أملج الأرض البيضاء
شواطئ تداعب خيوط الشمس بنسائم البحر، وتسابق أمواجها آثار أقدام فوق الرمال اللؤلؤية.
استطلاع وتصوير: عبدالعزيز محمد العريفي
تعد محافظة أملج، الواقعة على البحر الأحمر والتابعة لمنطقة تبوك، من أجمل مناطق المملكة العربية السعودية، بشواطئها الساحرة ذات الطبيعة المتميزة، وتبعد عن مدينة تبوك بنحو 500 كم باتجاه الجنوب الغربي. وتقع بين مدينة الوجه شمالاً ومدينة ينبع جنوبًا، ويتبعها أكثر من 30 جزيرة، أشهرها جبل حسان، وأم سحر، وجزاية، وأطاويل. وهي محافظة كبيرة بتعداد سكاني يتجاوز التسعين ألف نسمه.
لمحة تاريخية
أملج، سميت بهذا الاسم ربما من لجة البحر، أو من صوت ضرب الأمواج لشواطئها الصخرية. وهي من المناطق السكنية الموغلة في القدم. فقد أطلق الرومان عليها «اليكي كومي»، وتعني الأرض البيضاء. والعرب كانوا قديمًا يسمونها بالحوراء وبوانة. وقال عنها الإدريسي إنها قرية عامرة وأهلها من الأشراف، وقال غيره إنها بلدة عامرة بها ثمان آبار عذبة، وبساتين نخيل، وبها جامع كبير، ومحاطة بسور منيع.
أملج السياحية
عندما تتراءى لك ملامح شواطئ أملج لا تكاد تصدق ناظريك، وتقفز إلى ذهنك تساؤلات شتى، هل حقًا يوجد في بلادنا مثل هذا الجمال الذي لم نتعود رؤية مثله إلا في الصور الحائطية لبلاد بعيدة، وجزر في وسط المحيط الهادي أو الهندي؟! حيث يشدك منظر النخيل المطل على البحر مباشرة لا يفصلهما إلا شاطئ رملي لا يتجاوز أمتارًا قليلة. ويمتد النخيل الذي نبت طبيعيًا على امتداد شاطئ الدقم في أملج بطول عدة كيلومترات، ويبهرك كيف ينمو نخيل تمر بجانب البحر ويتحمل ملوحته الشديدة؟! وقد أولت الدولة مشكورة عنايتها بشاطئ أملج وحولته إلى كورنيش فائق الجمال على غرار كورنيش الخبر أو الدمام، قابل للتمدد والمشاريع المستقبلية، حيث عُبِّدت طرقاته، وفرش بأفضل أنواع النجيل، وغرست به الأشجار، وتنوعت به الحدائق والاستراحات وملاعب الأطفال.
ويتدفق السياح على هذا الكورنيش خلال الأعياد والإجازات الأسبوعية، ويتمتعون بالطبيعة الخلابة وبالأجواء المنعشة، ما يحسدهم عليه أهل المناطق الأخرى.
وعلى امتداد الشاطئ وعلى بعد عدة كيلومترات من الكورنيش تقع حرة أملج. ولا تكمن غرابة الحرة في تشكيلات صخورها السوداء المتميزة فحسب، وإنما في امتدادها كذلك داخل البحر بطريقة تذكرك ببعض السواحل البركانية لجزر الهاواي الأمريكية. وتعد جنة لهواة التصوير، خصوصًا في لحظة الغروب. ويمكنك المشي فوق هذه الصخور وتسلق الكبيرة منها، والتوغل داخل البحر، والاستمتاع بصخب الأمواج وهي ترتطم بتلك الصخور، في لوحة بانورامية امتزجت بها الألوان السوداء والزرقاء والبيضاء، حلقت فوقها طيور النورس وكأنها تستفز عدسات المصورين.
ويتبع أملج ما يربو على الثلاثين جزيرة أشهرها جزيرة جبل حسان التي تبعد عن أملج بنحو 30كم. وكان الرومان يستخرجون الزجاج من رمالها، وهي من مواقع صيد الأسماك المتميزة.. وبعض هذه الجزر يعد من أهم محطات الطيور المهاجرة، ويحرص الصيادون وهواة التصوير على زيارتها في كل عام، خصوصًا في موسم هجرة الطيور. كما تستقطب الجزر هواة صيد الصقور أو الصقَّارة الذين يستخدمون مختلف الفخاخ والشباك، والحمام المفخخ بالأسلاك الشائكة للإيقاع بها حية، ومن ثم بيعها في أسواق الخليج بأثمان باهظة تصل في بعض الأحيان إلى ثلاث مئة ألف ريال أو أكثر، خصوصًا للأنواع النادرة منها. كما يفد سنويًا إلى هذه الجزر عدد كبير من هواة الغوص غالبيتهم من الأجانب لما تتمتع به المنطقة من شُعَب مرجانية وأسماك متنوعة.
وتجمع أملج في نطاق جغرافي واحد جميع تضاريس الجزيرة العربية تقريبًا، فهناك السواحل الرملية، وشواطئ النخيل، والشواطئ الصخرية، فضلاً عن الجزر، والكثبان الرملية والحرات، وغابات أشجار السمر، ما يعزز مقولة «اذهب إلى أملج تكفيك غيرها». ويقول الشاعر د.عبدالرحمن العشماوي:
هنا أُمُّ لُجٍّ، أو إذا شِئْتَ أُمْلُجُ
بأشواقها رَمْلُ الشواطئ يَلْهَجُ
كما يتوفر في أملج العديد من المقومات السياحية البعيدة عن البحر كالمواقع الأثرية، وغابات السمر ذات الأشكال المتميزة التي تشبه تلك الأشجار الغريبة في جزيرة سوقطرة اليمنية. كما تزخر أملج بالمباني القديمة، فضلاً عن الوديان، والسهول، والكثبان الرملية المرتفعة.