من إسطنبول إلى دبي


 نانسي أبو حوسة

المسجد الأزرق في إسطنبول

في مدينة كانت نواة السلطة العثمانية الحاكمة لعدة قرون وتُعد من أعرق المدن ذات الثقافة الإسلامية، يتمركز مسجد السلطان أحمد أو الجامع الأزرق في مدينة إسطنبول الجميلة، وهو جامع مذهل في تصميمه المعماري ويُعد أحد أكبر المساجد وأضخمها في تركيا والعالم الإسلامي ومن أكثرها زيارة. يتميز المسجد بموقعه المتمركز وسط العاصمة كما جرت العادة الإسلامية بأن يكون المسجد هو محور الحياة في المدينة. استغرق بناء المسجد الأزرق في إسطنبول سبع سنوات، وهو زمن قياسي جدًا بالنسبة للأدوات التي كانت متوافرة آنذاك ودقة العمارة وإتقان تفاصيلها. تم تدشين المسجد في عام 1616، كما يدل أحد النقوش على بابه الكبير. يحيطه منجميع الجهات سور مرتفع ماعدا الواجهة الرئيسة التي تقابلها ساحة واسعة، وفي كل سور خمسة أبواب، ثلاثة منها تؤدي إلى صحن المسجد واثنان إلى قاعة الصلاة. وفي كل سور عدد كبير من النوافذ الصغيرة والمنفذة للضوء. إن المسجد الأزرق هو المسجد الوحيد في تركيا الذي يحتوي على ست مآذن، وقد وجدوا صعوبات شديدة في تشييدها، سواء من الناحية المعمارية أو من ناحية الاعتراضات التي لم توافق على وجود ست مآذن مثلالمسجد الحرام، فما كان من السلطان إلا أن قرر التغلب على هذه المشكلة ببناء المئذنة السابعة في المسجد الحرام.

من المعروف أن مدينة إسطنبول ذات تاريخ طويل انصهر فيه العديد من الثقافات والأعراق المختلفة، لذلك فإن معظم الأبنية التاريخية فيها تم بناؤها في مراحل مختلفة من الزمان على يد أناس متعددي الأعراق، وهذا ما ينطبق على المسجد الأزرق، إذ هو يحاكي أسلوب العمارة البيزنطية التقليدية من ناحية شكل القناطر والقبب، ولكن مع تطوير مميز قام به مهندسه سيدفكار محمد الآغا من خلال تطوير المعالم التقليدية للعمارة البيزنطية ودمجها مع فنون العمارة الإسلامية التي كانت في أوجها في ذلك الزمن.

 

المسجد الأزرق في دبي

من إسطنبول إلى دار الحي دبي وبعد خمس مئة عام، افتتح مسجد الفاروق عمر بن الخطاب في منطقة الصفا، مُحاطًا بأهم الأحياء السكنية في إمارة دبي، لتشابه غيرها من المدن ذات الثقافة الإسلامية حول العالم. يضم المسجد مبنى ملاصقًا لتعليم القرآن الكريم والمقررات الإسلامية، كما يحتوي على مكتبة من أربعة آلاف مطبوعة دينية وإسلامية، وكذلك قاعة للمحاضرات. كما أنه واحد من ثلاثة مساجد في دبي تفتح أبوابها لغيرالمسلمين، والآخران هما مسجد الشيخ زايد الكبير في أبو ظبي والمسجد الكبير في الجميرا. أما بالنسبة لتسميته بالفاروق فمن المعروف أن سيدنا عمر بن الخطاب كان الحاكم الذي بدأ نشر الإسلام من خلال مد ذراعيه لمساعدة الناس ومعاملتهم بأخلاق المسلمين حتى يرغبهم فيه.

وكما مسجد السلطان أحمد في إسطنبول اكتسي المسجد الأزرق في دبي بالبلاط الأزرق الذي يُزين داخله، بينما ارتفعت قبته المركزية إلى 30 مترًا. أما مآذنه الأربع فبلغ طول كل منها 70 مترًا، وهي ثاني أطول مئذنة في الإمارات بعد مسجد الشيخ زايد الكبير والتي يمكن رؤيتها من بعيد.

 

فكرة التطابق

لم يكن اختيار هذا التماثل وليد المصادفة، بل جاء نتيجة لتخطيط مدروس لتجربة دينية تراكمت عبر العصور. فالفكرة الرئيسة كانت ببناء مسجد مصمم بفن التراث الإسلامي وألوانه، ما يجعل منه مركزًا ثقافيًا حقيقيًا يضفي ثراء على ما يحيطه من أبنية، بينما هو يؤدي رسالته الدينية الخالدة. أما من الناحية الجمالية فيشهد كل من رأى مسجد السلطان أحمد في إسطنبول بالعين المجردة أنه تحفة هندسية معقدة، خصوصًا إذا ما أخذ في الحسبان معايير ذلك الزمن. فأتت الفكرة ببناء صرح ديني مشابه له في القيمة ولكن لم يتم الإسراف في تصميمه حتى يحاكي بساطة الوجه الحضاري لإمارة دبي. إلا أن التصميم الداخلي لمسجد الفاروق قام بتعويض بساطة الخارج من بلاطه النفيس، والكتابات القرآنية، وزجاج النوافذ الملونة، والكثير من التفاصيل التي تشكل استجمامًا للعينين.