August2010Banner

 


الدب والنحل



بقلم: محمد سعيد المولوي
رسم: ريم العسكري

قال الأبُ همَّامُ لأولاده: أتعرفون الدُّبَّ؟ فبادرتْ ابنتُه سلامُ إلى القول: نعم يا والدي، فهو حيوانٌ كبيرٌ له رأسٌ مثلَّثٌ ينتهي بمنخرين متطاولين وفمٍ عريضٍ مجهزٍ بأسنانٍ ضخمةٍ، يمشي على أربع منتهية بأظفارٍ طويلةٍ مؤذيةٍ، وقد يمشي على اثنتين، وله وزنٌ كبيرٌ. وفي اعتقادي أنه لو ضربَ شخصًا بيده لقتله.
قال الأبُ: أحسنتِ يا سلام، لكن من أينَ جئتِ بهذه المعلومات، فأجابتْ سلام: لقد قرأتُ ذلك في قصةٍ صغيرةٍ عن الدُّبِّ، مؤلفةٍ للأطفال، كما شاهدتُه في شريط عرض في التلفاز عن الحيوانات.
قال الأبُ: الحقيقة أنك تستحقين الثناء على هذه المعلومات، ولكن هل تعرفين ماذا يأكل الدُّبُّ؟ فقالت سلام: نعم يا أبي، إن الدُّبَّ حيوانٌ لاحمٌ ونباتيٌّ، فإنْ وجَدَ اللحمَ أو السَّمكَ أكله، ولقد رأيته في التلفاز وهو يصطادُ السَّمكَ من النَّهر، كما رأيته وقد اصطاد غزالاً صغيرًا وأكل منه. وهو إنْ فَقَدَ اللحمَ يأكل الفواكه والخضار. على أن أعجبَ ما رأيتُ يا أبتي أن الدُّبَّ يأكلُ العسلَ، ويهاجمُ النحلَ ويسلبه أقراصَ العسلِ غير مبالٍ بهجوم النَّحل عليه.
قال الأبُ: هذا كلامٌ صحيحٌ، وسأحدثكم يا أولادي بقصةٍ طريفةٍ عن النَّحل والدُّبِّ. فقد كانت هناك مجموعةٌ من النَّحل تخرج كل ربيعٍ من القفير، أي الخلية، فتمضي إلى الأزهار وتجمعُ الرحيقَ وتلقحُ الأشجارَ لتغدو الأزهار ثمارًا يانعةً، ثم تعود إلى الخلية حيثُ صنعت حجراتٍ من الشَّمع، فتضع الرحيقَ وقد حولته في أجسادها إلى العسل، وكان النحلُ كلما أنهى عمله وملأ الخليةَ بالعسل، جاء الدُّبُّ فتسلق الشجرةَ ووصل إلى الخليةِ فاستخرج العسلَ وأكله، وكسر أطرافَ الخليةِ وقتل ما استطاع من النحل. وهكذا فإنَّ الدُّبَّ لم يكن يترك للنحل طعامًا للشتاء، وكان قسمٌ كبيرٌ من النحل يذهب قتيلاً بيد الدُّبِّ أو من قلة الطعام.
ولما كان النحلُ يعيشُ حياةً منظمةً فللخلية ملِكةٌ تديرُ شؤونَها وهي التي تبيض البيض الذي يفقس نحلاتٍ صغيراتٍ تتغذى مما جمعته النحلات أيامَ الربيعِ، فتكبر وتصبح نحلاتٍ عاملاتٍ، كما يعمل تحت إمرتها نحلات تتولى جمعَ الرحيقِ وصنعَ العسلِ، كما أن هناك نحلاتٍ تتولى تهويةَ الخليةِ بتحريك أجنحتِها بسرعةٍ، فتطرد الهواء الموجود في الخلية، وتستجلب هواءً جديدًا نظيفًا، وهناك نحلاتٌ مدافعاتٌ عن الخلية تتولى قتلَ الحشرات التي تدخل الخليةَ، وخصوصًا الزنابير، فإذا دخل زنبور الخليةَ تكاثرت عليها النحلاتُ المدافعاتُ وتولت قتلَه ورميَه خارج الخلية، فإنها قد توقعتْ، وقد امتلأت الخليةُ بالعسل، أن يأتي الدُّبُّ تهديه رائحةُ العسل. فقالت للنحل: إنكنَّ تعلمن أنه كلما نضج العسلُ جاءنا الدُّبُّ فكسر الخليةَ، وقتل ما قتل، وأكل العسلَ، وتركنا بلا طعام. لذا يجب علينا أن نمنعَ الدُّبَّ من عمله هذا. وقالت إحدى النحلات: وكيف نستطيع ذلك ونحنُ حشراتٌ صغيرةٌ تموت منا المئات بضربةٍ واحدةٍ من يده؟!
