القاهرة: إيمان عزام
لا يقتصر التعامل مع الأبناء على الفطرة والطبيعة والاستسلام للظروف الوقتية، بل يحتاج إلى أسس وأساليب نفسية وتربوية، يحتاج إلى فن يجتذب الأبناء دون أن يكسر الحدود الأساسية مع آبائهم.. فن قائم على التواصل والمحبة والتفاهم وليس العنف والقهر والتعنت.. فما الأسس التي ينبغي أن يقوم عليها الحوار مع الأبناء؟ السطور التالية فيها التفاصيل.
بداية، يرصد خبراء التربية عددًا من الفوائد التي يمكن أن يثمر عنها الحوار مع الأبناء، ومنها أنه يعزِّز استراتيجيات بناء العلاقات الإيجابية بين الوالدين وأبنائهم من جهة، وبينهم ومعلميهم من جهة أخرى، حيث يعزِّز الاحترام المتبادل، أيضا، ثقة الأبناء بأنفسهم، وينمي استقلاليتهم، ويشجعهم على اتخاذ قراراتهم بأنفسهم، ويدربهم على تقبل الاختلاف مع الآخرين، أيضًا ينمي لديهم المبادرة والمنافسة وحب الاكتشاف، كما يسقط أي مشاعر عدائية، أو مخاوف وصراعات نفسية قد تكون عالقة في نفوس الأبناء، ويساعدهم الحوار البناء على تصحيح أخطائهم بأنفسهم عن اقتناع.
أصدقاء
يقول محمد موسى، مهندس حاسب آلي، إنه دائمًا ما يتحاور مع أبنائه في كل شيء من منطلق مستواهم، ولا يشعرهم بالفارق الكبير في السن، الأمر الذي جعلهم يلجؤون إليه في كل ما يقابلهم في حياتهم دون خوف، لأنهم يتعاملون مع والدهم كأصدقاء دون انتقاص لمكانته كأب.
وتؤكد عبير السيد، أم لثلاثة أبناء في مراحل التعليم المختلفة، أنها دائمًا ما تجلس مع أبنائها وتتحدث معهم حول كل ما صادفهم في يومهم من مواقف، وتناقشهم في كيفية التصرف في كل موقف، كما تشاركهم، أيضًا، الجلوس على الإنترنت لتعرف اهتماماتهم، والمواقع التي يدخلونها، خصوصًا أنها تحاول تعويضهم غياب الأب الذي يعمل حتى ساعات متأخرة من الليل، ولا يتسع وقته إلى الحوار معهم.
لغة مباشرة ومتبادلة
يرى د.رشاد عبداللطيف، أستاذ علم الاجتماع، أن الحوار بين الآباء والأبناء يقضي على أي مشكلات قد تصادفهم، وذلك لوجود حوار متبادل يجعلهم يصلون إلى حل مناسب يرضي جميع الأطراف. وأكد ضرورة لجوء الأبناء إلى آبائهم، وهذا لن يتأتى إلا بالاحترام، وأن يحمل الحوار إضافة إلى الطرفين، ولا بد أن نستخدم لغة مباشرة ومتبادلة، فلا يمكن أن يكون هناك حوار من طرف واحد، طرف يتحدث وهم الآباء والطرف الآخر ينصت فقط دون مناقشة وهم الأبناء، فهذا من شأنه أن يزيد الفجوة بينهما. وأوضح د.رشاد عددًا من الأمور التي ينبغي توافرها لنجاح الحوار بين الآباء والأبناء ومنها: أن يكون الآباء قدوة صالحة يحتذى بها في الحوار وتطبيق أصوله، ضرورة اتخاذ الوسائل المعينة في تعديل السلوك، عدم التركيز على جوانب القصور لدى الأولاد وعدم نقدهم وتحقيرهم، مع ضرورة إعطاء الفرصة بشكل أكبر للأبناء للمحاورة والتشجيع على ذلك، لأن كثرة كلام الأب تقلل فرص استماع الولد إليه، ولا بد أن يكون أن الجو المحيط بالأبناء وديًا ودافئًا وبعيدًا عن التسلط أو التسيّب، يسوده فهم المشاعر وتقديرها وتنميتها، أيضًا يجب أن يتخلص الآباء من نظرة الدونية عندما يتحاورون مع أبنائهم، مع ضرورة تقديم الثواب الفوري، والاستمرار في التعزيز عندما يمارس الأبناء الحوار كما ينبغي.
