الذئب العربي..سبع الصحراء
يتصف بالمكر والخداع، وغرابة الطباع.
الذئب العربي هو سبع من فصيلة الكلبيات يشبه الكلب في شكله, لونه رمادي، ويختلف لونه بحسب لون التربة التي يعيش فيها. وتقول بعض الدراسات إن الإنسان استطاع ترويض الكلاب الحالية قبل خمسة آلاف سنة, إلا أن الذئب بقي متوحشًا في البراري والغابات.
وهو غريب الطباع، شرس، مؤذٍ، مأواه المناطق المقطوعة والبراري. تعايش مع الإنسان العربي في الصحراء, ونال منه الأذى والخطر.
وإذا كان الأسد هو ملك الغابة، كما يقال، فإن الذئب العربي هو «سيد الصحراء».
وقد تأثر العرب بالتعايش مع هذا الحيوان حتى وصل بهم إلى درجة الإعجاب لما يتصف به من الشجاعة, والفطنة, والمكر, والكسب أحيانًا على حساب الإنسان.
ورغم العداء القائم بينهما إلا أن العرب يعجبون بالذئب، ويصفون الرجل الأنوف الشجاع بالذئب, بل يسمون أبناءهم عليه!
وقد أوجد الله تعالى هذا الحيوان في الطبيعة لتتكامل منظومة توازن الحياة الفطرية. فوجوده عنصر مهم للتوازن البيئي, كما أن زيادة أعدادها مضر بالإنسان والحيوانات الأخرى البرية والأهلية.
مناطق وجود الذئب
ينتشر الذئب العربي في مواقع متفرقة من أراضي المملكة العربية السعودية. فهو يوجد على المرتفعات الجنوبية «عسير» ومنطقة الحجاز, وسهول المنطقة الوسطى, وفي شمال المملكة, وكذلك في كتلتي الرمال العظميين: الربع الخالي، جنوب المملكة، والصحراء الكبرى، شمال المملكة. ومن طبيعة الذئب التكيف مع مناخ الأرض التي يعيش فيها وظروفها.
التزاوج.. والتكاثر
تتزاوج الذئاب في الأشهر: سبتمبر, وأكتوبر, ونوفمبر. وتلد الذئبة مرة واحدة في السنة, ومدة حمل الأنثى تصل إلى تسعة أسابيع, وتنجب ما بين 3 جراء إلى 6 جراء حسب عمر الأنثى. ويصل وزن الوليد إلى 200 جم ويسمى الصغير: جرموز, أو القصعل.
وعند ولادتهم تكون أعضاؤهم ملتحمة تقوم الأم بتحريكهم وتقليبهم ولحسهم حتى تكتمل أعضاؤهم، لتحميهم من النمل، وتنقلهم من مكان إلى آخر، لأن النمل يتسلط عليهم وقت الولادة وأجسامهم رطبة, ويكونون في العشرة أيام الأولى من ولادتهم عميانًا بعدها تتفتح أعينهم. ترضعهم الأم وترعاهم, وتُفطم الصغار عن الحليب بعد أن يبلغوا من العمر ثمانية أسابيع. ولكن الصغير يستطيع الخروج من عرين والديه بعد الأسبوع الثاني للتعرض للشمس والهواء, واللعب مع إخوته الصغار.
الحياة الاجتماعية للذئاب
حين يكبر الصغار تفترق الذكور منها، ونادرًا أن تجتمع في قطيع واحد، حيث يقوم الكبير منها بطرد صغار ذكورها. وتستطيع الجراء التنقل مع القطيع للتدرب على الافتراس عندما تبلغ من العمر أربعة أشهر. وعادة لا تنفصل الذكور البالغة عن قطيعها لتكوين أسرة خاصة إلا بعد عمر سنتين, ثم تبحث عن أراض قفار خالية تكوّن فيها أسرة خاصة بها. وعادة تبقى الأنثى مع الذكر طيلة عمره, وهي تتعرف على بعضها بوساطة الشم.
الذئب.. والإنسان
يخاف الذئب من الإنسان مثل ما يخاف الإنسان منه, ويقال إن الإنسان إذا رأى الذئب قبل أن يراه فإن الذئب يهلع منه ويخاف ولا يقترب منه, وإذا رأى الذئب الإنسان أولاً همّ به ليفترسه. كما أن الذئب إذا شم رائحة دم الإنسان فإنه نادرًا ما ينجو منه.
