June2010Banner

 


التربية في كبسولة معقمة
جيل العولمة
صغار يمسكون بخيوط التقنية ويديرون لعبتها لصالحهم.



جدة: آمال خليل

لم يعد أمرًا يستنكره الآباء والأمهات أن أبناءهم هم جيل العولمة، وبشيء من الواقعية التي علينا جميعًا أن ننظر بها إلى هذا الجيل والأجيال المقبلة هي تلك العولمة التي يفطمون عليها، فما لم تقله لابنك وما لا يجده في الكتب المدرسية، بالتأكيد سيجده عبر محركات البحث المختلفة. وإن كنت من أولئك الآباء الذين يدعون الحيطة ويضعون رقابة أبوية على مواقع الإنترنت، فمصممو ألعاب الأطفال لا يدعون مجالاً لفتح أبواب القرية الكونية التي نعيش فيها على مصراعيها.. ما زالت أجراس التحذير تطلق من كل حدب وصوب، ولكنْ هناك صوت آخر ينادي بأن التحذيرات لم تعد مجدية، وهناك طريق آخر لابد أن نسلكه للحفاظ على ما تبقى من براءة أطفالنا.
شكوى هناء من تعثر أساليب التربية الحديثة ليست شكوى فردية، فلسان حالها هو لسان حال كثير من الآباء والأمهات. لديها أربعة أطفال أكبرهم في عامه الثاني عشر، والثاني يبلغ تسعة أعوام، ما يسبب لها تحديًا حقيقيًا هو التلفاز.. فمعظم القنوات تعرض برامج لا تراعي الآداب الإسلامية، ما جعلها تحدد لأطفالها ما يشاهدونه، وما يجب أن يتجنبوا مشاهدته.. وعن ذلك تقول: في الآونة الأخيرة بدأت أتساءل: هل ما أفعله صحيح؟ أم أنني أحجب عن أطفالي ما يحدث في المجتمع؟ وبالتالي ستقل قدرتهم على التعامل معه في المستقبل؟

الكبسولة المعقمة
وفق د.شريف أمين عزام، استشاري نفسي، فإن الأسئلة عن الطريقة المثلى لتربية الأبناء أصبحت تشبه السؤال الشهير: هل نفتح النافذة أم نغلقها؟ هل نجعل أولادنا يختلطون أم لا؟ هل نجعلهم يشاهدون التلفاز ويتواصلون عبر قنوات التواصل الاجتماعي بالإنترنت أم لا؟ فالحقيقة التي علينا التعامل معها بواقعية هي أن أطفالنا خلقوا في هذا المجتمع بكل ما فيه من سلبيات وإيجابيات وهم سيعيشون فيه. فإن منعناهم اليوم فماذا سنفعل غدًا؟ إن التربية في كبسولة معقمة، أو في حضانة خاصة ربما تحميهم من الأمراض اليوم، ولكن عند فتح الحضانة وخروجهم من الكبسولة المعقمة لن يكونوا قادرين على مواجهة ما يتعرضون له، لأن جهازهم المناعي لم ينمُ ولم يتطور بصورة طبيعية متدرجة تجعلهم قادرين على مقاومة ما حولهم.
إذا أغلقنا التلفاز.. فهل سنمنعهم من الحركة في الشارع؟ وإن وفرنا لهم سيارة لا تجعلهم يسيرون في الشارع فهل سنمنع ذهابهم إلى المدرسة واختلاطهم بزملائهم مع إحساسهم بالعجز عن مواكبة هؤلاء الزملاء في أحاديثهم، ويشعرون أنهم من كوكب آخر غريب، وينتظرون الفرصة من أجل أن يتحرروا ويدخلوا هذا العالم العجيب الذي حرموا منه؟ إن الأفضل هو السماح لهم مع الجلوس معهم والاطلاع على ما يشاهدونه، ثم الحوار والنقاش الهادئ الذكي الذي يسمح لهم فيه بعرض وجهات نظرهم فيما أعجبهم أو ما لا يعجبهم، خصوصًا عند بلوغ الأطفال السن التي يستطيعون فيها التعبير عن أنفسهم، ويكون المنع في حالة وجود مناظر خليعة أو قيم فاسدة، وأيضًا يكون ذلك من خلال الحوار والتفاهم، وأن هناك أمورًا لا تخضع للتجربة ما دمنا متأكدين من ضررها.
ومن الضروري فتح الباب مع الحوار والتفاهم، خصوصًا أن أطفالنا لم يعودوا أطفالاً، ولكنهم في بدايات المراهقة، حيث إن الأمر يحتاج إلى الصداقة والاقتراب أكثر مما يحتاج إلى الصراخ والمنع، مع مراعاة ألا يصبح التلفاز والحاسوب والألعاب الإلكترونية هو اهتمامهم الأول، وذلك من خلال وضع خطة موازية لاهتمامات رياضية وثقافية وفنية تجعلهم يتوازنون في علاقتهم بالتقنية، فلا يصبح مصدر الثقافة والمتعة الوحيد بالنسبة لهم. لذا فالأمر يحتاج إلى تركيز شديد من الآباء والأمهات، فالخطر ليس في التلفاز، ولكن الخطر أن نتركهم وحدهم يخوضون التجربة دون تحاور وتفاهم، لأننا لو تركناهم وحدهم فسيجدون التوجيه عند الأقران بحلوه ومره، وعندها لا نلوم إلا أنفسنا، لأننا الذين تقاعسنا عن أداء دورنا.

