الجنبية
التمنطق بالرجولة والشجاعة.
لمعان جنابي راقصي العرضة يكاد ينير الذكرى، وصدى أصواتهم يتردد في جنباتها، ورائحة الموروث تعطر جلابيب الحاضر،
لحظة هيمنة الشوق واستفزاز الحنين إلى الماضي والأجداد والجدات على مساحات الخيال.
استطلاع: عبدالعزيز محمد العريفي
تصوير: هشام نصر شما
لا شك أن الرجولة بهيبتها، والشجاعة باندفاعها سمتان لابد منهما لإضفاء الكمال المنشود على شخصية الرجل الشرقي، وهاجس يتغلغل حتى في أدق تفاصيل حياته وهيئته وملبسه. والجنبية، وهي نوع خاص من أنواع الخناجر الذي يحمله الرجل على جانبه، تأتي في مقدمة أدوات زينة الرجال والزهو بالرجولة، فضلاً عن المكانة الاجتماعية وثقافة الموروث، خصوصًا في جنوب المملكة العربية السعودية واليمن.
سميت الجنبية بهذا الاسم لأن الرجل يتمنطقها على جانبه، وأول ظهور لها مثبت تاريخيًا كان في القرن السابع قبل الميلاد. والجنبية شأنها شان الأسلحة الأخرى تأتي على عدة أنواع وأحجام، كما أن أسعارها تتفاوت حسب المواد المستخدمة في صناعتها، وحسب جودتها وتصميمها. فهناك جنبيات قد تتجاوز أسعارها الحدود المعقولة والتي ربما وصلت إلى ملايين الريالات، بينما هناك جنبيات أخرى قد لا يصل سعرها إلى الخمسين ريالاً فقط، وعادة ما يكون المحدد الأول لسعر الجنبيات الفاخرة هو الرأس أو المقبض والمادة المصنوع منها. فالرأس الصيفاني «الزراف» مثلاً هو الأغلى كونه يصنع من لب قرن وحيد القرن الأفريقي الأسود النادر باهظ الثمن. وقد ارتبطت الجنبية بجميع أنواعها في تراثنا برقصة الحرب أو العرضة، خصوصًا عرضة الجنوب، حيث يحملها راقص العرضة ويلوح بها عاليًا بفخر وتباه.
سوق الجنابي في نجران
تقع هذه السوق في قلب مدينة نجران القديمة، على مقربة من قصر الإمارة الأثري، وهي سوق عامرة بمختلف الصناعات اليدوية التراثية والحرف، وينشط فيها الحرفيون الذين انهمكوا على خطى آبائهم بصناعاتهم اليدوية، وعلى رأسها بالطبع صناعة الجنابي، التي يبرع في صناعتها كثيرون من بينهم العم مانع الذي يعد الأمهر في صناعة الجنابي الفاخرة في تلك السوق. يذكر العم مانع أن السوق تشهد هذه الأيام نشاطًا غير اعتيادي، وإقبالاً من من محبي اقتناء الجنابي، خصوصًا باهظة الثمن منها، إذ وصلت الأسعار إلى أكثر من 150 ألف ريال. ويرجع العم مانع السبب في ارتفاع الأسعار إلى ندرة ما يسمى بقرن الزراف وهو العاج الذي يأتي من قرن وحيد القرن الأفريقي، نتيجة لصدور قرار بمنع بيعه وتصديره حماية لحيوان وحيد القرن من الانقراض.
الرأس «المقبض»
الجزء الذي تقبض عليه اليد، وهو أهم أجزاء الجنبية وما يحدد قيمتها يأتي على أنواع عدة، أهمها:
• الرأس الصيفاني: وسمي بذلك لشدة صفاء عاجه ونقائه، والذي يؤخذ من لب قرن الخرتيت الأسود الأفريقي باهظ الثمن، ويميل لونه إلى الأصفر المشوب بحمرة. والعجيب أن الجنبية تزداد صفاء وبهاء ورونقًا كلما تقادم عليها الزمن وكثر لمسها وفركها. وقد يصل أقدمها لأكثر من ألف سنة، ما يرفع من قيمتها المادية والمعنوية. وتزين عادة بفصين من الذهب أو الفضة «الزهرتان». كما أن قرار منع بيع عاج وحيد القرن وتداعياته قد ضاعف من ثمنها.
• الرأس الأسعدي: ويأتي في الدرجة الثانية من حيث الجودة والثمن، ويصنع من نوع نادر من قرون الوعل، ويرجع السبب في تسميته بالأسعدي نسبة لأحد ملوك اليمن كما يقال.
• الرأس العاجي: وهو كذلك من الأنواع القيمة كونه يصنع من عاج الفيل، ولونه أبيض وقد يميل إلى الاصفرار، وكثير من مقتني الجنابي يفضلونه على غيره لما يحتله العاج من مكانة عالية في نفوسهم.