وإذا عجز الذئب عن افتراس الإنسان فإنه يقوم بالعواء والنداء لبقية الذئاب كي تساعده فتأتي على صوته. وإن استطاع الإنسان أن يدمي أحد الذئاب فهي تتركه وتنقض على الذئب المصاب وتأكله وينجو الإنسان من شرها.
والذئب من الحيوانات الخلوية. وتصف العرب الذئب والغراب بالأصرمين، أي إنهما انصرما عن الناس بعيدًا في البراري. لذا يقال: الذئب صاحب قفار, والكلب صاحب دار.
ومن تصرفات الذئاب أنها تقوم بالبول على الحجارة والشجيرات ترميزًا لعلامات حدودها التي تقطنها وتسيطر عليها, وهي بمنزلة رسالة تحذير للحيوانات الأخرى كي لا تقترب من حدودها.
سلوك العواء
العواء, والوعوعة هي صوت الذئب حيث يمد صوته، وهو يتميز بهذه الصفة عن بقية السباع. ويبدأ بالعواء من بداية الليل بعد وقت الغروب، وبالليل عندما يكون جائعًا, أو عندما يجد صيدة لا يستطيعها بمفرده فهو ينادي بالعواء ليجمع عليها الذئاب تساعده عليها, وكذلك يقوم بالعواء في وقت التزاوج.
والذئب ينبح مثل نباح الكلب, وإذا اشتد به الجوع عوى، فتجتمع عليه الذئاب، وعندما تجتمع يهاجم بعضها بعضًا.
ويقال لصوت الذئب إذا تضور جوعًا: «الضَّغِيب». وضَغَا الذئب عندما يعوي عويةً أي صاحَ ومدّ صوته بالعواء. ويقال، أيضًا، «طنَّب» الذئب، أو «قنب» الذئب أي عوى. والغوار والمغاورة هي: عواء الذئب وصياحه.
وتقول بعض الدراسات إن للذئاب ستة أنواع من العواء، وكل نوع منها له غرض فمنها عواء الجنس, وعواء الجوع, وعواء عند اختلاق الليل, وعواء النداء للمساعدة, وعواء الحرب, وعواء الوحدة عندما يبحث عن شريك.
ومن عجائب الذئبة أنها إذا ذهبت إلى مكان بعيد وأكلت من فرائسها ولها أولاد فإنها تختزن اللحم في جوفها, وعندما تصل أولادها تقوم باستفراغ اللحم الذي أكلت لأولادها فيأكلونه..!
صفات الذئب العربي
يمتاز الذئب العربي بخشونة الشعر, ولون شعره رمادي فاتح يخالطه سواد بزرقة على ظهره, وبطنه فيه من اللون الأبيض. وبحسب أحد كبار السن من الذين يهوون الصيد في منطقة نجد، المنطقة الوسطى بالمملكة العربية السعودية، فإن لونه أفتح من لون ذئب جبال الحجاز النارية ذات اللون الأسود، ويخالف لون وجهه سائر بدنه.
ويختلف لون الذئب في الجزيرة العربية بحسب طبيعة الأرض الذي يعيش فيها. فالذي يعيش في المناطق الجبلية الرسوبية كجبال طويق, وجبال العرمة, لونه رمادي أشهب، فيه شيء من السواد على ظهره وشعر رقبته.
والذئب في الجزء الجنوبي من المملكة أصغر حجمًا من أخيه في شمال المملكة، ولونه أشد سوادًا، وهو يتلون بطبيعة لون الأرض التي يعيش فيها.
ويبلغ متوسط طول الذئب العربي من أنفه إلى نهاية ذيله 1.3 متر, وقوائمه طويلة تساعده على سرعة الجري والمناورة والالتفاف على فريسته. وله ظهر عريض يستطيع أن يحمل خروفًا عليه والهرب به, وله صدر ونحر ومقدمة نحيفة. ومتوسط ارتفاعه 65سم.