صناع المستقبل..
مريم الغامدي، طالبة جامعية، تقول: لا شك أن التقنية هي لغة العصر، ورهان المستقبل، وإذا لم نكن محظوظين في نيل نصيب وافر منها منذ الصغر، فلا يفوتنا أن نجعل لأبنائنا النصيب الأوفر منها في الحاضر والمستقبل من الأيام، لأنها صارت مفتاح كل شيء، وسلاح كل من يريد التقدم، سواء كان علميًا، أو صناعيًا، أو في شتّى المجالات الأخرى. فلا حياة بلا تقنية، ولا مستقبل بدونها. والمتتبع اليوم يلاحظ أن تسارع خطوات التقنية وتتابع إيقاعها أصبح مخيفًا، لدرجة أنها تأتينا بشكل شبه يومي بمنتجات تقنية جديدة مذهلة من حيث التقدم والإبهار. وهذا يجعل مسألة الركض وراءها ومحاولة الإمساك بأهدابها تحتاج إلى حرص وتخطيط وجدية. ولابد أن تدخل التقنية في المناهج الدراسية بعمق، ولا أبالغ إذا قلت: يجب أن يكون لها القدح المعلى في المناهج من حيث التوسع والاهتمام، لأن المستقبل لها، ولأن مفاتيح الأمور بين طياتها. وإذا كنا نهتم بالطب والهندسة والعلوم وغيرها، فإن كل هذه التخصصات أصبحت اليوم تعتمد اعتمادًا كليًا على ما تفرزه التقنية من معطيات حديثة، وهذا يجعل الاهتمام بها يكون بهذا المستوى نفسه. فأطفالنا هم صناع المستقبل، وهم المسؤولون عن ذلك العهد، ولا بد لهم من التسلح بالتقنية التي لا مخاطبة في المستقبل القريب إلا عن طريقها. وفي اعتقادي أن نصيبهم اليوم أقل مما يستحقون، ولكن المراقب يلاحظ أن لديهم الاستعداد والقبول، بل الميول لتلقي التقنية واستخدامها بشكل أوسع، وهذا يضاعف الأعباء الملقاة على عاتقنا تجاه توفير القدر المناسب لهم من التقنية. وبحسب رويدة ناصر الحارثي، ماجستير دراسات طفولة، فإن عدم مراقبة الأسرة لما يشاهده أبناؤهم من الألعاب وعدم الوعي بمخاطر ذلك، أدى إلى تسرب ألعاب وبرامج هدامة تروج لأفكار وعادات تتعارض مع تعاليم الدين، وعادات المجتمع وتقاليده. وعلى الرغم من الفوائد التي قد تتضمنها بعض الألعاب إلا أن سلبياتها أكثر من إيجابياتها، لأن معظم الألعاب المستخدمة من قبل الأطفال والمراهقين ذات مضامين سلبية، وتستخدم لفترات طويلة، ما تؤثر في كل مراحل التطور والنمو لدى الطفل، وتترك آثارًا سلبية على الأطفال والمراهقين، منها ما هو صحي قد ينتهي إلى إعاقات أبرزها إصابات الرقبة والظهر والأطراف. وبالإضافة إلى الأضرار الصحية هناك الآثار السلوكية السلبية من جراء استخدام أجهزة الحاسوب والألعاب الإلكترونية لفترات طويلة. لذا فإن دور الأسرة كبير في توجيه وقت الأبناء وترشيده، بحيث يكون محددًا ومتفقًا عليه بما في ذلك الوقت المخصص للألعاب. ولا شك أن المنزل يعد منطقة الدفاع الأولى لكل سلوك أو عادات وافدة ودخيلة على مجتمعنا السعودي. فمن خلال التربية الصحيحة نستطيع الحفاظ على تقاليدنا وقيمنا الإسلامية المستمدة من الكتاب والسنة، والمنزل ممثلاً في الوالدين هما خير من يقوم بهذه المهمة الصعبة. فهما الأقدر على تمييز الصالح، وغير الصالح، وانتقاء وسائل الترفيه الأكثر فائدة لأبنائهم. كما ينبغي للأهل أن يراعوا الموازنة بين أوقات الجد واللعب لأطفالهم، وأن يعلموهم التوسط والاعتدال، والتعود أن لكل شيء وقتًا محددًا خاصًا به. وعلى الأسرة أن تنمي لدى أبنائها حب القراءة، وبخاصة القصص الهادفة التي تربط الأطفال بتاريخهم وبقضايا أمتهم، ومن ثم تشجيعهم على ممارسة هواياتهم كالرسم، والخط، والأشغال اليدوية، والرياضة، وألعاب التراكيب، والصور المقطعة وغيرها. وأن تخصص أوقاتًا محددة للأبناء للتسلية والترفيه كزيارة الحدائق والمتنزهات العامة، أو زيارة الأقارب والأصدقاء.