June2010Banner

 


أحــمد والكـــرة

كان مِن عادةِ أحمدَ إذا عاد مِن المدرسةِ أنْ يضعَ محفظةَ كُتُبِهِ ويأخذَ كُرَتَه ويخرجَ بها إلى الشَّارع، حيثُ ينتظره رفاقه، فيأخذون باللعب، وكثيرًا ما كانت الكرةُ تصيبُ السياراتِ فتسببُ لها الأذى، أو تصيبُ بعضَ المارةِ، وكان أحمدُ مضطرًا إلى الاعتذار إلى المارة، بينما كان الأبُ يلوم ابنَه على اللعب في الشارع، ويقول له إن الشارعَ ليس ملعبًا، وإنما هو سبيلٌ للمارة.
رجَعَ أحمدُ يومًا من المدرسة ورمى محفظة كُتُبِهِ على الأرض، وأخذ الكرةَ وخرج إلى الشارع، حيثُ كان أصدقاؤه في انتظاره، وانقسمَ الجميعُ إلى قسمين، وأخذ كلُ قسم طرفًا من الشارع ووضَعَ حجرين على الأرض تحديدًا لمساحة الهدف، وبدؤوا اللعبَ، وارتفعت الأصواتُ، وسادت الفوضى في الشارع، وتأفف المارةُ مما يجري، ووصلت الكرة إلى قَدَم أحمدَ واندفع صديقه حسن يريد أخذها، ما اضطرَّ أحمدَ إلى أن يضربَها ضربةً قويةً وانحرفت الكرةُ ووقعت على زجاج نافذة دار أحمد، فتهشَّم الزجاجُ، وفرَّ أحمدُ، فاختبأ في مدخل البناء المجاور خوفًا من أبيه الذي خرج مُغْضَبًا ونظر يبحث عن ابنه، لكنه لم يره، وكان اللاعبون واقفين مشدوهين، وسأل الأبُ أحدَ اللاعبين عن ابنه، ولكنَّه لم يجدْ جوابًا، ودخل الأبُ مُغْضَبًا متوعِّدًا.
انتظر أحمد حتى اعتقد أنَّ أباه قد بَرَد غضبُه، واتَّجه نحو البيت، وقال له صديقه الذي لم يجب: إلى أينَ أنتَ ذاهبٌ؟ وأجاب أحمد: أريد أن أعتذر إلى أبي وأسترضيه، فقال صاحبه: خذني معك، فأنا أيضًا أريد الاعتذارَ، ودخل أحمد الدارَ مع صديقه، فوجدا الأبَ جالسًا على المقعد غاضبًا، وتقدَّم أحمد نحو أبيه وقال: لقد علَّمتني يا أبي أنَّ الكَذِبَ حرامٌ، وأنَّ الرسولَ عليه الصلاة والسلام قال: «المؤمن لا يكذب»، وأريد أنْ اعترفَ لك بأنِّي أنا الذي كَسَر الزجاجَ، وأنِّي لأعتذر إليكَ ممَّا بَدَر منِّي. وتقدَّم رفيقه فقال: وأنا أريد أنْ أعتذرَ إليكَ، إذْ لم أجبْكَ عَنْ سؤالك، لأنِّي لم أُرِدْ أنْ أكونَ نمَّامًا أو واشيًا، لأن النميمةَ حرامٌ، وتبسَّمَ الأبُ وقال: لا عليكما، فقد سامحتكما لأنكما صدقتما، فانصرفا الآن، ولكن أريد أن أراكما غدًا بعد انصرافكما من المدرسة.
جاء أحمد مع صديقه في اليوم التالي، فوجدا الأبَ في انتظارهما، ورحَّب بهما ثم قال: أريد أنْ أنصحكما، فاللعب في الشوارع ليس أمرًا محمودًا، إذْ يمكن أن نؤذي امرأةً مارةً، أو عجوزًا لا يستطيع المشي فيقع على الأرض، أو ولدًا صغيرًا فنجرحه، أو سيارةً نكسِّر مرآتَها أو زجاجَها، أو دارًا نهشِّم زجاجَها، وكلُّ هذا لا يجوز في الإسلام، وإنَّما يكون اللعب في الملاعب. وإنِّي لصدقكما قد أحضرت لكما كرةً جديدةً تلعبان بها، كما أنِّي سجَّلت لكما اشتراكًا في نادي الكرة، ودفعتُ الرسومَ، وهذه بطاقةُ الاشتراكِ لكلٍّ منكما، فاذهبا إلى النادي والعبا هناك، وأنِّي لآمل أن أراكما في المستقبل أعضاءً في المنتخب الوطني، ثم مدَّ يدَه وأعطاهما الكرةَ وبطاقتي الاشتراك.
شكَرَ أحمد وصديقه الأبَ على حسن نصيحته وحسن عمله وقالا: لن ترانا بعد اليوم نلعب في الشوارع أبدًا.