• رأس الكرك: وهو أوسع الرؤوس الفاخرة انتشارًا كونه أرخصها ثمنًا، ويصنع من قرون الأبقار والوعول البرية.
• رأس الخشب: ويصنع من أنواع عديدة من الخشب، ويتفاوت بالسعر والجودة، إلا أنه يعد الأرخص من بين الجنابي، ويلحق به ما يصنع من البلاستيك والألياف الزجاجية.
النصل
النصل يعد الجزء الأساس من بين أجزاء الجنبية، كيف لا وبقية الأجزاء ما وضعت إلا لخدمته، وهو عبارة عن قطعة حديدية مطروقة من جهتيها لتكون حادة جدًا، وتأخذ شكل الهلال إلى حد ما، ومطروق على طولها خط يسمى العاير لزيادة قوة النصل، وأهم أنواع الأنصال الحضرمي، والعدني، والمبرد، والهندوان، والبتار، وتتفاوت في السعر حسب نوعية المعدن المصنوعة منه، وتتم عملية تلحيمها بالرأس يدويًا بإحكام شديد باستخدام مواد خاصة متعارف عليها منذ القدم.
الغمد «العسيب»
العسيب هو الجزء الذي تغمد به الجنبية لحمايتها ولاتقائها، ويتفنن الحرفيون عادة في هذا الجزء أكثر من غيره لإخراجه بصورة مدهشة فائقة الإتقان والجمال. يصنع العسيب من الخشب الفاخر مثل خشب البرقوق، والصنوبر، والعنبرود، والطنب، والعشار، وغيرها. ويقوم الصانع بقصه وتشكيله ونحته وتنعيمه ثم يقوم تارة بتغليفه بالجلد المدبوغ مستخدمًا لذلك خيوط الخيزران، وتارة يغلفه بالزنك المزخرف والمطعم بالذهب أو الفضة، ومن ثم ترصيعه بالأحجار الكريمة وشبه الكريمة. والأغمدة تأتي على طريقتين الطريقة الحاشدية، والطريقة البكيلية نسبة إلى قبيلتي حاشد وبكيل اليمنيتين. فالغمد الحاشدي له انحناءة مميزة على شكل حرف لام، والغمد البكيلي له انحناءة لطيفة تشبه حرف الراء.
الحزام
والحزام جزء مهم من عتاد الجنبية، إذ به تثبت وسط خاصرة الرجل، ويصنع من الجلد المدبوغ بعرض يراوح ما بين البوصة والثلاث بوصات، ويتم تطريزه يدويًا بالخيوط الملونة والمذهبة «السيم»، وتارة يطرز بخيوط الذهب والفضة الحقيقية، خصوصًا إذا كان بهدف العرض. وأفضل أنواع الأحزمة المفضلي نسبة إلى عائلة المفضل المشهورة بهذه الصناعة العريقة، ثم المتوكلي، والطيري، والكبسي، والمرهبي.
أنواع الجنابي
لا شك أن الجنابي اليمنية، خصوصًا القديمة منها، تعد الأفضل والأنفس، بيد أن الجنابي السعودية تتميز كذلك بدقة الصنع في إخراجها كمنتج جمالي أخاذ ينافس الجنابي اليمنية والعمانية. ومن أشهر الجنابي السعودية: الأحسائي في المنطقة الشرقية، والنافعي، والشبيل، والمعيرة، والطهر في المنطقة الجنوبية. وأشهر الجنابي اليمنية الصيفاني، والحاشدي، والبكيلي، والحضرمي، والقديمي، والقصبي، والحسيني، والقبيلي، وهي المفضلة لدى قبائل جنوب المملكة العربية السعودية. وتتميز بزيادة في الطول والعرض عن سواها من الجنابي. وتعد من أنفس الجنابي وأغلاها، كما أن هناك أنواعًا أخرى لا تقل أهمية وجودة تأتي غالبًا من عُمان كالترواني، والسعيدي، والعماني، والصوري.
الشبرية «الخنجر»
عادة لا يكون هناك حديث عن الجنابي دون التطرق إلى الشباري، بحكم التقارب بينهما في الشكل والهدف. والشبرية خنجر أهل الشمال وتشبه إلى حد كبير الجنبية، بيد أنها أصغر حجمًا، وفي نصلها انحناءة لطيفة، وبعرض أقل من نصل الجنبية. كما أنها حادة جدًا، وتأتي على أنواع شتى أشهرها القديمي، والهوشان، ودقة محيسن. وتصنع غالبًا في المملكة الأردنية. وتعد الشبرية جزءًا مهمًا من ثقافة شمال المملكة العربية السعودية وبادية الشام، ورمزًا من رموز الرجولة والشجاعة. وكالجنبية، فقد ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بالعرضات والرقصات الشعبية.