قطرة المياه..قطرة الحياة
تتضاءل فرص الفرد السعودي في الحصول على حصته من المياه في ظل الازدياد السكاني المطرد ومعدلات استهلاكه العالية.
الماء، أهم ثروة ملكها الإنسان على ظهر الأرض، وهاجس العالم، في اللحظة الراهنة، وحروبه المقبلة التي سيكون الجميع مضطرًا إلى خوضها دفاعًا عن حقوقهم في الحياة. وعليه فإن قضية توفير المياه العذبة تتصدر أولويات خطط التنمية لجميع الدول، في ظل تزايد عدد سكان العالم وبلوغه نحو «5.5 مليار نسمة». وهو رقم يزداد عامًا بعد عام، مع التناسل السريع للجنس البشري الذي يضعنا أمام معدلات مواليد عالية تدعو للقلق من أجل توفير الماء، الاحتياج الأهم لحياة الأجيال الجديدة التي تبلغ نحو «90 مليون شخص سنويًا»، بمعدل 3 أشخاص في كل ثانية. ويتضاعف الهاجس، بل يصبح كابوسًا ضاغطًا على حكومات العالم، حين تجد نفسها أمام حقيقة أن كمية المياه في الكرة الأرضية ثابتة منذ أن خلق الله الكون، ما يعني أن هناك تناقصًا متواصلاً في حصة الفرد من المياه، من عام للذي يليه.
تتفاقم هذه المشكلة «الأزمة» حين ننظر إليها من زاوية دولة صحراوية مثل المملكة العربية السعودية التي تعاني شح المياه العذبة أصلاً، الأمر الذي يضعنا أمام أزمة أشد ضراوة من تلك التي يعيشها العالم، فالصحراء لا تجود بالكثير، وأول ما تضن به الماء.
وفي الوقت الذي تشتد فيه ضراوة أزمة المياه في المملكة يزداد الوضع حرجًا أمام الزيادة المطردة في عدد السكان، إذ يصل معدل النمو السكاني في السعودية إلى أكثر من 3.5%، وهو من أعلى معدلات النمو السكاني في العالم. ويزداد الاختناق المائي الذي تحاول المملكة مقاومته بأقصى طاقتها في ظل التوسع العمراني الهائل الذي تشهده مدنها وقراها.
وعلى الرغم من هذا الواقع المائي الصعب الذي تعيشه السعودية، فتعرفة المياه فيها منخفضة جدًا إذا ما قورنت بغيرها من دول العالم، وكذلك إذا ما قيست بالتكلفة العالية التي تتكبدها المملكة في سبيل توفير قطرة الماء العذب، فالمستهلك في السعودية يدفع ما بين 5? إلى 10% من التكلفة الفعلية التي تتحملها الدولة، إذ إن المتر المكعب من الماء يكلف وزارة المياه والكهرباء 5 ريالات، في حين لا يدفع المستهلك أكثر من 10 هللات للحصول عليه. وتزداد الصورة قتامة إذا علمنا أن معدلات استهلاك الفرد للمياه في المملكة من أعلى معدلات العالم، إذ يصل إلى 350 لترًا في اليوم الواحد.
لقد أدركت المملكة أن هذا النفق ينتظرها منذ وقت مبكر، فاحترزت من دخوله بالعمل على توفير مياه الشرب المحلاة بكميات هائلة حتى تسد احتياجات السكان المتزايدة، بإنشائها محطات التحلية العملاقة التي وضعت السعودية في صدارة دول العالم المنتجة للمياه المحلاة التي تغطي نحو 70% من احتياجات مياه الشرب فيها.
لكن هذا لا يزيدنا اطمئنانًا بقدر ما ينبغي أن يزيدنا حرصًا وحذرًا ويقينًا بالحاجة الماسة إلى ترشيد استهلاك المياه الذي أصبح مطلبًا وطنيًا ملحًا، وإن كان من قبل واجبًا دينيًا، فمبادئ ديننا الإسلامي الحنيف تحثنا على الترشيد وتنهانا عن الإسراف، قال الله تعالى في محكم تنزيله }وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين{ «الأعراف: 31».
لم تغفل وزارة المياه والكهرباء بالمملكة دور الترشيد، فأطلقت عام 1425هـ حملتها الترشيدية الضخمة التي نفذتها على مراحل استهدفت من خلالها جميع شرائح المجتمع، تحت شعار «القرار بيدك». كلفت هذه الحملة الوزارة الكثير من الجهد لتنفيذها على أعلى مستوى من الدقة، لضمان وصول رسالتها إلى الجميع وتحقيق أهدافها، وقد آتت هذه الحملة ثمارها وكانت من أنجح الحملات الاجتماعية المحلية بلغة الأرقام التي أفادت ببلوغ نسبة التوفير في استهلاك المياه ما بين 25% إلى 45%. وضمانًا لبقاء أثر هذه الجهود فقد افتتحت الوزارة معرض الترشيد الدائم بمقرها على طريق الملك فهد في الرياض، لاستقبال الأهالي فيه وتوعيتهم بأساليب الترشيد المختلفة، كما دشنت موقعًا إلكترونيًا للتوعية والترشيد على الرابط http://tarsheed.mowe.gov.sa لإتاحة خدمات الترشيد على الشبكة العنكبوتية. لكن تبقى الحاجة ماسة إلى تضافر الجهود، من أجل الوصول إلى معدلات توفير أعلى، ولعل الضمانة الكبرى لتحقق هذا الحلم والأمل في آن، أن نتذكر جميعًا ونحن نستهلك المياه، أن علينا أن نترك شيئًا لأجيالنا القادمة.