June2010Banner

 


جازان ينبوع الفل والكادي



جازان: نايف كريري

الفل والكادي زهرتان تطلان بجمالهما من منطقة جازان «جنوب المملكة العربية السعودية» تعطران الأمكنة في موسم الصيف وتمنحانها هوية العطر.
إذا كانت الجغرافيا قد أعطت المنطقة جوار البحر وزرقة الماء والشعب المرجانية والتناغم بين الإنسان والطبيعة البكر، فإن وجود الكادي والفل فيها ضمخ أجواءها وإنسانها بعطر فواح على مدى التاريخ يطل في كل منحى وحارة، وينتشر الباعة في موسم الصيف لتزايد الطلب عليه، هنا يتبادل الناس تجارة العطر، ويكون الكادي والفل عنوانًا للأفراح مثل: الهود والختان والأعراس والرواح, ومناسبات البسطة والضيافة وغيرها من المناسبات الجميلة
.

«العِصابة» عطر للرجولة
حدود العطر في جازان لا تقف عند حواف «القوارير» والنباتات العطرية، بل تتجول في السهول والهضاب وحواف الجبال ومناهل الماء لتعطي ملمحًا خاصًا. وتعرف المنطقة تمامًا كيف تتصادق وتتآلف وتتساكن مع العطر ومنابعه ومنابته، ويكون حاضرًا في كل تفاصيل حياتها اليومية. هنا يزين الرجال شعورهم بأنواع من النباتات العطرية التي تسمى بعضها بـ«العِصابة»، ويتم هذا في مناسبات «الهود»، أي الختان، والزواج، ويترافق ذلك مع ارتداء أزيائهم الشعبية المزخرفة والمزركشة والتي تتكون من المصنف وهو إزار طويل مزركش يستورد من الخارج، والقميص الملون الذي يسمى باللهجة الشعبية «السميج».

أنوثة العطر
لقد ارتبط تزين النساء بالنباتات العطرية مع الحناء ولبس الحلي والذهب والوضاح من قديم الزمن، خصوصًا في مناسبات الأعياد والأفراح كالزواج. واستطاعت المرأة الجيزانية الحفاظ على الأصالة القديمة من ملابس شعبية وعادات وتقاليد، حيث تتزين بالفل والكادي في تصفيف عجيب وأشكال مختلفة تشكل لوحة رائعة زكية.
من أسماء الزينة التي عرفتها النساء في هذا المجال «المَصّر» الذي يصنع من الفل المنظوم ويغطي الرأس كاملاً، وكذلك شكل آخر عرف «بالفستان الكامل من الفل» وفي حلق الآذان، حيث تباع في محال الذهب «شيلات خاصة لتعبئة الفل»، إضافة إلى «العضية» و«الشلفة» المرتبة بخليط من الخطور والكادي وفُل عزان ممزوجة بأزكى أطياب الطبيعة والعودة والعنبر.

موروث شعبي
لم يقتصر التزين بالفل داخل المنازل فقط، بل تخصصت في استخدامه والتعامل معه الكثير من المشاغل النسائية لكثرة طلب النساء في جازان التزين بتلك الهيئة، في مسعى منهن للحفاظ على العادات والتقاليد التراثية القديمة مع مزجها بموضات التجميل الحديثة. وتزخر منطقة جازان في المدن والقرى والبوادي بالكثير من الموروثات الشعبية التي ما زالت موجودة حتى يومنا هذا، وحافظت عليها الأجيال المتتالية، وتعد النباتات العطرية الشعبية الفواحة أحدها، وتجد إقبالاً كبيرًا من جميع فئات المجتمع حتى اليوم، وتتوافر في الأسواق الشعبية، ويزداد استخدامها في المناسبات المختلفة.
وتتنوع ما بين «شيح وكادي وبياض وغليم ونرجس وشُذاب وواله وفل بأنواعه «القريشي وعزان»، أو «الدوش والوزاب والصيمران والشار والريحان والفاغي»» وغيرها الكثير.