أما الذئب الذي يعيش في المناطق الرملية فهو أكبر حجمًا وأسرع وأشرس من ذئب الجبال, ويختلف لونه عن أخيه الجبلي. فلونه فاتح يميل إلى لون تربة الرمال، وعلى ظهره خط أزرق وجوانب رأسه, ولونه شبيه بلون الدخان المنبعث من الأشجار الرطبة, وهذا الشاعر الراعي يشبه لون الذئب بدخان شجيرة العرفج البرية فيقول:
كدخان مرتجلٍ بأعلى تلعة
غرثان ضرم عرفجًا مبلولا
والذئب الذي يعيش في المناطق الباردة يكون أفتح لونًا, وأغزر صوفًا, وأكبر حجمًا, وأكثر تناسلاً من الذي يعيش في المناطق الحارة. وللذئب أسنان وأنياب حادة عددها 42 سنًا منها 4 أنياب في مقدمة الفكين, وأسنانه الخلفية مرتصة كالشريط قادرة على سحق العظام، ويعد الذئب من أحذر الحيوانات. ويقال في الأمثال عن شدة حذر الذئب: «أحذر من ذئب» يوصف بذلك الرجل الحذر, ويقال، أيضًا، «أخف رأسًا من ذئب» أي من شدة انتباهه، فهو دائمًا يقظ.
قال حميد بن ثور يصف نوم الذئب:
ونمت كنوم الذئب عن ذي حفيظة
أكلتُ طعامًا دونه وهو جائع
ترى طرفيه يعسلان كليهما
كما اهتز عود النبعة المتتابع
ينام بإحدى مقلتيه ويتّقي
بأخرى المنايا فهو يقظان هاجع
ومن سلوكيات خداع الذئب عندما يهم بالهجوم يضبأ، أي يلتصق بالأرض على بطنه ويتقي بأي شيء عن عين الفريسة التي يراقبها حتى ينقض عليها في الوقت المناسب, ويقال في ذلك ضَبأ الذئب.
التهجين المركب
ومن الغريب أن الذئب يتزاوج مع بعض الحيوانات مثل الكلاب، والضباع, والثعالب, وينتج عن ذلك فصائل مختلفة. ومن تلك الأنواع المركبة: العسبار، والفرعل، والدَّرْوان، والأسبور وهو سريع جدًا في العدو ويضرب به المثل. والعسبار: وحشي الطباع، يعيش منفردًا لا يألف السباع، وخطر على الإنسان. والسمع: هو سبع مركب بين الذئب والضبعة, وهو شديد السمع قالت العرب عنه في أمثالها: «أسمع من سمع». ويقولون إن «السمع» لا يموت حتف أنفه، بل يموت بسبب من أعراض الدنيا, ولا تضره الأسقام والعلل. ومن أسماء السمع: الأزل, وكذلك الذئب الأرسح, هو المتولد بين الذئب والضبعة, وقد أخذ شدة الضبع وقوته، وجرأة الذئب وعدوته, وهو من أسرع الحيوانات. وتزعم العرب أنه أسرع من الطير, وأن وثبته تزيد على عشرين ذراعًا أو ثلاثين ذراعًا.
يقول الشنفرى الأزدي، وهو بدوي من أهل الصحراء، وقد وصف التزاوج الذي يحصل بين الضبع والذئب:
تضحك الضَّبع لقتلى هُذيلٍ
وترى الذئب لها يسْتهلُّ
ويقول أهل البادية إن ما ينتج عن هذا الزواج يسمى «الشيب»، وهو أكبر حجمًا من الذئب، وله رأس كبير وشرس جدًا.
قال بعض الأعراب يصف السمع:
أنعت سمعًا قفزة مجرسًا
فجالسا إذا اشتهى لحم أكل
أبوه سرحان وذيخ جده
فمن كلا لونيهما فيه مثل
وفيه من لون الضباع غرة
وفيه من لون السراحين طحل
يستفاد من قول الشاعر أن السمع: ابن الضبعة من الذئب.
وقال آخر:
تراه حديد الطرف أبيض واضحًا
أغر طويل الباع أسمع من سمع
وتقول العرب ،أيضًا، إن العثبار: «دابة متولد بين الضبع والذئب».
الخيهفعي: وهو ولد الكلب من الذِّئبة. وقيل، أيضًا، إنه مركب بين النمر والضبع. جاء في «لسان العرب»: قال ابن خالويه: أبو الخَيْهَفْعَي كنية رجل أعرابي يقال له جنزاب بن الأقرع فقيل له لِمَ تكنَّيْت بهذا؟ فقال: الخيهفعي: دابة يخرج بين النَّمر والضبع يكون باليمن، أغضف الأذنين، غائر العينين، مشرف الحاجبين، أعصل الأنياب، ضخم البراثن، يفترس الأباعر. «والنَّهْسَر»: مركب بين الكلْب والذِّئب. ويسمى، أيضًا، المَنزوف، وهو جبان يخاف الإنسان والحيوانات الأخرى.
