مزاد دار كرستيز في دبي
فنان يحفظ الاستثمار في الأعمال الفنية
هل الاستثمار في الأعمال الفنية في عالمنا العربي آمن؟ وهل سيدخل قريبًا سوق الأسهم؟ أم أن اللوحة للحالمين والمشاهدين ولا حظَّ لها في فضاء التجارة والمزادات العالمية؟ الإجابة عن هذا السؤال المركب والهاجس أتت لصالح الاستثمار، إذ ما زالت أصداء النجاحات التي حققتها الأعمال الفنية السعودية في مزاد الأعمال الفنية العالمية الذي أقامته دار كرستيز في دبي، مؤخرًا، تثير إعجاب المهتمين بالفنون البصرية, وفاقت الأرقام التوقعات، حيث حقق العمل الفني للفنان السعودي عبدالناصر غارم العمري «من مواليد أبها 1973» رقمًا قياسيًا، وبيع مقابل 842,500 دولار، ما يعادل أكثر من ثلاثة ملايين ريال سعودي، أي أكثر بعشرة أضعاف القيمة الأولية التي خمنتها دار كرستيز لهذا العمل قبل المزاد. وبلغت عائدات المزاد 7,980,875 دولارًا.
وفق التشكيلية، رنيم زكي فارسي، فإن الثقافة العامة لعالم الفن وسوقه مهمة جدًا، وشيء أساسي لمن يرغب في دخول هذا العالم، سواء من ناحية الاقتناء أو الاستثمار، فالاقتناء والاستثمار ينبعان من الثقافة، ومن إمكانية التعرف على المعلومات الأساسية في السوق. والاستثمار في الفن عالم عميق، وطريق طويل يحتاج إلى الثقافة والخبرة والتعمق والتجوال لمعرفة المعلومات الأساسية والمؤثرات الاستثمارية.
وعن الطرق الآمنة للاستثمار في الأعمال الفنية تقول فارسي: «الصناديق الفنية هي نوع واحد، وهي متشابهة جدًا مع أي صناديق استثمارية أخرى، ولكنها متخصصة في شراء الأعمال الفنية، والكثير من المعلومات الإدارية تبقى سرية، فلذلك يجب تعيين استشاريين من قبل المستثمرين للتنبؤ بما يمكن ربحه، سواء كان طويل الأجل أم لا، وإذا كان ذا مخاطر عالية أم منخفضة.
أما الطريقة الأخرى للاستثمار في الفن فهي أن يستثمر الشخص بشكل فردي إن كانت لديه الخبرة والمعرفة لمدة كافية، وأن يعلم ما يدور بداخل السوق، ويمتلك السبل للوصول إلى قواعد البيانات والأرقام القياسية وغيرها من المعلومات المهمة، وأيضًا الوعي العام الذي يشمل الابتعاد عن المضاربين و«المخمنين» لما يثيرونه من ضجة وذبذبات مفاجئة في الأسعار، فهناك عوامل وتدخلات عديدة يجب على المستثمر الحرص عليها والحذر منها في الوقت نفسه عند دخوله هذا العالم. لذلك يعمد كثير من الراغبين في الاستثمار إلى توكيل بعض الاستشاريين ورؤساء المعارض وبعض التجار المتعاملين في الفن للإرشاد والنصح وإدارة استثماراتهم في بعض الأحيان، والسبب لهذا الحرص هو ما يحدث الآن عند تقييم الأعمال الفنية».
ومن أهم العوامل المؤثرة في التقييم لدى معظم المزادات العالمية، بحسب فارسي: حالة العمل الفني، وتحديد هوية الفنان، وتوثيق انتماء العمل إليه، ومصدره، ومن كان يملكه، وتاريخ الف
نان والعمل الفني، والحجم، ونمط العمل الفني وذوقه، وجودته، وموضوعه.
