June2010Banner

 


وسط
القاهرة



ؤدي منطقة «وسط القاهرة» في العاصمة المصرية القاهرة الدور المحوري الأهم في ضخ الزخم الإعلامي والثقافي والفني. فكثيرًا ما شهدت مقاهيها ومكتباتها توقيع كتب ودواوين وروايات ومجموعات قصصية، وغالبًا ما تجد الصحف والقنوات الفضائية في فعالياتها الوجبة الرئيسة التي تقدمها لقرائها ومشاهديها.. كما باتت مزارًا مهمًا للزائرين العرب والأجانب.

تحتشد «وسط القاهرة» بالمئات من الأمكنة الفريدة التي ينساب من بين جدرانها عبق التاريخ ووهج الإبداع، وزخم التجارب الإنسانية للشعب المصري. ويكاد الزائر يحصي أنفاس هذا الشعب حاضرة بين سطور مبدعيه، آلامه وأحلامه.. أمكنة يحتضنها الشعب ويغشاها المبدعون على اختلاف ألوانهم وأفكارهم ومذاهبهم.. مثل مقهى «الفيشاوي» بحي الأزهر العريق بالقاهرة، والذي يرجع تاريخه إلى عام 1797، أي قبل ما يزيد على قرنين من الزمان، والذي اكتسب شهرته من الأديب العالمي نجيب محفوظ، حيث شهد ولادة أعماله الأدبية، والتقى فيه أصدقاءه ومحبيه، لكنه أصبح الآن مزارًا للسياح العرب والأجانب.. وأيضًا اختار اسم مقهى «قشتمر» عنوانًا لإحدى رواياته.

أماكن أثيرة
كما تحتشد «وسط القاهرة» بمنتديات ثقافية عديدة، منها «ريش» و«زهرة البستان»، اللتان ظهرت من داخلهما إبداعات العديد من الكُتَّاب الكبار ومن بينهم «إحسان عبدالقدوس، إبراهيم أصلان، صنع الله إبراهيم».
وهناك، أيضًا، «ورشة الزيتون» و«أتيليه القاهرة» وهما من الأماكن الأثيرة لدى كبار الكُتَّاب والمبدعين المصريين والعرب، والذين يعدّون هذه الأماكن الشهيرة في قلب العاصمة المصرية جزءًا من تاريخهم ومكوِّنهم الثقافي، ونافذة لإبداعاتهم.
كما يجتمعون من خلالها بشكل دائم لرؤية بعضهم بعضًا، ومناقشة أعمالهم الأدبية أو الإعلامية، أو يُقيمون قراءات لمنتجهم الإبداعي، سواء من خلال أفكار جديدة أو نصوص مكتوبة، فضلاً عن تواقيع الكتب التي تجرى بشكل يومي في مكتبات «وسط القاهرة» الشهيرة ومن بينها «الشروق»، و«مدبولي»، و«نهضة مصر»، و«ميم»، و«المحروسة».

محفل عام
«منطقة وسط القاهرة هي منطقة التعبير عن فكرة المدينة والمدنية، ارتبطت بها الأطراف لأنها تعبر عن فكرة الحشد والمحفل العام لكل مجموعة كبيرة من ذوي الرأي والفكر والإبداع».. حسب د.عزت القمحاوي، الروائي ومدير تحرير صحيفة «أخبار الأدب» القاهرية، فهي بمنزلة قلب القاهرة الذي جمع منذ القرن التاسع عشر الميلادي كل ذي وعي وثقافة وفكر، وشهدت منتدياتها ومقاهيها الشهيرة مثل «الفيشاوي»، و«السكرية»، محافل يومية تبارى فيها كبار الكتاب والمبدعين واستخلصوا من خلال تفاعلهم اليومي مع المواطنين أروع الكتابات والروايات. وقد تحدث الأديب الراحل طه حسين عن ذلك الأمر في كتابه «مستقبل الثقافة في مصر» على أساس أن الأماكن التي يلتقي فيها المبدع المواطن العادي هي المستقبل، أما التي ينعزل فيها عن العالم فتشكل بداية النهاية.

متعددة المذاقات
ويرى الكاتب والناقد أحمد عبدالرحمن الخميسي، أن منطقة وسط القاهرة هي «كعكة» متعددة المذاقات، لا سيما في بُعْدها التاريخي، حيث أنشأها الخديوي إسماعيل بعماراتها التاريخية التي يندر أن يوجد مثلها في مكان آخر أو زمن جديد.. وتتميز كل شوارعها ومقاهيها ومكتباتها ومنتدياتها بعبق تاريخي. وتعد مقاهيها الشهيرة مثل «ريش» و«أم كلثوم»، و«سوق الحميدية»، من المقاهي التي تفردت باستقطاب مشاهير الإبداع والثقافة والرأي، ومن بينهم الأديب نجيب محفوظ، والشاعر أمل دنقل، وكذلك عبدالرحمن الأبنودي، ويحيى طاهر.

سجالات ومعارك
إلى ذلك، يؤكد الكاتب والروائي جمال الغيطاني أن منطقة «وسط القاهرة» ثرية بأصالتها، وفواحة بثقافتها، وفريدة في مبانيها، حتى إنها خير تعبير عن حال المصريين من طبقاتهم البرجوازية إلى الوسطى إلى الدنيا، فليس غريبًا أن تلتقي جميع هذه الطبقات المحبة للفن والكلمة على مقهى «الفيشاوي»، أو على أيٍّ من المقاهي الأخرى بمنطقة «باب اللوق» مثل «الندوة، الحرية، الجريون، ريش»، وكذلك منتديات «البستان» و«النادي اليوناني».. فالتيارات الفكرية المختلفة والثقافية والسياسية ستظل المحور الأساسي للجالسين على مقاهي وسط البلد، مع استعراض جديد الأدب والفكر والثقافة، سواء داخل مصر أو خارجها. وكثيرًا ما شهدت هذه المقاهي سجالات بين الشعر العمودي والتقليدي، ومعارك فكرية وفلسفية.. وهذا ما استمرت عليه حاليًا. وأبرز هذه المعارك الثقافية ما يدور من آن إلى آخر بين مثقفين وأدباء وشعراء من بينهم علاء الأسواني الذي يجلس دائمًا بمقهى «الندوة الثقافية» بوسط البلد وبين الناقد فاروق عبدالقادر.