عقدة

  زمردة خضراء في معصم
الجبال الكستنائية.

تعد عقدة التي تحتضنها جبال أجا بحق منطقة استثنائية بتاريخها وطبيعتها وأجوائها وسكانها، وهي من طلائع المصايف البرية التي يتهافت عليها المتنزهون والسياح. وعقدة اليوم أضحت كغيرها من مناطق مملكتنا الحبيبة تتزين بالحضارة وتتوشح التمدن، وقد امتدت لها يد العمران الحديث لا لتغتال جمالها العذري وتعبث بمفاتنها بقدر ما توقظ فيها تلك الأمجاد التليدة بأمجاد جديدة، وتعيد تزيين كفها الذي لاح فيه باقي الوشم بحناء العصرنة وزهوة ألوانها 

استطلاع وتصوير: عبدالعزيز محمد العريفي
 

عندماتلج بوابتها الطبيعية المهيبة يبدأ نخيلها بالتلويح لك مستطربًا بعليل هوائها، ويوقظ فيك أحاسيس خامدة تنعش روحك وتستفز فؤادك بذكريات الهوى والحب العذري، ويقفز إلى ذهنك قول طرفة بن العبد:

وللبكاء على الأطلال لذة وحرارة لا يعرفها إلا من كابد الصبابة والوجد خصوصًا إذا ما كان مقرونًا بذكريات الحب والهيام.

 

نبذة عن موقع عقدة وتاريخها

تتبع منطقة عقدة لمحافظة حائل، وتقع على بعد أميال قلائل منها في وسط جبال أجا المشهورة، ويرى الكثير من المؤرخين أن عقدة هي الموقع الحقيقي لحائل، وهي القرية المعنية «بأكناف حائل» أي في أطرافها في قول امرئ القيس:

وقد كانت عقدة مقرًا لحكم بني سنبس من زبيد من طيء، وكان آخر حكامهم يقال له بهيج بن ذبيان، وفي البيت النبطي المشهور جدًا في الموروث الشعبي قول الشاعر:

قبـلك بهـيج حدروه الســناعيـس من عقدة اللي ما يزحزح قناها

يفاخر البيت بنصر شمر على ذبيان ونزوحهم عن حائل إلى بلاد الشام والعراق مع ملكهم بهيج إلى الأبد، وقوله ما يزحزح قناها كناية عن خصب منطقة عقدة لدرجة أن الرجل القوي بصعوبة يستطيع زحزحة قنا التمر من فرط ثقله، وهذا مما يميز منطقة عقدة عن بقية المناطق، فوقوعها المتميز بين الجبال جعلها نقطة لتلاقي الأودية ولتصبح من أهم الموارد المائية عبر التاريخ، يعكس ذلك الامتداد الخضري الواسع داخل وادي عقدة وكثرةالمزارع خصوصًا مزارع النخيل والفواكه المتميزة بحجمها ومذاقها.

 

منطقة استثنائية

تعد عقدة، بحق، منطقة استثنائية بتاريخها وطبيعتها وأجوائها وسكانها، وعقدة اليوم أضحت كغيرها من مناطق مملكتنا الحبيبة تتزين بالحضارة وتتوشح التمدن، وقد امتدت لها يد العمران الحديث لا لتغتال جمالها العذري وتعبث بمفاتنها بقدر ما توقظ فيها تلك الأمجاد التليدة بأمجاد جديدة، وتعيد تزيين كفها الذي لاح فيه باقي الوشم بحناء العصرنة وزهوة ألوانها. وسميت عقدة بهذا الاسم ربما لكون أوديتها تلاقت في نقطة بين الجبال وكونت ما يشبه العقدة في الحبال، ويقطنها عدة آلاف أغلبهم من المزارعين، وتزخر المنطقة بالكثير من مقومات السياحة والاستراحات المبنية وفق أحدث المواصفات العالمية.

لمحة تاريخية عن طيء

سكنت قبائل طيء منطقة حائل ومنها عقدة منذ القدم، وبلغت ما بلغت من الشهرة والقوة وذياع الصيت لدرجة غلب اسمها سائر أسماء القبائل الأخرى، فأضحت مفردة طيء تعني العرب لدى كثير من الأمم كالفرس والآراميين وغيرهم، وفي هذا السياق يذكر لنا د.جواد علي أن الفرس وبني إرم ونصوص التلمود اليهودية عرفوا العرب بتسمية أخرى هي طييعاــ طيعاــ طياياــ طياية، والكلمات من أصل واحد يعود إلى طيء اسم القبيلة المعروفة.. انتهى كلامه، وكان أول سكنى طيء في منطقة عقدة على أرجح الأقوال.

 

مستشرقون زاروا حائل وعقدة

في عام 1845 زار حائل وعقدة المستشرق الفنلندي، جورج والن، وألَّف في ذلك كتابًا سماه «صور من شمال جزيرة العرب»، ذكر فيه مما ذكر أن مياهها عذبة رقراقة تساعد على الهضم، وأن منتجاتها الزراعية ذات جودة

تفوق الوصف، وقال إنه دهش لرؤية الأطفال الصغار يجالسون الكبار الذين يبادلونهم أطراف الحديث، ويأخذون آراءهم في مواضيع تفوق عادة مستواهم الفكري، ويستمعون إليهم باهتمام، في محبة وألفة واحترام لم أر له مثيلاً، كما أن عينك لا تقع على ذلك الأب الحانق يضرب ابنه أمام الناس، ولا ترى ذلك الإذلال المتعمد الذي يهمش به الأبناء ولا يسمح لهم بمجالسة الكبار أو التحدث في حضرتهم، ولم أر في العالم كله أولادًا أكثر تعقلاً وأحسن خلقًا وأكثر طاعة لآبائهم من الحائليين. وفي عام 1862 زار المنطقة المستشرق الإنجليزي، وليم بلجريف، ومما قاله عن حائل ومناطقها: «جبل شمر بشكل عام عندما نقارنه بالمناطق الأخرى يظهر وكأنه قطعة من النقود جرى سكها حديثًا، تتلألأ بكل نقائها وبريقها». وفي عام 1879 زارت المنطقة المستشرقة الإنجليزية، الليدي آن بلنت، حفيدة الشاعر بيرون، ووضعت كتابها المشهور «رحلة إلى نجد»، ومما قالته عن حائل ومناطقها، خصوصًا عقدة: «المنظر من أمامنا جميل يفوق الوصف، سهل كامل الاستواء يتدرج في الارتفاع، ومنه تنبثق هذه الصخور والتلال كجزائر. إن معالم جبل شمر لها روعة غريبة، ولن أنسى الانطباع الذي أخذني حين دخلت المنطقة من نظافة الجدران والشوارع الخارقة للعادة، ما كان يعطي جوًا خياليًا». وزار المنطقة المستشرق النمساوي، «ليوبولد فايس»، محمد أسد، صاحب كتاب «الطريق إلى مكة»، الذي أعلن إسلامه عام 1926 وتكلم عن حائل ومناطقها بإسهاب مفعم بالإعجاب، ووصف حائل بكأس الحليب الذي لا تشوبه شائبة، وقصة ضياعه في الصحراء، وإنقاذ زيد الشمري له بعد أن أشرف على الموت من أمتع القصص الحقيقية.

كما زار حائل ومنطقة عقدة، على وجه الخصوص، مستشرقون من إيطاليا وفرنسا وألمانيا وأمريكا وروسيا ومن اليابان وغيرها، وألَّفوا الكتب والرسائل عنها، ولم يخفوا إعجابهم بالمنطقة وأهلها.