اللوحات جواهر ثمينة
من جهة أخرى، يرى عصام عسيري، رئيس قسم التربية الفنية بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، أهمية كبرى للاستثمار في الأعمال الفنية، ويسرد قصة شخصية للدلالة على أهمية ادخار الأموال في شراء الأعمال الفنية بقوله: «في العام الماضي استأجرت منزلاً في لندن كان يحتوي على ما يقارب 40 لوحة تشكيلية صغيرة، تتنوع ما بين الزيت والفحم والحبر والباستيل والجرافيك والفوتوغرافية، وجميعها أعمال أصلية ومنتقاة بحرفية وذوق راق ومنتشرة في جميع الغرف والممرات، ولما سألت صاحبة المنزل عنها ذكرت لي أنها تدخر أموالها في شراء اللوحات الفنية وبعضها ورثتها من والديها وستورثها لأبنائها من بعد، لأنها من ضمن ممتلكاتها وتركتها مثل مجوهراتها».
البنوك دخلت إلى الحلبة
أما الناقد التشكيلي، مشعل العمري، فيؤكد أن الاستثمار في الأعمال الفنية مجال مهم ومربح عالميًا، وتقام بشأنه المزادات والفعاليات التسويقية بشكل دوري في عدد كبير من العواصم العالمية، وهو استثمار طويل الأجل، يحقق أرباحًا عالية نسبيًا لدرجة أن بعض الشركات الشهيرة والبنوك العالمية أنشأت ضمن هياكلها الإدارية أقسامًا متخصصة لحفظ مقتنياتها من الأعمال الفنية القيمة وتصنيفها، وعينت المستشارين الفنيين والمضاربين المتخصصين لإدارة الاستثمارات الخاصة بها في هذا المجال.
ويرى عمر بادغيش، رجل أعمال مهتم باقتناء الأعمال الفنية، أن الاستثمار في هذا المجال معرض للربح والخسارة، وهذا يعتمد على معرفة المستثمر بالفنانين، وتاريخهم، وأساليبهم، والأهم مقدرة المستثمر في تقييم كل عمل فني، سواء لفنان معروف في الساحة أو لفنان موهوب.
ويعتقد الفنان التشكيلي، فهد الحجيلان، أن مفهوم الاستثمار في الأعمال الفنية بدأ يتنامى، وأن الفنانين السعوديين يقدمون فنهم بشكل جيد، كما أن المهتمين بالفن أصبحوا أكثر دراية ومتابعة للتجارب الفنية الجادة.
أما صديق واصل، فنان سعودي، فلديه رؤيته الخاصة عن الاستثمار في الأعمال الفنية، يقول: «الاستثمار في العمل الفني يختلف حسب ثقافة المكان. في الدول الغربية نرى أن الأعمال الفنية وصلت لأرقام قياسية بملايين الدولارات، ونجد، على سبيل المثال، أعمال بيكاسو، وسلفادور دالي، ودافنشي، وجيكوميتي، قد حققت أرقامًا خيالية. ودخول المزادات الفنية العالمية إلى المنطقة كالمزاد الذي أقامته دار كرستيز ذات الشهرة العالمية في دبي، مؤخرًا، يدل على وجود بنية تحتية مؤهلة للاستثمار في الأعمال الفنية، وهو استثمار طويل الأجل، وأن الاستفادة تعود للمستثمر لشرائه هذا العمل أو ذاك ودوره في رفع قيمة هذا العمل وتأهله للدخول للمتاحف والمزادات الفنية العالمية، فالعمل الذي اشتراه بخمسين ألف دولار، على سبيل المثال، قبل عشر سنوات، سيتضاعف إلى عشرة أضعاف سعره السابق، والمستفيد هنا هو المستثمر». حياة شبكشي، ممثلة دار كرستيز بالمملكة، توقعت أن يزداد الطلب على الأعمال الفنية السعودية، الاستثمار في الأعمال الفنية يختلف عن الاستثمار في القطاعات الأخرى، واهتمامات المستثمرين بدأت تتجه نحو الاستثمار في الأعمال الفنية لفنانين من منطقة الشرق الأوسط وتحديدًا لفنانين من الوطن العربي، مثل أعمال الفنانين المصريين والسوريين والسعوديين التي حققت أرباحًا جيدة. ومزاد كرستيز العاشر، الذي أقيم في إبريل الماضي في دبي، عزز الكثير من القناعات لدى شريحة كبيرة من المستثمرين المهتمين بالفن السعودي المعاصر، حيث سجلت الأعمال الفنية السعودية أرقامًا قياسية تدعو للفخر، وكسعودية أشعر بالفخر والاعتزاز لتطور أعمال الفنانين السعوديين.