الملكية الفكرية
هل تكون أداة دعم للتطور التقني؟
براءة الاختراع هي وثيقة تثبت ملكية الفكرة لمالكها وتمنع الآخرين من التعدي عليها.
ينظر الكثيرون إلى أنظمة الملكية الفكرية، ولا سيما براءات الاختراع، على أنها جائزة أو تكريم يناله المبدع، والواقع أنها بعيدة كل البعد عن التكريم والإشادة، فالجائزة قد تكون مادية أو معنوية، ويتم التقدم أو الترشيح للحصول عليها، في حين أن مواد الملكية الفكرية يتم فقط التقدم للحصول عليها من قبل مالكها، ولا يتم الترشيح لها من قبل الآخرين، كما لا ينتج عنها أي مكافأة مالية أو معنوية، بل هي سند قانوني يثبت ملكية الفكرة، ومن هنا جاء اسم «ملكية فكرية».
بقلم: محمد فخر الدين الهاجري
اختصاصي براءات اختراع
ماهية براءة الاختراع:
يمكن النظر إلى وثيقة براءات الاختراع على أنها وثيقة تملك للفكرة، مثل وثيقة تملك العقار تمامًا، فقد يدفع أحدنا قيمة العقار ثم يقوم بتسجيله لدى الدوائر المختصة بالتسجيل لإثبات ثلاثة أمور على الأقل: الأول: أنه لم يتعد على عقار مملكوك لآخر، والثاني: إثبات حقه في تملك العقار المحدد، والثالث: حمايته من تعدي الآخرين عليه. وفي براءة الاختراع «أو أي من أنواع الملكية الفكرية الأخرى» يقوم مالك الفكرة أو الاختراع بالإنفاق للحصول على تقنية جديدة وتطويرها، ثم يتقدم بتسجيل الاختراع لدى الدوائر المختصة، مكتب براءة الاختراع لإثبات الأمور الثلاثة نفسها: الأول: أنه لم يتعد على اختراع لمالك آخر في أي مكان في العالم، والثاني: إثبات حقه في الفكرة، والثالث: حمايته من تعدي الآخرين عليه.
وتثبت وثيقة براءة الاختراع ملكية الفكرة لمالكها وتمنع الآخرين من التعدي عليها تجاريًا بالبيع أو التسويق أو العرض للبيع أو الاستيراد أو التصنيع لمدة عشرين سنة من تاريخ تسجيل طلب البراءة في حدود الدولة التي تم تسجيل طلب البراءة فيها فقط دون سواها من الدول، شريطة تسديد الرسوم السنوية عن البراءة أو الطلب، وفي حال عدم السداد يصبح من حق أي شخص أن يستغل الاختراع المشمول بالبراءة استغلالًا تجاريًا دون الرجوع لمالك الطلب أو البراءة التي سقطت إما لانقضاء مدة العشرين سنة وإما لعدم سداد الرسوم السنوية.
عالمية الفكرة
هناك فرق بين «عالمية الفكرة» و«محلية الاستغلال التجاري»، فعند تسجيل طلب براءة اختراع يقوم مكتب البراءات المعني بفحص جدة الطلب «أن يكون جديدًا» على مستوى عالمي، أي يتم البحث في قواعد البيانات في أي مكان في العالم سواء قواعد بيانات براءات اختراع أو دوريات علمية أو صحف أو مجلات أو غيرها، لإثبات أن الفكرة غير مسبوقة وغير مملوكة لآخر، وهذا هو المعني بـ «عالمية الفكرة»، أما «محلية الاستغلال» فتعني أن استغلال الاختراع الموصوف في البراءة استغلال تجاري محدود في حدود الدولة التي منحت البراءة فقط، ولا يتعداها لسواها من الدول.
مالك البراءة والمخترع:
يخلط الكثير من غير العالمين بأمور براءة الاختراع بين مالك البراءة والمخترع، فإذا كان المخترع موظفًا في مركز أبحاث إحدى الشركات وتوصل لاختراع ما، كما تتطلب منه مهام عمله، فإن ملكية الاختراع تعود للشركة التي يعمل فيها المخترع، وليس للمخترع، ولا يمنع ذلك من ذكر اسم المخترع في طلب البراءة أو البراءة الممنوحة، بل إنه من الضروري جدًا ذكر مخترع واحد على الأقل في طلب البراءة، وأن يكون هذا المخترع شخصًا طبيعيًا وليس اعتباريًا، وبغير ذلك لا يتم تسجيل طلب البراءة، وعلى الرغم من إمكانية انتقال ملكية البراءة أو الطلب من مالك لآخر، إلا أن اسم المخترع «أو المخترعين» يبقى دون تغيير في وثيقة البراءة.
