June2010Banner

 


قلعـة أعيرف
إطلالة على شموخ الماضي



استطلاع وتصوير: عبدالعزيز محمد العريفي

قلعة طينية مهيبة تجسد إصرار الماضي على اقتحام الحاضر، وترتفع شامخة فوق جبل أعيرف الذي يتوسط مدينة حائل الحديثة، في تناغم مبهج بين الطبيعة الخلابة والمباني العصرية التي تحيط بالجبل الصغير من جوانبه، وتذكرنا ببيت من الشعر من قصيدة طويلة للشاعر السوري أحمد درويشة أنشدها قبل ما يزيد على الثلاثين سنة عندما كان مدرسًا في المعهد العلمي بحائل، إذ فاضت قريحة الشاعر في لحظة تجل إبداعية عندما صعد إلى القلعة وجال ببصره نحو آفاق المدينة العريقة بمبانيها وأطلالها وأنشد قائلاً:
صعدت التل تل عويرف
فشاهدت دارتها كشبه الدرهم
أجا وسلمى حارسان كلاهما
من عهد نوح كالنسور الحوم

النفس البشرية تواقة دائمًا لالتماس المنقضي، وتبجيل القيم الزمانية والمكانية وتقديس الأثر، خصوصًا عندما ترتبط بموروثات ذات دلالات عقدية، ومجمل ذلك يعد موروثًا ثقافيًا تحرص كل أمة على العناية به لتتميز عن الأمم الأخرى.

قافلة الإعلام السياحي
ضمن فعاليات قافلة الإعلام السياحي التي جابت منطقة حائل في خريف عام 2010، وفي صبيحة يوم جميل كان فيه ضوء الشمس ببرودة نور القمر، وبعد تناول طعام الإفطار في مطعم النزل الذي كنا نقيم فيه مع مجموعة من الإعلاميين، هرعنا إلى الحافلة الضخمة حالما سمعنا بوقها الأشبه ببوق سيارة صغيرة، وانطلقت القافلة المجهزة بأحدث التقنيات الحديثة وأفخمها نحو قلعة أعيرف التي تتوسط منطقة حائل القديمة.

قلعة أعيرف
وفور وصولنا، ترجلنا من الحافلة لنفاجأ بمنظر مهيب لجبل أعيرف الذي بنيت فوقه القلعة. وأعيرف جبل صغير بغرابيب حمر، وغرابيب سود، وسفحه ترابي نسبيًا ويشرف على مدينة حائل من جهتها الجنوبية، وإحداثيته هي «درجة الطول 41.21.00 ودرجة العرض 27.34.00»، ويقال إنها بنيت أولاً بالحجر قبيل عصر الإسلام، وأتت عليها صروف الزمن لتحيلها إلى أطلال لم يبق منها إلا الأساسات، ثم أعيد بناؤها مرات عدة، بيد أنها آلت إلى المصير نفسه. وفي عهد حكم آل علي الذين حكمو احائل فيما بين القرن الثامن وحتى القرن الثالث عشر الهجري، أعيد بناؤها بجهود مضاعفة ورممت طوال حكمهم، وقد تم بناؤها بالحجر والطين المشغول بالبحص وأعواد التبن على النمط النجدي في البناء، وألحقت بها مبان أخرى، ووسعت في عهد آل رشيد الذين حكموا حائل فيما بين القرن الثالث عشر والقرن الرابع عشر الهجري. وفي العهد السعودي المجيد في عام 1404هـ تحديدًا، وبتكلفة ناهزت المليوني ريال عمل لها صيانة وترميم كبيران، أما الترميم الأخير الذي تم في عام 1422هـ فقد تكفلت به وكالة وزارة المعارف السعودية للآثار والمتاحف. والقلعة لا تختلف في أسلوب عمارتها وطرازها عن مثيلاتها من المباني التي بنيت لأغراض دفاعية في منطقة نجد خاصة والمنطقة الوسطى عامة، إلا أنها تتميز بملامح جمالية تلطف من هيبتها العسكرية.

داخل القلعة
قام المشرف على القلعة بفتح بوابتها للسياح، حيث ولجنا داخلها لتدهشنا روعة تكويناتها وتميز عمارتها، وكيف تحولت تلك الكميات من الصخور والأتربة إلى هذا العمل الفني الأخاذ. والقلعة عبارة عن مبنى مستطيل متدرج لينسجم مع ارتفاعات الجبل وانخفاضاته، ويتكون من طابقين بطول 40 مترًا وعرض 11 مترًا، مسقوف بأخشاب الأثل وخوص النخل، مع أسطح مسورة وبرج دائري يزيد ارتفاعه على خمسة أمتار، كلها زينت بالشرف المغلف بطبقة من الجبس، وبكوات وفتحات مراقبة، فضلاً عن الأبواب الخشبية المزخرفة داخل المبنى، ويتوسط القلعة مسجد ذو رواق واحد له خمسة أعمدة، وفناء صغير تستهويك تكويناته رغم بساطتها، وتشيع في روحك ذلك الحنين الغامض إلى ماض تجهل تفاصيله، ويضج في رأسك صدى صمت السنين في كل زاوية من زواياه وممراته، وعندما تنتهي بك تلك الممرات والأدراج إلى سطح القلعة وتدغدغ وجنتيك نسائم الهواء العليل بعد أن تعطر بجبال أجا وسلمى، وتجول بناظريك يمنة ويسرة وتشاهد المدينة العتيقة والحداثة تزحف وتضيق عليها الخناق من شتى جهاتها في منظر يشد الأنفاس، عندها تغمرك سعادة تتشبث بقدميك كتشبث طفلة لا تريد أن يفارقها أبوها. القلعة ضمن سبع قلاع تحيط بمدينة حائل، كانت تستخدم لأغراض عسكرية ولمراقبة القوافل، وقد زارها الكثير من المستشرقين عبر العصور أمثال المستشرق محمد أسد، النمساوي الأصل، صاحب كتاب الطريق إلى مكة، الذي زار حائل في أوائل القرن الماضي، وحفيدة الشاعر بيرون الليدي آن بلنت الفنانة التشكيلية وصاحبة كتاب حج إلى نجد ذائع الصيت. أما اليوم فما زالت قلعة أعيرف تعد معلمًا سياحيًا مهمًا، وأيقونة لحائل تستقطب السياح العرب وغير العرب، كما أنها تستخدم في الوقت الراهن منصة لمدفع الإمساك والإفطار في شهر رمضان المبارك ولإعلان الأعياد، ما يزيد من مهابتها وشموخها.