August2010Banner

 


عصفور القصب
فصيلة نادرة لا يعرف العلماء عنها الكثير، تظهر في منطقة واخان الأفغانية.



كابول: شفيق طاهر

من كان يتوقع أن أفغانستان، بحروبها المتعاقبة وأراضيها التي لا تشهد هدوءًا مطلقًا، ستكون موطنًا لفصيلة نادرة جدًا من الطيور، لا يعرف العلماء عنها الكثير؟ المفاجأة كانت كبيرة بالنسبة إلى العلماء الذين اكتشفوا أن منطقة أفغانية نائية هي أرض تتكاثر عليها فصيلة تعد من أقل الطيور المعروفة عالميًّا.

تم رصد عصفور القصب المغرد الطويل المنقار «وهو من فئة عصافير القصب ولكنه نادر جدًا» للمرة الأولى في الهند في عام 1867، ولكنه منذ ذلك الحين اختفى حتى عام 2006، حين سُجل ظهور آخر له في تايلاند، وبقي متخفيًا لاحقًا إلى اليوم، حيث تم اكتشافه أخيرًا في أفغانستان. لكن الاكتشاف الأخير كان مختلفًا هذه المرة، فقد عثر العلماء على تجمع كبير لهذه العصافير وليس على أعداد قليلة كما حدث في المثالين السابقين.
هناك حقائق ومعلومات قليلة جدًا متوافرة حول عصفور القصب المغرد الطويل المنقار الذي يراوح لونه بين البني والأخضر، إلى حد أن منظمة الطيور العالمية وصفته منذ مدة طويلة بأنه الطير الغامض، إذ لم يتم في السابق التقاط أحد هذه العصافير وأخذه إلى المختبر لتحليله جيدًا ومعرفة مميزاته.
وقد ظل الأمر على ما هو عليه إلى أن تم اكتشاف موقع يتكاثر فيه هذا العصفور في منطقة «واخان» البعيدة إلى أقصى الشمال الشرقي الأفغاني، وهو الموقع الأول في العالم الذي يكون فيه عصفور القصب الطويل المنقار موجودًا فيه بهذه الكثرة. اكتشف هذا الموقع من قبل عالم الحياة البرية المتخصص في الطيور، الأمريكي روبرت تيمينس، ما يشير إلى أن الأمريكيين قادرون على اكتشاف مواقع طبيعية وجيدة غير مواقع الحروب التي اعتادوا التركيز عليها، ما يؤكد أن أفغانستان غنية فعلاً، ليس فقط بالحضارات التي تعاقبت عليها، بل بالفصائل المختلفة من الحيوانات والطيور النادرة التي تعيش فيها، بوصفها بلدًا مختلفًا ذا مميزات خاصة من حيث الموقع، والمناخ، والممرات الطبيعية، إلى جانب الجبال والكهوف.

معلومات غنية
أدى هذا الاكتشاف إلى سيل من المعلومات حول هذه الفصيلة من الطيور التي بقيت غامضة بالنسبة إلى العلماء لقرون. في هذا الخصوص يقول تيمينس: «في الماضي كان الناس يرون أن هذا العصفور محلي، وأنه لا يهاجر إلى أماكن بعيدة، إلا أن الجينات الموجودة في عصفور القصب الطويل المنقار في تايلاند وتلك التي في أفغانستان هي نفسها ومتطابقة تمامًا، وتؤكد أنه من الفصيلة نفسها، أي أن هذه الفصيلة نفسها تهاجر ذهابًا وإيابًا، ويقدر أن مسافة هجرتها تراوح بين آسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا».
يقع وادي واخان الأفغاني بين طاجكستان وباكستان والصين، وهو محاط بأعلى جبال الهندوكوش. وهذه البيئة الجافة تعد موطنًا لفصائل كثيرة من الثدييات بما فيها أغنام «ماركو بولو»، والوعل السيبيري، والوشق، ونمر الجليد.
يقول تيمينس إن اكتشاف موقع التكاثر الأفغاني هذا يدل على أن واخان تحمل الكثير من الأسرار البيولوجية. فخلال بحثه وجد تيمينس فصيلتين لم يتم الإعلان عن وجودهما في أفغانستان، هما عصفور الورد «بسبب اللون الأحمر على رأسه»، وديك الثلج. وبرأيه، فإن هناك الكثير من الفصائل سيتم اكتشافها في أفغانستان في حال هدأت طبول الحرب. ويتأمل العلماء أن يتم تشكيل فرق علمية خاصة لاكتشاف المزيد من الفصائل في أفغانستان قبل فوات الأوان أو قبل أن تهرب تمامًا جراء عدم الاستقرار.