الأثر الاقتصادي لبراءات الاختراع
تفيد براءة الاختراع في توفير الحماية القانونية اللازمة لنتاج مراكز البحث والتطوير بحفظ الاستثمارات التقنية التي أنفقت عليها الجهة المالكة لها عند طرحها في الأسواق، فبغير الحماية القانونية التي توفرها براءات الاختراع يصبح من السهل جدًا للمنافسين تقليد المنتج الناجح في الأسواق، وطرحه بسعر أقل بكثير من سعر مطور التقنية لعدم تكبد المقلد تكاليف البحث والتطوير التي أنفقها المطور على المنتج، ما ينتج عنه خسارة المطور، إن لم تكن التقنية محمية، لعدم قدرته على طرح المنتج بسعر المقلد.
ومن شأن تطبيق نظام الملكية الفكرية هذا أن يدفع المستثمر إلى التوسع في نشاط البحث والتطوير، وطرح منتجات جديدة منافسة تسمح له بالتنافس محليًا وعالميًا، ما يفتح أبواب وظائف جديدة ويصبح مصدر دخل للدول ببيع المنتجات خارجيًا أو بالترخيص للآخرين باستغلال الاختراع تجاريًا في دول أخرى لا يستطيع المستثمر أن يصل إليها بإمكاناته الحالية.
ويتجلى الوجه الثاني لوثائق براءات الاختراع في ازدهار حركة الترجمة، التي تفتح سوقًا كبيرًا للمترجمين، يتم نقل العلوم والمعارف التطبيقية الحديثة من لغات أجنبية إلى اللغة المحلية للمطورين المحليين، للاستفادة منها في التطوير عليها والخروج بتقنيات أحدث مما وصل إليه العلم عند نشر هذه الوثائق.
المقياس الحقيقي
يقاس نشاط البحث والتطوير في الدول بمقدار الإنفاق الحكومي على البحث والتطوير بالنسبة للدخل القومي، وهو مقياس غير دقيق لارتباطه بالتقنيات الممولة من قبل الدول فقط ولا يعكس المناخ الاقتصادي الذي توفره هذه الدول للمستثمرين فيها، والمقياس الحقيقي لنشاط البحث والتطوير وتوفر المناخ الاقتصادي الملائم هو عدد براءات الاختراع المسجلة محليًا «في مكتب براءة اختراع الدولة نفسها» والناتجة من الصناعات المحلية، فمثلاً يكثر تسجيل طلبات براءات اختراع تتعلق بصناعات البترول والبتروكيميائيات في المملكة لوجود صناعات منافسة واستهلاك للمنتجات، في حين نجد أن معظم التسجيل المحلي في المملكة من مخترعين أفراد، ما يؤكد ندرة الصناعات القائمة على البحث والتطوير في المملكة، وفي المقابل نجد تسجيلاً كبيرًا لصناعات محلية في مكاتب براءات الاختراع المحلية في اليابان وأمريكا وأوروبا، لوجود صناعات قائمة فيها على البحث والتطوير، ولتوافر المناخ الاقتصادي الملائم لنمو هذه الصناعات بتوفير أنظمة حماية الملكية الفكرية وتفعيلها فيها.
يتبين مما تقدم، أن اختراعات الأفراد لا يقوم عليها اقتصاد ولا ينتج عنها تطوير تقني، ولكن يقوم التقدم الصناعي والتقني ويحدث الازدهار الاقتصادي من جراء الاختراعات المؤسساتية إن وجدت المناخ المناسب لها للنمو والازدهار.
وتسعى المملكة لأن تكون مطورًا ومصدرًا للتقنية خلال عشرين عامًا، ولن يتم ذلك فقط عبر الإنفاق على البحث والتطوير الحكومي، بل بتوفير المناخ الاقتصادي الملائم للقطاع الخاص لإنشاء صناعات تقوم على البحث والتطوير، ولن يتحقق ذلك بالمال والعقول المبدعة فقط، إن لم تصاحب ذلك أنظمة قوية توفر البيئة المناسبة للتطوير مع تفعيل صارم لهذه الأنظمة.