August2010Banner

 


أروع المساجد المملوكية
فنان يحفظ مسجد السلطان حسن
عاشق جدة يحاكي طبيعتها القديمة، ويجسد معمارها الذي شيد في زمن جميل،
تجمعت فيه شتى الفنون والزخارف وتشرف عليه 4 إيوانات متقابلة.



القاهرة: أهلاً وسهلاً

«««مسجد لا ثاني له في مصر، ولا يشابهه في غيرها من البلاد في فخامة البناء».. بهذه الكلمات وصف الرحالة المغربي الشيخ الحسين بن محمد الورثيلاني
في كتابه «نزهة الأنظار في فضل علم التاريخ والأخبار» مسجد السلطان حسن بالقاهرة.. وقال عنه «جومار» في كتاب «وصف مصر»: إنه «من أجمل مباني القاهرة الإسلامية، ويستحق أن يكون في المرتبة الأولى من مراتب العمارة العربية بفضل قبته العالية، وارتفاع مئذنتيه وعظمة اتساعه، وفخامة وكثرة زخارفه»..
ويوصف المسجد بأنه تاج العمارة المملوكية ودرَّة المساجد المصرية، وأبدى الرئيس الأمريكي باراك أوباما انبهاره
به حينما زاره قبل عامين.

مضت 650 عامًا مضت على تاريخ تخطيط هذا الصرح الإسلامي، وتحديدًا في عام 1355، حينما خطط السلطان حسن بن الناصر محمد بن قلاوون لبناء مسجد جامع فريد من نوعه، على أن يتضمن، أيضًا، مدرسة للمذاهب الأربعة، الشافعي والحنفي والمالكي والحنبلي. كان يريد مسجدًا عظيمًا لا نظير له في العمارة والضخامة ودقة البناء.. وبالفعل بدأ البناء في المسجد سنة 1356، ونظرًا لفرادته وضخامته، وحرصًا على دقة كل تفاصيله، استغرقت مدة البناء سبعة أعوام، ليكتمل بناؤه في عام 1363.. لكن القدر لم يهيئ للسلطان حسن فرحة الانتهاء من بناء المسجد، وذلك لأنه قُتل قبل انتهاء البناء ولم يُعثر على جثمانه، وبالتالي لم يدفن بداخله كما كان مخططًا.

