فقد أضطر إلى هذا إذا كنت لا أعرف الشخص جيدًا، ولكنني بشكل عام أستقي إهداءاتي من متن العمل نفسه. فمثلاً ديواني «القلب في ورطة بين ليلى وبطة» كنت أكتب إلى الصديق فلان: «حفظكم الله من كل ورطة، ووقاكم شر ليلى وبطة». وهكذا في كل أعمالي. وإذا كان الإهداء لأحد الأصدقاء المقربين لي فغالبًا ما أكتب إهداء مختلفًا، وعادة يكون أبياتًا من الشعر مقفاة باسمه.

شاعرية عاشق
أما الروائي يوسف أبو ريه فيقول: أحتفظ بالنسخة الأولى بعض الوقت لأبحث بداخلي عن إهداء يليق بزوجتي. هذا الإهداء يلمس الشعر داخلي، رغم أنني لست شاعرًا. وهو ليس محاولة مني لكتابة الشعر. بل هو تقرير، ونوع من رد الجميل لزوجتي التي عشقت فيها روحها وذكاءها.
ومن أطرف المواقف التي تعرضت لها، عقب فوزي بجائزة نجيب محفوظ من الجامعة الأمريكية عن روايتي «ليلة عرس»، أنني عندما ذهبت إليه في منزله مع مسؤولة العلاقات العامة بالجامعة الأمريكية وجدت هذا العملاق الأدبي ينتظرنا بكل الاحترام والتواضع، وإذا به يطلب مني نسخة من الرواية، وأن أكتب عليها إهداء، فكانت بالنسبة لي مفاجأة.

رد الجميل
ينظر الروائي علاء الأسواني إلى إهداء النسخة الأولى على أنه نوع من رد الجميل، فيقول: مشواري به الكثيرون ممن لهم فضل كبير في تحقيقي للنجاح، ولم يبخلوا عليَّ بوقتهم أو جهدهم أو نصحهم، ولذلك أود لو تكون النسخة الأولى بعددهم، ومنهم أصدقائي الأدباء: علاء الديب، ود.جلال أمين، ورجاء النقاش، ود.صلاح فضل، وجمال الغيطاني. هؤلاء كتبوا عني وساندوني في الوقت الذي لم يكن هناك من يعرفني، وأكن لهم كل الحب والتقدير والوفاء. أما أسرتي فأنا كلي، وليست أعمالي فقط، ملك لهم.
ويختلف ما أكتبه في الإهداء حسب الشخصية التي أود إهداءها، فمثلاً في حفلات التوقيع لا يمكن أن أميِّز هذا عن ذاك. ولكنني عندما أهدي لشخص أعرفه أكتب له سطورًا تنم عن انطباعي عنه. وأكثر الشخصيات التي أميزها في الإهداء تلك الشخصيات التي أشعر بأنها مميزة عقليًا، وحديثي معها ثري. فمثلاً كنت إذا ما كتبت إهداء لنجيب محفوظ كان لا بد أن أبدأه بكلمة الأستاذ. فقد كان ملهمًا لي، ولمعظم، إن لم يكن جميع، الروائيين من أبناء جيلي، والأجيال السابقة وبالتأكيد القادمة.
وعن أطرف الإهداءات يقول: كان لي صديق حميم جدًا، ويبدو أن نجاحي لم يصادف لديه قبولاً. وشعرت كما شعر المقربون منا بأن نجاحي أثار مشاعر سلبية لديه. فأرسلت له نسخة من مجموعتي الأخيرة «نيران صديقة»، وكتبت: «إلى صديقي فلان... قبل أن ينفد الرصيد». وقد استلهمتها من لغة الهاتف المحمول، فاتصل بي صديقي، ليقول لي: «كنت أظن نفسي خطًا ولست بطاقة»!

عمل انطباعي
حسين سليمان، الأديب السوري المقيم بالولايات المتحدة، يقول: إن الإهداء بالنسبة لي شيء أكبر من أن أكتبه دون أن أفكر فيه مليًا، وإهداءاتي تختلف باختلاف الشخص، فأحاول أن يكون لها معنى في انطباعي عن الآخر، وأرسم هذا الانطباع للشخص المهدى إليه، كما أحاول أن أوجد رابطة بالمكان وأشخاص الرواية. وأذكر أنني كتبت للأديب إدوارد الخراط: «إلى الذي تعلمنا منه.. لقد بحثت ولا يوجد سواك الآن». فقد كنت أكتب روايتي «ينزلون من الرحبة»، وكانت في ذهني أعمال عظيمة منها أحد أعمال الخراط «الزمن الآخر». لذا أهديته نسخة من روايتي.

احتفاء بالكبار
يقول يعقوب الشاروني، أحد كتاب أدب الطفل: عندما أتسلم النسخ الأولى من أي كتاب فإنني أهديها إلى أول من يقابلني من الأصدقاء. وفي معظم الأحيان لا يتبقى معي من هذه النسخ إلا واحدة، يراها أهل البيت. وعندما أهدي كتابي إلى مبدع لا بد أن أحتفي بإبداعه، فأقول: «إلى الكاتب الكبير، أو المبدع الذي يمتعنا دائمًا بأعماله المتميزة». أما إذا كنت أقدم الكتاب إلى ناقد، فلا بد أن يتضمن الإهداء ترحيبي بدراساته. أما إذا قدمته إلى طفل فالإهداء يقترن بالأمل في أن يصبح أديبًا أو عالمًا ناجحًا في حياته. وعن أطرف إهداء كتبه يقول: «إلى ابنتي هالة.. أهدي إليك هذا الأخ الجديد لكِ، فكل رواية جديدة هي ابن جديد أعتز به، كما تعتزين بأخيك مجدي..». ولا يظن الشاروني أن إهداءاته الآن اختلفت عن الماضي، إلا إذا سمح لنفسه أن يتحدث بمنزلة الجد أو الأب للأجيال الجديدة من المبدعين الشباب.