قالت الملِكة: هل هناك أذكى وأكثر حيلةً من الإنسان؟ فأجاب الجميعُ: لا. وقالت الملِكةُ: ألم تروا أن الإنسانَ لا يستطيعُ أن يدخلَ خليتَنا حتى ينفخَ الدخانَ فيها فيفسد الهواء علينا ونضطر إلى الخروج من الخلية، وأنه يلبس ملابسَ محصنةً لا تؤثر فيها لدغاتُنا، ويضع على وجهه منخلاً من الحديد يعينه على الرؤية دون أن نتمكن من لدغه؟ كل هذا لأننا نهاجم الإنسانَ جميعًا ويدًا واحدة. ونحنُ نستطيع أن نمنعَ الدُّبَّ من غايته إذا اتَّحدنا ونظَّمنا أمورَنا.
قالت نحلة وكيف ذلك؟! فأجابت الملِكةُ: إنَّ الدُّبَّ يتسلقُ الشَّجرةَ مستهديًا بحاسة الشم حتى يصل إلينا، فإذا استطعنا منعه من التسلق استرحنا منه، فنحنُ لدينا فدائيات تهاجم الزنابير وتقضي عليها. والخطة برأيي أن تتولى مجموعةٌ منا مراقبةَ الدُّبِّ فيما إذا حضر وتخبرنا بذلك، حيث تخرج النحلات الفدائيات فتنتظر الدُّبَّ حتى يبدأ بتسلق الشجرة فتهاجمه وتلسعه في عينيه وأنفه وهما أضعف منطقتين فيه، وبالطبع فإنَّ الدُّبَّ يعسر عليه أن ينزعَ يديه عن الشجرة ومحاولة منعنا من لدغه، لأنه سيكون مهددًا بالسقوط، وإنْ ظلَّ محاولاً الصعودَ فإنَّ لسعاتِنا ستؤلمه وتدفعه إلى الهبوط، وإذا ظلت الفدائيات تهاجمه في عينيه فإنه سيسعى هاربًا متألمًا.
مضتْ بضعةُ أيامٍ والنحلات ترصد مجيء الدُّبِّ، حتى كان يوم جاء فيه متهاديًا يمنةً ويسرةً تهديه رائحةُ العسلِ وقوةُ حاسةِ الشم عنده، فسارعت النحلاتُ المراقبةُ إلى الخلية لتعطي إنذارًا بمجيء الدُّبِّ، فأمرت الملِكةُ النحلَ بإخلاء الخلية، وأمرت النحلات المهاجمات بالتأهب وانتظار تسلق الدُّبِّ ومهاجمته حينَ يتسلق قسمًا من الشجرة.
وقفَ الدُّبُّ أسفلَ الشجرة تشدُّه رائحةُ العسلِ يتشمم الشجرةِ وهو يخور ويصرخ ثم بدأ بتسلق الشجرة، وما كاد يصل إلى قرب الخلية حتى انقضت عليه جموع النحل، فاستقرت فوق عينيه وأنفه وراحت تلسعه بشدة، فأصاب الدُّبَّ بلاءان أولهما الألمُ الشديدُ من لدغ النحل، ولا سيما في العين والأنف، والثاني عدمُ القدرةِ على الرؤية. وتوقَّفَ الدُّبُّ عن التسلق وراح يذب بيده عن عينيه، واشتد عليه الألمُ، فعمد إلى ضرب النحل الواقع على عينيه بيده ضربًا شديدًا، فوقعت أظفاره على عينه ففقأتها، فطار صوابه، ومن غير شعور ضرب بيديه الاثنتين على عينيه وأنفه فسقط من أعلى الشجرة على الأرض، وأصابته كدماتٌ كثيرةٌ لثقل وزنه، وقام متحاملاً على نفسه لا يكاد يقدر على السَّيرِ من أثر السقوط، حاولَ الفرارَ من المكان، ولكنه لم يسر إلا بضعة أمتار حتى سقطَ على الأرض لا يستطيع السَّيرَ، والنحل يقوم ويقع عليه يلسعه ويزيد في آلامه.