كيف تتقي الذئب؟
قد يتعرض الإنسان لمهاجمة ذئب في الصحراء من غير استعداد للمواجهة, خصوصًا في المواقع البعيدة عن المدن, وفي المناطق الوعرة المقطوعة. ومن طباع الذئب قطع المسافات الطويلة التي قد تصل إلى مئات الكيلومترات للبحث عن الطعام.
والرجل الشجاع يستطيع أن يخلص نفسه من الذئب. ومن الاحتياطات التي ينصح باتباعها عندما يكون الشخص في الصحراء، ويتورط في مكان فيه ذئاب عليه أن يتبع الخطوات التالية:
• إشعال النار بالليل، لأن الذئب يخشى النار, ورميه بشعلة من النار لإخافته عندما يقترب منه.
• لف الرقبة بأي شيء يتوفر من القماش كي لا تكون هدفًا لأنياب الذئب.
• حماية البطن ولفه بقماش سميك، لأن الذئب أول ما يهاجم الإنسان يضربه في بطنه بمخالبه, وإن تعارك وإياه فهو يحاول أن يصل بأنيابه إلى حلقه, ويحاول عند اشتباكه بالرجل وهو واقف على رجليه أن يشق بطن الرجل بإحدى مخالب رجليه.
• الذئب يهاجم الإنسان وهو نائم، وأول ما يبدأ به بطنه, فينبغي ألا يتكشف النائم حتى لا يسهل على الذئب ضربه في البطن.
• الاستعداد دومًا بسكين صغير يحملها الذي يتجول في الصحراء والمناطق الوعرة المقطوعة، لأنها قد تكون من منازل الذئاب.
• لو اجتمع أكثر من ذئب على إنسان، فليحمِ ظهره بصخرة أو جدار أو ما حوله. ويقابل الذئاب بوجهه، وعادة الذئب لا يواجه الإنسان، وإنما يأتيه من الخلف، فإذا وجد الإنسان ما يسند ظهره عليه من صخرة أو تل لم يقدر عليه الذئب. وليحاول أن يدمي أحدها، فبقية الذئاب تهجم على المدمي وتترك الإنسان ، وبذلك تكون له فرصة للنجاة.
• إذا قام الذئب بالعواء فهو دليل على عدم استطاعته على الإنسان, ويجب هنا أن يحترز الإنسان من مدد الذئاب التي قد تلبي عواء الذئب، فربما اجتمع عليه قطيع منها وتجرأت على افتراسه.
• قبل أن يحل الليل يجب أن يستعد الرجل بمأوى كالزرب، أو الجحر، أو كهف صغير ضيق المدخل يسع جسمه ولا يسمح للذئب أن يصله, وأن يقتلع شجرة شوكيه ويجعلها كالباب يغلق بها مدخل المأوى الذي اختاره في النهار، وأن يترك جذر الشجرة من ناحيته.
• عندما يريد الصياد اقتناص الذئب يجب أن يكون محتميًا بشيء مثل الحائط أو الصخور، لأنه إذا أطلق النار عليه ولم يقتله فهو يهجم بسرعة على المعتدي ويثب عليه وربما يمزقه قبل أن يبادره بطلقة أخرى, خصوصا إذا أصابته الطلقة الأولى في غير مقتل.
• يستطيع الذئب السباحة في الماء, وكذلك تسلق الأشجار. ولو تسلق الإنسان شجرة ومعه عصى غليظة لاستطاع أن يدافع عن نفسه، ولا يسمح للذئب أن يصله. كما أن العصا أو الصخور والحصى لا يستطيع حاملها الامتناع بها عن الذئب.
والذئب إذا طمع فيه الإنسان خاف منه... وإذا خافه الإنسان طمع فيه، وإذا سبق الإنسان في رؤية الذئب هلع منه وخاف.
ومن وسائل الخداع لدى الذئب عند ابتدائه الهجوم يقوم بالاقتراب من الإنسان، ثم يرمي عليه التراب برجليه ليخيفه ثم يبتعد عنه وكأنه لا يرغب في العودة، ولكنه يبقى تحت مراقبته ثم يعيد الكرة عليه مرة أخرى مقتربًا منه أكثر, وهكذا حتى يقترب منه وينقض عليه.
قال الشاعر:
وإذا الذئاب استنعجت لك مرة
فحذار منها أن تعود ذئابا