ارتباط وثيق
الدكتور علي بن شيبان العريشي، أستاذ الجغرافيا بجامعة جازان يقول: إن العامل البيئي في منطقة جازان ساعد على نمو هذه النباتات العطرية، وأصبح هناك ارتباط عضوي ووثيق بين الإنسان وهذه الروائح، وأن التنوع البيئي الذي تمتاز به منطقة جازان أتاح لها النمو، كما أن اهتمام الإنسان بها عززها كقيمة معنوية وحسية، وصارت حاضرة بشكل ملحوظ في المناسبات السعيدة، وأصبحت عامل ارتباط بالأفراح وغيرها، ولم يؤثر التغير الحضاري والثقافي الذي تشهده المنطقة في اندثارها، بل زاد الطلب عليها حتى من خارج المنطقة، ما عزز قيمتها السعرية. والفل شجرة تهامية تنمو في المناطق الساحلية، وتكثر في التربة الطينية والحمراء، بينما الكادي نبتة جبلية تحتاج إلى درجة حرارة أقل، وتنمو في سفوح الجبال، وهذا يدلل على التكامل البيئي في البيئة الجبلية والساحلية.

الفل والكادي
من أهم تلك النباتات وأجملها «الكادي» الذي يعد سيد النباتات العطرية قاطبة بشكله المميز، وراحئته الفواحة، وسعره المرتفع، وكذا الأماكن التي تتم فيها زراعته وهي غالبًا المناطق الجبلية والمدرجات الجبلية الخضراء التي تتوافر فيها المياه بغزارة، ولا يمكن أن تحلو جلسات السمر والأفراح والهود دون «الكادي».
تعد شجرة الكادي، من الأشجار المعمرة التي تنتمي إلى مجموعة كبرى من النباتات الزهرية تسمى ذوات الفلقة الواحدة، وتنمو هذه الأشجار في الغالب في المناخ الدافئ، ولأشجار الكادي فروع، ولكل فرع تاجٌ مكوَّنٌ من أوراق شبيهة بالسيوف، تنتشر الأشواك في أطراف الأوراق، ومعظم أشجار الكادي لها جذور «ركائزية» تمتد من أعلى الجذوع أو الفروع إلى داخل الأرض، ولها أزهار جذابة وعطرة، تندس بين أوراق ذات لون أبيض يميل إلى لون اللؤلؤ. ولقد دخل الكادي في نسيج ثقافة فناني المنطقة وإبداعهم على مستوى القصة والتشكيل والشعر، وأبرز مثال على ذلك الاستلهام من صورة الكادي وهو أحد أهم مكونات «العظية» التي توضع على الشعر من قبل النساء في المناسبات المتعددة لأهالي جازان،

ارتفاع في الأسعار وزيادة في الطلب
ترتفع أسعار النباتات العطرية ويزيد الطلب عليها مع ترافق موسمي الأعراس واحتفالات النجاح، وتشهد الأسواق إقبالاً واسعًا لشراء كميات كبيرة من تلك النباتات العطرية، حيث تمثل عادة التجمل بهذه النباتات العطرية جزءًا أساسيًا من العادات والتقاليد التي اشتهرت بها المنطقة، حيث تستخدمها النساء في الزينة وتعطير المنازل، وتصل الزيادة في الأسعار مع حلول موسم الإجازة إلى 25% في كل الأصناف، خصوصًا الكادي، وفل عزان، والفل الأبيض «القريشي».
تختلف أسعار الفل ومواسمه، حيث يكثر الفل في الصيف ويزداد مع أيام الغبار وارتفاع الحرارة، ويكون سعر كبش الفل بين 25ريالاً و40 ريالاً, والمصر منه بقيمة 50 ريالاً إلى 100ريال, وذلك حسب الأيام، حيث يرتفع في يومي الخميس والجمعة، بخلاف الأيام الباردة، حيث يرتفع السعر بشكل كبير يصل إلى ما يقارب 500 ريال للكبش أو الفعوة الواحدة، وقد يصل سعر «الزنبيل» المنوع منها إلى 1000 ريال، لأنه يحتوي على كميات كبيرة ومتنوعة من تلك النباتات العطرية التي تستخدم في الأفراح.