فجوة ثقافية
أكدت د.نهلة ناجي، أستاذ الطب النفسي، أن الحوار مع الطرف الآخر بشكل عام يجعلنا نفهمه ونتوصل إلى ما يريد، ونوصل إليه أيضًا ما نريد، كما أنه يوضح للآباء الفروق الشخصية بين أطفالهم، ومن ثم يستطيعون التوصل إلى المدخل الذي يناسب كل طفل.
وتابعت د.نهلة قائلة: للحوار أشكال متعددة ولا يقتصر على الكلام فقط، فمن الممكن أن يكون بالإشارة وبلغة الجسم ومراقبة المشاعر والانطباعات الواضحة على وجه الابن، والكلام يجب أن يكون مفهومًا وبه مشاعر وجو عاطفي يحث الابن على تقبل الحوار مع والديه، ويجب أن يدرك الآباء أن لكل ابن لغة وأسلوبًا يختلفان عن لغة الابن الآخر وأسلوبه.
وحذرت من الفجوة الثقافية بين الأجيال، وأرجعت أسبابها إلى اختلاف الزمن والتطور العلمي والتكنولوجي الذي لحق بالمجتمع، إذ أصبح الحصول على المعلومات أسهل مما كان عليه الوضع قديمًا، مشيرة إلى أن من أسباب غياب الحوار انشغال الآباء ورفضهم الحوار مع أبنائهم كأن تقول الأم لابنها أو ابنتها «ليس لدي وقت للحديث، أنا مشغولة الآن» أو أن ينتقد الآباء الأبناء بشكل مستمر مما ينفِّر الأبناء من الحديث مع الآباء.
أدب الحوار
من جانب آخر، تؤكد د.سامية السعاتي، أستاذ علم الاجتماع، أن لكل مرحلة عمرية حوارًا مختلفًا، مشيرة إلى أن الحوار يلعب دورًا مهمًا في التقريب بين الآباء والأبناء، وبين الأجيال بشكل عام، ويخلق نوعًا من الصداقة بينهم، فلا بد أن تعرف الأم كل شيء عن أبنائها، إضافة إلى أن الحوار يجعل آفاق الأبناء ومداركهم تتسع في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وفقًا لموضوع الحوار، حتى ولو كان الحوار يدور في نطاق الأمور العائلية، لأنه يزيد من حالة الانتماء بين الآباء والأبناء.
وأشارت د.سامية إلى الشكل الأمثل الذي يجب أن يكون عليه الحوار، مؤكدة ضرورة أن يكون هناك استماع جيد من جانب الوالدين إلى الأبناء، وأن تلتف الأسرة حول الغداء أو العشاء أو حتى لمشاهدة التلفاز، ويدور بينهم نقاش وحوار حول القضايا الأسرية والاجتماعية، لافتة إلى ضرورة عدم النظر إلى الأبناء على أنهم أطفال أو صغار في السن ولا يفهمون ما يفهمه الكبار، موضحة أن الجيل الحالي اتسعت آفاقه بشكل كبير من خلال الحاسب والإنترنت وأصبح أفراده يتمتعون بذكاء اجتماعي، ولديهم ثقافات قد لا تكون عند الآباء.
وبسؤالها عما سيترتب على غياب الحوار بين الآباء والأبناء، أكدت أن الأبناء سيبتعدون عن الآباء وستزداد الفجوة بينهما وسيعدونهم غرباء، ومن ثم من الممكن أن يلجؤوا إلى الأصدقاء، ومن بينهم بالطبع أصدقاء السوء، وسيترتب على ذلك هبوط مستواهم في التعليم، ومن الممكن أن يتطور الأمر ليصل بهم إلى الانحراف والجريمة.
بهذا يطيعك طفلك
• صلي طفلك بحب الله وحب رسوله، صلى الله عليه وسلم، وحب جنته من خلال الأحداث اليومية.
• علميه الآداب الإسلامية عامة وبخاصة مع الكبار ومع الوالدين، ثم عوديه عليها بصفة دائمة.
• علميه أن السعي في خدمة الوالدين يعود نتائجه عليه نفسه في الدنيا والآخرة.
• اربطي الطاعة والبر منه بالمكافآت من الله، سبحانه وتعالى، واستغلال المناسبات.
• تجنبي الاحتكاك والتوتر الشديدين في المنزل.
• كوني حبيبة وصديقة لطفلك، شاركيه اللعب، ولا تزجريه أمام الآخرين إذا أخطأ.