كتاب مفتوح لدراسة
التاريخ الإنساني

الكهوف..

عالم غامض محاطٌ بالأسرار

محمود الديب

تكونتالدحول عبر ملايين السنين ومع ذلك لم يبدأ الاهتمام بدراستها واستكشافها إلا منذ سنوات قليلة، وللدحول قيمة علمية كبيرة، فمن خلالها يستطيع العلماء دراسة التكوينات الجيولوجية للصخور التي تحتويها، كما أن تحليل معادنها يعطي معلومات تاريخية وجغرافية دقيقة لكثير من حقب التاريخ التي لم تستطع البشرية الاطلاع عليها، بل وأصبحت الدحول مقصدًا للسياح من جميع دول العالم لما تحويه من مناظر خلابة ومغامرات لعالمغامض مليء بالإثارة والتشويق.

والدحل عبارة عن فتحة أو تجويف يشق طريقه إلى باطن الأرض، وتتنوع الدحول حسب أحجام فوهاتها، فبعضها ضيق الفوهة لا يسمح بمرور جسم الإنسان، ومع ذلك فمجاريها تمتد لتتشعب في باطن الأرض, بينما بعضها الآخر ذو فوهة واسعة، وقد يتسع الدحل ليكون ممرات ومسارات وحجرات تختلف مساحاتها وأحجامها، ومنها ما يكون على شكل حفرة مليئة بالرمال.

تعود بدايات نشأة الدحول لعصور قديمة، فخلال الفترة المطيرة التي عمت الجزيرة العربية تكونت الدحول نتيجة تسرب المياه المحملة بثاني أكسيد الكربون إلى باطن الأرض عبر الصدوع والفتحات والتجاويف، حيث المعادن المذابة الموجودة في تلك الصخور, وبوساطة عوامل التعرية خلال قرون طويلة تشكلت مجموعة من القنوات والممرات والمغارات التي تختلف في أحجامها وأشكالها، وهناك نوعان من الدحول، الرأسي وهو يشبه البئر ويصل عمقه إلى حوالي 14 مترًا تحت الأرض، أما النوع الثاني فهو الأفقي.

تتوزع الدحول في المملكة على ثلاث مناطق: الرياض، والمنطقة الشرقية، والحدود الشمالية، إلا أنها تتركز بشكل كبير في منطقة الرياض، وبالتحديد شمال شرق مدينة الرياض بنحو 250 كم، وتقع الدحول في منطقة تخترقها طرق التجارة القديمة التي تربط بين الرياض وكل من الكويت والعراق والشام, كما تخترق المنطقة في الوقت الحاضر طرق معبدة تربط رماح وشويه والرفعية وقرية العليا بمدينة الرياض.

ونظرًا لطبيعة تكوين المنطقة التي تقع فيها الدحول وانخفاضها عما حولها وقربها من الكثبان الرملية, فقد ساعدت حركة الرياح المحلية، خصوصًا في فصل الصيف، على نقل الرمال وترسيبها في تلك المنخفضات, وعندما تهطل الأمطار في المنطقة تجرف معها تلك الرمال إلى داخل فتحات الدحول لتمتلئ بها قيعانها، لذا يلاحظ كثرة الترسيبات الرملية في داخل بعض الدحول، ما أدى إلى اندثار معالمها, مثل دحل أبو مروة بالقرب من شويه. تتميز المنطقة التي تقع فيها الدحول بوجود معالم طبيعية متنوعة منها الكثبان الرملية, إضافة إلى عشرات المنخفضات التي تكونت فيها الفياض والرياض والتي تتحول إلى مروج خضراء في فصلي الشتاء والربيع تمثلعوامل جذب للمتنزهين, وقد ساعد على ذلك وجود شبكة من الطرق المعبدة التي تربط المنطقة بالمناطق الحضرية في منطقتي الرياض والشرقية.

ومما يزيد من أهمية الدحول قديمًا أنها كانت أحد موارد المياه، فطوال قرون وقرون كانت معينًا رئيسًا للماء طوال العام، ومن أمثلة هذه الدحول المائية دحل الهشامي، وعلى الرغم من ذلك فهناك دحول جافة لا تحتوي على مياه، بينما هناك دحول تتوافر فيها المياه بشكل موسمي مع هطول الأمطار. وللمنطقة التي تقع بها الدحول مزايا خاصة بها، فهي ذات سطح متموج وتكثر فيها التلال الصغيرة والمنخفضات الكثيرة وصخورها لها قابلية كبيرة للذوبان.

تحوي الدحول أنواعًا عديدة من الأشكال الجمالية الرائعة التي تشبه اللوحات الفنية التي تغري السائح بالوقوف أمامها لساعات طويلة، وبجانب تلك الأشكال الجميلة توجد المعادن المذابة، وكذلك كربونات الكالسيوم التي تتدلى على شكل مخاريط بلورية من السقف بأشكال وأحجام لا نظير لها، وهناك، أيضًا، أعمدة تمتد بين أرض الدحل وسقفه، وهذه تكونت بسبب تساقط قطرات الماء على بعضها حتى تصلبت وتشابكت.

تمتاز الدحول بالتكوينات ذات الأشكال التي تشبه اللوحات الفنية والتي تكونت خلال آلاف السنين، ولكنها حساسة سهلة التكسير، ولا يمكن تكوّنها مرة أخرى في حالة تلفها أو تدميرها, ولذلك فإن مكتشفي الدحول حول العالم يقدرون مدى قيمة ما تحويه من تشكيلات وأهميته, لذا يتم وضع إرشادات توضح طريقة النزول فيها وكيفية التصرف داخلها للحفاظ على هذه الثروة التي لا تقدر بثمن ويتعذر تعويضها في حالة تلفها.

من عجائب الدحول رغم أنها توجد وسط صحراء مقفرة، إلا أن درجة حرارتها معتدلة طوال العام صيفًا وشتاءً، فهي لا تتجاوز 26 درجة مئوية في الداخل, بينما تصل خارجه إلى 50 درجة مئوية. في الآونة الأخيرة انتشرت سياحة الدحول والتي يقبل عليها الكثير من السياح والباحثين عن الإثارة والمتعة، وأصبحت تدر ما يزيد على 800 مليون دولار سنويًا، ومن المتوقع أن تتزايد إلى أضعاف مضاعفة،

وهذه السياحة ما زالت تحتاج إلى الكثير من رؤوس الأموال ودعم الحكومات من أجل ترويجها.