مزة شحاتة من رواد الأدب السعودي، كان يمثل قمة عرفت ولم تكتشف بحسب رؤية الأستاذ عزيز ضياء في كتابه «حمزة شحادة»، وما يشير إلى ذلك نظمه للشعر في وقت مبكر ونتاجه الفكري والأدبي الغزير الذي يكشف عن بلاغة متفردة.
وُلد حمزة شحاتة في عام 1328 هـ -1910م بمكة المكرمة، وتوفي، رحمه الله، في القاهرة في 12/12/1391هـ - أكتوبر 1971م، ودفن بمكة في 15/12/1391هـ. أتم دراسته في مدرسة الفلاح بجدة، وبعد تخرجه عمل موظفًا في بيت زينل بالهند لمدة 10 سنوات. وبالرغم من وجوده هناك لكنه لم يتعلم الإنجليزية أو الأوردية أو السنسكريتية.
وعُيِّن بعد عودته سكرتيرًا للمجلس التجاري بجدة، ومن ثمَّ انتقل مديرًا لإدارة سيارات الحكومة «النقل العام»، ثم عمل بوظيفة مساعد رئيس ديوان المحاسبة العامة بوزارة المالية، وعقب ذلك استقال وعمل بالأعمال التجارية مع شقيقه الشيخ محمد نور شحاتة، وعمل محاميًا لدار البعثات السعودية بمصر، ثم عاد وعُيِّن رئيسًا لنقابة السيارات العامة.
بداية الغيث في جمعية الإسعاف
تأسست جمعية الإسعاف الخيري بمكة عام 1355هـ وهو ذات العام الذي شهد بدء النشاط الثقافي في إلقاء المحاضرات العامة، واجتذبت جمعية الإسعاف الكثير من الأدباء والمفكرين والأطباء والعلماء.
وعندما ألقى حمزة شحاتة هذه المحاضرة كان في الثلاثين من عمره، واستغرقت أكثر من أربع ساعات، جمعت بين الفكر والأدب والفلسفة، ويشير ذلك إلى جزء من بنية شحاتة الفكرية والإبداعية ومنابع تلقيه الثقافي، مفتتحًا محاضرته بالقول: «عندما يكون الإقدام على المخاطرة ضرورة لا يُعد شجاعة» ويرى «أن للضرورة في حساب الحياة أبعد الأثر».
لقد تمكَّن شحاتة من امتلاك ناصية اللغة والتعمق فيها بشهادة مجايليه من أمثال الأساتذة: عبدالوهاب آشي، ومحمد سعيد عامودي، ومحمد حسن عواد، وكانوا من الذين شهدوا هذه المحاضرة الشهيرة التي عدَّل فيها شحاتة عنوانها قليلاً، ويقول عن ذلك مخاطبًا الحضور: «إن حديثي في الواقع ولا أسميه محاضرة عن الخُلق الكامل أو كعماد للرجولة، لكني اخترت أن أمهد بهذا الحديث هذا التمهيد وأن أزحزح العنوان المقترح عن وضعه قليلاً فيكون «الرجولة عماد الخُلق الفاضل لا الكامل، فلا يزال الكمال نشدة الحياة المطولة ووهمها الذي تنساق أبدًا في طلابه. وأنا أريد التجربة كباحث لا كمحاضر، فإني لو قصرت في كلامي عن الرجولة أو على الخُلق الفاضل خشيت أن يتحوَّل حديثي إلى موعظة لا تعدو أن تكون تمدحًا حماسيًا بالفضائل دون تحليلها وردِّها إلى مصادرها، وتجديد قيمها ومعاييرها وأثرها في صميم الحياة وعلاقتها بالنفوس.
شعره
يتميَّز شعر حمزة شحاتة بجزالة اللفظ، وقوة السبك، وصفاء الرؤية والبوح العميق بالمكنونات، ولا يقف عند ضرب واحد من ضروب الشعر، ويرفد معمارية قصيدته احتشاد ضخم للصور والرؤى، يدعمه امتلاكه ناصية المفردة الغنائية الجميلة التي تأتي من خيال واسع وارتباط بالقيم والجذور، وتحس في قصائده بالصدق والشفافية..
