June2010Banner

 


المستطرف في كل فن مستظرف




تأليف: شهاب الدين محمد بن أحمد الأبشيهي
منشورات دار مكتبة الحياة
عدد المجلدات: 2
قراءة: عبير الفوزان

أُلف هذا الكتاب في القرن التاسع للهجرة، واعتمد فيه مؤلفه شهاب الدين على الجمع، ونقل كل ما هو طريف وظريف من أمهات الكتب، مثل كتاب «ربيع الأبرار» للزمخشري، وكتاب ابن عبدربه «العقد الفريد»، وحتى من كتاب «كليلة ودمنة» لابن المقفع. يتألف الكتاب من أربعة وثمانين بابًا، وكل باب يتألف من فصول عدة، وتتوزع الأبواب في مجلدين. لقد بدأ الأبشيهي بالباب الأول في مستظرفه بمباني الإسلام، ويشمل خمسة فصول، تتضمن الإخلاص لله، تعالى، والثناء عليه، ثم الصلاة وفضلها، ثم الزكاة وفضلها، والصوم وفضله، والحج وفضله. ولقد تسلسلت الأبواب حسب الأهمية، حيث بدأ بالعقيدة، ثم اللغة والفصاحة، بعدها القيم الاجتماعية، وفي المجلد الثاني تناول الأخبار، والشعر، وحديث الأسفار، وغرائب الأحداث. ونقل المؤلف في كتابه صورة من مجالس الأمراء والوزراء في عصره والعصور المتأخرة عنه، التي اعتمدت على السهر والمنادمة. كما أن بعض أبواب الكتاب كانت صورة تعبر عن حياة الترف التي عاشها الحكام. لعل سبب ظرافة هذا الكتاب الذي استطرفه العامة والخاصة على مر الزمن يعود إلى كم الأخبار وغرائب الأحداث التي جمعها الأبشيهي، وصيغت بأسلوب فصيح بسيط، مُعلية القيم النبيلة التي يطلبها المسلم والعربي، ومُحقرة ما دون ذلك. لقد أورد في باب الجود والسخاء والكرم عددًا من الأحاديث والأمجاد، فذكر حادثة من القرن السابع عن سعيد بن العاص يقول فيها: «تعشى الناس عند سعيد بن العاص، فلما خرجوا بقي فتى من الشام قاعدًا، فقال له سعيد: ألك حاجة؟ وأطفأ الشمعة كراهة أن يخجل الفتى. فذكر أن أباه مات، وخلف دينًا وعيالاً، وسأله أن يكتب له كتابًا إلى أهل دمشق ليقوموا ببعض إصلاح حاله، فدفع له عشرة آلاف دينار، وقال له: لا أدعك تقاسي الذل على أبوابهم». أما في باب «الصفح والحلم»، فلقد ذكر أن «من عادة الكريم إذا قدر غفر، وإذا رأى زلة ستر، وقالوا ليس من عادة الكرام سرعة الغضب والانتقام. وقيل من انتقم فقد شفى غيظه، وأخذ حقه، فلم يجب شكره، ولم يحمد ذكره في العالمين». كما أورد في الباب التاسع والثلاثين في الغدر، والخيانة، والسرقة، والعداوة، والبغضاء، والحسد، قصصًا حول ذلك ولعل أشهر قصة ذكرها وتداولها الناس هي قصة «سنمار» الذي تقول فيه العرب: «جزائي جزاء سنمار». يذكر «أن ازدجرد بن سابور لما خاف على ولده بهرام، وكان قبله لا يعيش له ولد، سأل عن منزل صحيح مريء. فدل على ظهر الجزيرة، فدفع ابنه بهرام إلى النعمان، وهو عامله على أرض العرب، وأمره أن يبني له جوسقًا، فامتثل لأمره، وبنى له جوسقًا كأحسن ما يكون. وكان لبني الجوسق رجل يُقال له سنمار، فلما فرغ من بنائه، عجبوا من حسنه. فقال: لو علمت أنكم توفوني أجرته لبنيته بناءً يدور مع الشمس حيث دارت. فقالوا: وأنك لتبني أحسن من هذا ولم تبنه، ثم أمر به فطرح من أعلى الجوسق فتقطع». أما الباب الثاني والسبعون فقد تضمن الأشعار، والموشحات، والزجل، والألغاز شعرًا، وقد أورد عددًا من الأبيات دون أن يذكر لها قائلاً، إنما ذكر الموضوعات التي تناولتها الأبيات. أما النوادر والطرائف فقد أفرد لها الأبشيهي بابًا تألف من عشرة فصول كانت في نوادر العرب، ونوادر القراء والفقهاء، ونوادر القضاة، ونوادر النحاة، ونوادر المعلمين، ونوادر المتنبئين، ونوادر السؤال، ونوادر المؤذنين، ونوادر النواتية «البحري الذي يعمل على القوارب»، ونوادر جامعة. ولعل من أطرف نوادر النحاة التي أوردها في «المستطرف» كانت نقلاً عن كتاب ابن عبدربه يقول: «عاد بعضهم نحويًا فقال ما الذي تشكوه؟ قال حمى جاسية، نارها حامية، منها الأعضاء واهية، والعظام بالية، فقال له: لا شفاك الله بعافية، يا ليتها كانت القاضية». وكما بدأ كتابه بالعقيدة، فقد أنهاه بفضل الصلاة على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو آخر الأبواب، وبها تختم الأحاديث والكتب، فصلى الله على سيدنا محمد وسلم.