قصة العصفور
يأتي هذا الاكتشاف بعد أشهر من أعمال التقصي والتحري. فقد بدأت قصة عصفور القصب المغرد الطويل المنقار مع تيمينس في حزيران يونيو، عندما قادته المصادفة إلى الأراضي الأفغانية حيث يلتقي نهرا واخان وبامير ليشكلا معًا نهر أم داريا. آنذاك سمع تيمينس تغريد عصفور القصب النادر وأخذ له مجموعة من الصور وسجل صوته، لكنه عندما عاد وزار متحف التاريخ الطبيعي في بريطانيا وحاول أن يقارن بين العصفور الذي بحوزته والعصافير المكتشفة، وجد أنه فريد من نوعه. تجدر الإشارة إلى أن جبال بامير تعد من أعلى القمم في العالم، وهناك من يصفها بأنها «سقف العالم»، وهي تضم مجموعة قليلة من الرعاة البدو فقط، نظرًا إلى صعوبة العيش فيها.
في حزيران يونيو 2009، عاد العلماء إلى الموقع، حيث نشروا الشبكات الكثيرة وصوروا العصفور. وفي الشبكة التقطوا 20 عصفورًا من هذه الفصيلة وأخذوا منها الريش من أجل فحوص الحمض النووي، ومن ثمَّ عادوا وأطلقوا سراحها. بعد أعمال مخبرية عدة، وفحوص مكثفة، ومقاييس عدة، وصور من الحقول المكتشفة، أظهرت فحوص الحمض النووي،
أن تيمينس وجد أول فصيلة كاملة من عصفور القصب المغرد الطويل المنقار بعدما كان ظهوره في السابق نادرًا جدًا، بحيث يظهر بشكل منفرد أو ضمن سرب قليل العدد، بعد 142 يومًا من البحث والتقصي عنه. ويلاحظ العلماء أن عصفور القصب هذا موجود في أفغانستان منذ الثلاثينيات من القرن الماضي. وجد العلماء أن الأرض التي يتكاثر عليها هذا العصفور هي أرض غنية وتعد موطنًا يضم نحو 50 فصيلة أخرى من الطيور المحلية والمهاجرة، كما أنها تشكل ممرًا طبيعيًّا يضم الكثير من الثدييات، منها الذئب الرمادي، والأرنب البري، والنمس.
ولا شك في أن هذه الاكتشافات هي أخبار جيدة بالنسبة إلى أفغانستان الغارقة في الاضطرابات والتي لم نعتد أن نسمع عنها غير أخبار الحرب، ولعل ذلك يشكل دافعًا إضافيًا لوجوب توقف الحرب، حتى لا يقضى على مثل هذه البيئات الطبيعية التي تتوافر في البلاد والتي تضم الكثير من الفصائل النادرة والجميلة.ويدعو العلماء إلى تحويل هذه المنطقة من أفغانستان إلى محمية طبيعية، وإلى حماية المنطقة العشبية حول النهر للسماح للفصائل الحيوانية بالتكاثر فيها. لكن، هل هناك من يستمع إلى هذه النصائح؟

.