يقول في إحدى روائعه:
لست إلا وهـــمًا يــراود عيني ويعــيا يكـــشفه التــشخــيص
أو شراعًا أعيته ثائرة الموج فصدر يطفو وعجز يغوص
يا لنا طائرين ريعا عن الوكر فهاما والليل داج عويص
فهما في الظــلام داع مهيــض لسليـم جناحه مقصـوص
وعلى طول مسيرة الإبداع الشعري أيًّا كان موطنه الإنساني تقفز دائمًا أسئلة فلسفية عن الوجود ويعبِّر عنها حمزة شحاتة بطريقته الخاصة، ويرى أن هناك نهاية محتومة، وأن كل ابن أنثى سائر إلى أجله والردى يصطاد الجميع:
مـا أرى في البـقاء إلا عــلالات خـــيـال مــآلها التنغيــــص
والردى صائد النفوس فما فرَّ كناس منه ولم ينج عيص
فعلام العناء يضني المجدين ويصلاه طاعم وخميص
يا لها رحـــلة بــرانا بــها الجــهــد ولكن عـــز فــيها النـــكـوص
ويمضي شحاتة في إبراز رؤيته حول نهاية الإنسان وحتمية زواله،
لذا يدعو إلى التهيؤ إلى الرحيل:
سألت ما هو القضاء؟
فـــأطرقت طــــــويلاً أمــــا هـــــدتها النصـــــوص؟
وأراني, لـــو قـــلت شـــيئًا لأزري فـــيه الإســـهاب والتلـخيص
نحـــن بالله ساكنين وماضين فماذا أرواحــنا والشــخـــوص؟
أترى ما يصيبه المرء في دنياه أمرًا وقد كان عنه محيص
ما أصاب القضاء منا غفولاً، قبل حين، ولا اتقاه حريص
أيها المرتجى مكوثًا على الأرض تهيأ فقد دعاك شخوص
شخصية مركبة
شخصية حمزة شحاتة مركبة ويقود ذلك إلى انفتاح نصوصه وآرائه ومعارفه وهواياته على كثير من التأويلات والمفاهيم ويكون ذلك في صالح إبداعه لا خصمًا عليه، وتعدد مواهبه نلحظه كون أنه عازف ماهر، ولاعب لا يبارى في الشطرنج، وخطيب مفوه، وكاتب جزل العبارة. وشحاتة متأمل يكثر من الصمت، ومحاور صبور لا يمل الجدل والنقاش، وهو ما يذكره صديقه عبدالله عبدالجبار «إنه ليظل يناقش عشرين ساعة بلا كلل أو ملل»، ويرى شحاتة أنه لا ينتمي إلى أي مدرسة، لأن كل أثر أدبي بحسب رأيه يعكس عنده لونًا جميلاً خاصًا به، لذلك شحاتة يُعَدُّ «مدارس في رجل»، وهو في كل الأحوال لم يكن يتعاطى الأدب بوصفه وسيلة، وإنما يتعاطاه تنفيسًا عن شعوره بمرارة العيش.
الفلسفة الجمالية لدى شحاتة
الحياة في فلسفة شحاتة الجمالية متجددة، وبهذا يستحيل أن يكون فهمها ثابتًا، ويتبنى شحاتة، كما يورد د.صالح سعيد الزهراني في مبحثه الذي أتى تحت عنوان «الفلسفة الجمالية عند حمزة شحاتة»، يتبنى مفهوم أن الجمال الذي ينتسب إلى الحياة ويعبِّر عنها يجب أن يكون قادرًا على الانفتاح والتجدد، وخصوبة الدلالة، ولا ينكر شحاتة جمالية الصورة المتأملة ولا يسلبها حسنها، ولكنه يريد أن يكشف عن بعض الأذواق الجمالية التي لا تقنع بثبات الدلالة، وهي أذواق خاصة لها قوة النار التي يذوب فيها الجمال كما يذوب الذهب في لهيب النار المتوهجة. ولا يعد شحاتة كلمات: الحب، والعدالة، والحرية، جزءًا من الجمال، وهو يتحدث دائمًا عن الصورة الجميلة التي تتأملها النفس فتتخطى عالمها، ويؤكد ذلك بقوله: فإن لم يكن ما قلته حقًا ترى موضعه المكين الواضح في النفس والحياة, فليكن الزمن عظة جامدة تقف فيها دورة الفلك المغذ عن السير، ولتكن الصورة الجميلة رسمًا جامدًا لا يعدو حدود إطاره القاهرة.
خصائص الجميل
الجميل عند شحاتة هو الذي تنفعل به النفس، فهو شعوري ذاتي، والجميل إحساس داخلي وليس مادة متناسقة، ولهذا لا يكون الشيء جميلاً عند من فسد ذوقه الجمالي أو طمس آلالف محاسن الجمال في نفسه. إن البحث عن الكمال كان مطلبًا جماليًا وغاية عند حمزة شحاتة. وينطلق أديبنا في فلسفته من وعي دقيق بجماليات اللغة الأدبية، كما يرى د.صالح سعيد الزهراني، ويربط الأدب بالفنون التشكيلية وفن المعمار، فإذا كان الحجر مادة البناء الأولى، فإن الكلام هو وسيلة التعبير عن أغراضنا وأداة تشكيلها وتصويرها، فهو بهذا مادة البناء الأولى في مطالب النفس والفكر.
رسائله إلى ابنته شيرين
تبادل حمزة شحاتة رسائل عديدة مع ابنته شيرين إبان وجوده في القاهرة وفي مناسبات مختلفة، وهي نماذج رائعة من التواصل الإبداعي ممتلئة بالعاطفة والأدب والفلسفة والعلم، وتحوي مجموعة من النصائح الأبوية التي يكتبها أديب متميز لابنته التي يحبها ويتمنى لها كل خير بأسلوب مباشر ودون تكلف. وتتناول الرسائل نصائحه إلى شيرين في حياتها الخاصة وعلاقاتها بالناس وما يخص الأدب، وتارة يرشدها إلى قراءة كتاب أو دراسة سيرة حياة شخص ما.