مواصفات المسجد
يعد المسجد بحق من أروع المساجد المملوكية وأكثرها شأنًا، فقد جمع بين ضخامة البناء وفرادة الهندسة، كما توافرت فيه دقة الصناعة وتنوع الزخرف، واجتمعت فيه شتى الفنون والصناعات، فنرى دقة الحفر في الحجر ممثلة في زخارف المدخل ومقرنصاته الفريدة، وبراعة صناعة الرخام ممثلة في وزرتي القبة وإيوان القبلة، ومحرابيهما الرخاميين، والمنبر ودكة المبلغ، وكسوة مداخل المدارس الأربع المشرفة على الصحن، كما نشاهد دقة صناعة النجارة العربية وتطعيمها مجسمة في كرسي السورة الموجود بالقبة.
وتبلغ مساحة المسجد 7906 أمتار مربعة «ما يقرب من فدانين»، وطوله 150م، وعرضه 68م، وارتفاعه 37.70م، بتكلفة طائلة «قيل إنها تجاوزت 750 ألف دينار من الذهب».
وللمسجد، أيضًا، مئذنتان رشيقتان، وازدحمت فيه روائع الفن، فزينت كل ما فيه، لا فرق في ذلك بين الثريات النحاسية والمشكاوات الزجاجية، علمًا بأن دار الآثار المصرية تحتفظ بالكثير من هذه التحف النادرة، والتي تعد من أدق ما صنع في هذا العصر وأجمله. وقد أنشئ المسجد على نظام المدارس ذات التخطيط المتعامد، إذ يمر الإنسان من المدخل الرئيس إلى دركاة، ثم ينثني يسارًا إلى ممر يوصل إلى صحن مكشوف مساحته 32 في 34.60 متر، كما تشرف عليه أربعة إيوانات متقابلة ومعقودة أكبرها وأهمها إيوان القبلة تحصر بينها أربع مدارس لتعليم المذاهب الإسلامية، كتب على كل من أبوابها أنه أمر بإنشائها السلطان الشهيد الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن قلاوون سنة 764 هجرية، ويتكون كل منها من صحن مكشوف وإيوان القبلة، ويحيط بالصحن مساكن للطلبة مكونة من عدة طبقات بارتفاع المسجد
.
مسجد ومدارس متنوعة
يتوسط صحن المسجد قبة معقودة تظلل مكان الوضوء وتحملها ثمانية أعمدة من رخام، وقد كتب بدائرتها آيات قرآنية، كما سُجل تاريخ إنشائها 766 هجرية. وتحيط بدوائر إيوان القبلة وزرة رخامية يتوسطها المحراب، وعلى يمينه المنبر الرخامي الذي يعد من المنابر الرخامية القليلة في المساجد. ويعلو الوزرة الرخامية طراز من الجص محفور به سورة الفتح بالخط الكوفي المزخرف.
تقع القبة، التي تبلغ مساحتها 21×21 مترًا، وارتفاعها 48 مترًا، خلف جدار المحراب، بعد أن كانت تشغل أحد الأركان في المساجد الأخرى، وهذا الوضع ظهر في هذا المسجد لأول مرة. ويتوصل إليها من بابين على يمين المحراب ويساره، بقي الأيمن منها بمصراعيه النحاسيين المطليين بالذهب والفضة. ويرجع تاريخ إنشائها إلى القرن السابع عشر، حيث حلت محل القبة القديمة، وبأركانها مقرنصات ضخمة من الخشب نقش أحدها ليمثل ما كانت عليه الأركان الأخرى. وتكسو جدران القبة بارتفاع ثمانية أمتار وزرة رخامية يعلوها طراز خشبي كبير مكتوب في نهايته تاريخ الفراغ من بناء القبة القديمة سنة 764 هجرية.
ويحيط بالصحن أربع مدارس للمذاهب الأربعة تعد مساجد صغيرة محدقة بالجامع الكبير، وتتكون كل مدرسة من إيوان وصحن تتوسطه فسقية «نافورة»، وتحتوي كل مدرسة على ثلاثة طوابق تشتمل على غرف الطلبة والدرس، ويطل بعضها على صحن المدرسة، وبعضها الآخر يطل على الواجهات الخارجية. وتعد المدرسة الحنفية كبرى المدارس، إذ تبلغ مساحتها 898 مترًا.
ومعروف أن السلطان حسن كان قد قرر قبل مقتله لكل مذهب من المذاهب الأربعة شيخًا ومئة طالب، وحدد لكل منهم راتبًا حسب وظيفته، كما عين مدرسًا لتفسير القرآن وعين معه ثلاثين طالبًا عهد إلى بعضهم بأن يقوموا بعمل الملاحظة، أيضًا، عين مدرسًا للحديث النبوي وخصص له راتبًا قدره 300 درهم، كما عين طبيبين أحدهما باطني والآخر للعيون يحضر كل منهما كل يوم إلى المسجد لعلاج من يحتاج من الموظفين والطلبة
متحف الزخرفة الإسلامية
وكان المخطط للمسجد أن يضم أربع مآذن، تم بالفعل تشييد ثلاث منها، وإن لم يبقَ منها سوى المئذنتين القائمتين اليوم على جانبي القبة بالواجهة الشرقية، أما المئذنة الثالثة فكانت مشيدة على الكتف الأيمن للمدخل الرئيس، لكنها سقطت لخلل معماري ناجم عن خطأ في حسابات ثقل أحجارها على قاعدة البناء، وكان سقوطها سببًا في وفاة بعض المارة بتاريخ 6 ربيع الآخر سنة 762 هـ «1361م»، وعندئذٍ قرر السلطان حسن عدم بناء المئذنة الرابعة والتي كان من المقرر لها أن تحتل الكتف الأيسر للباب الرئيس.

آية من الجمال
ويحيط بإيوان القبلة إفريز نادر من الجص مكتوب عليه بالخط الكوفي المزهر آيات من القرآن الكريم، ويتخلل الكتابة زخارف دقيقة وقد غشيت الجدران الجانبية لإيوان القبلة بأشرطة من الرخام الملون إلى ارتفاع متر ونصف من أرضية الإيوان.. وبالجملة فإن الإيوان بزخارفه الرخامية والجصية يعد آية من آيات الفن الجميل، ويساعد الارتفاع الكبير لعقد الإيوان على تضخيم أصوات المؤذنين أو القراءة فيه. وخلف إيوان القبلة توجد القبة، ويتم الوصول إليها عبر بابين يكتنفان المحراب أحدهما ناحية الجنوب وهو مصفح بالنحاس الأصفر المكفت بالذهب وعليه اسم السلطان حسن، والآخر فقد كسوته المعدنية التي يبدو أنها سلبت في القرن التاسع عشر بوساطة تجار العاديات.