المملكة وجهة سياحية

ضرورة إيجاد صورة إيجابية للمملكة وتسويقها لعشر سنوات مقبلة كوجهة للعلوم والأبحاث.

د.طلال أحمد المغربي

يبقىالسؤال الأهم والأصعب هو: لماذا أقوم بزيارة تلك المدينة أو الدولة؟ ما المميزات والعوامل التي تجذبني؟ هنا تكمن صعوبة إيجاد خواص ومميزات وبرامج تجذب السياح للدولة أو للمدينة طوال العام، أو ما يسمىyear-round demand لوجود متغيرات بيئية ومناخية وسياسية وأمنية وغيرها.

في منظومة السياحة توجد ثلاث نقاط استراتيجية يجب التعامل معها لإحداث التوازن السياحي: وهي Push Effect وهي عند قيام المواطنين بالسفر إلى دول أخرى بغرض السياحة بأنواعها، وهي حق مكتسب لكل السياح في العالم للسفر بغرض الاستجمام، والتعلم، واكتشاف عادات وثقافات أخرى، والتأمل في عظمة الخالق، وهو ما ينتج عنه إقبال على المناطق السياحية والفنادق في الدول الأخرى. في حالة Push Effect يكون هناك ضعف في الإقبال على المناطق السياحية، والفنادق، والمطارات الداخلية، ومن ثمَّ تقوم الدول بالتعويض عن ذلك بما يسمى Pull Effect وهو جذب السياح إليها من خلال تسويق نفسها ومنتجاتها وخدماتها لشرائح مختلفة طوال العام.والنقطة الثالثة هي Derived Effect وهي تقوم على نقل السياح من المدن الرئيسة مثل لندن أو باريس أو جدة والرياض وجذبهم للمدن والمطارات الصغيرة الأخرى، لكي تساعد على تنمية الموارد المختلفة للمدن الصغيرة ومنتجاتها وخدماتها المختلفة.

تقوم الهيئة العامة للسياحة والآثار بالمملكة العربية السعودية بترسيخ مفهوم السياحة داخليًا ولدول الخليج، حيث تتمتع المملكة العربية السعودية بمقومات سياحية عدة، منها مقومات طبيعية مثل المحميات الطبيعية للحياة البرية والبحرية، والمناطق ذات الجمال الطبيعي مثل الربع الخالي، والجزر الساحلية، والشعاب المرجانية، إضافة إلى التنوع الثقافي والعادات والتقاليد، ومواقع أثرية قديمة من أبنية حجرية، ورسومات صخرية، ومبان تراثية، مثل القصور والحصون التي تعود إلى عصور مختلفة. ووتعاون الخطوط الجوية العربية السعودية والهيئة العامة للسياحة والآثار في التركيز على مناطق الجذب السياحي من خلال زيادة الرحلات وكذلك استثمارها إعلاميًا من خلال مطبوعاتها المختلفة.

لو تعاملنا مع المملكة العربية السعودية كدولة ومدن تسويقيًا كمنتجات وخدمات، ما المنتج الأكثر نضجًا لكي يكون عامل الجذب تسويقيًا ومقوماته موجودة لوضع الصورة الذهنية الإيجابية للمملكة حول العالم؟ ما الصورة الذهنية والرسالة التي نريد غرسها حول العالم؟ هل هي أن السعودية دولة غنية بالتراث، ومزيج من العادات والتقاليد، والجزر الساحلية والشعاب المرجانية، والمتنزهات، والتعليم والجامعات العريقة، والاحترام، والصداقة، والاستقرار، وكرة القدم والتسوق؟

في الملتقى الدولي الثالث لتسويق المدن والدول International Colloquium on Place Management Marketing and Nation Branding الذي أقيم في جامعة لينكولن في بريطانيا بتاريخ ٨-٩ سبتمبر ٢٠١١ قدمت مع البروفيسور تشارلز دينيز بروفيسور التسويق ومدير مركز الأبحاث في جامعة لينكولن ومدير الأكاديمية الدولية للتدريب والتطوير ITDA رؤية واستراتيجية لتسويق المملكة العربية السعودية بالاستفادة من المتغيرات الحالية وتحويلها إلى فرص، وذلك من خلال معاملة المدن والدول كمنتج Product وتقسيم السوق لشرائح Segmentation والتركيز على شرائح محددة لتحقيق الأهداف Niche Market.

لو نظرنا إلى أقوى عنصر في المملكة حاليًا لديه عناصر التسويق متكاملة يكون من أهمها التعليم العالي لتكون المملكة العربية السعودية واجهة للعلوم والأبحاث، حيث بلغ ما تم تخصيصه لقطاع التعليم العام والتعليم العالي نحو 150 مليار ريال، ويمثل نحو 26% من النفقات المعتمدة بالميزانية لعام ٢٠١٠-٢٠١١ وهي من أضخم الميزانيات في العالم. إضافة إلى ذلك وجود أكثر من ٢٨ جامعة حكومية وخاصة مجهزة بأحدث التجهيزات التقنية والمباني وتغطي مساحات ومناطق جغرافية مختلفة وغنية بعاداتها وثقافاتها داخل المملكة. يضاف إلى ذلك وجود أكثر من ٤٥ جمعية علمية مسجلة لدى التعليم العالي في مختلف التخصصات. العدد الكبير من الطلاب في المراحل الجامعية والدراسات العليا مع وجود أكثر من ١٥٠ ألف طالب وطالبة مبتعث يدرسون في أفضل الجامعات حول العالم في دول قد لا يصل إليها المواطن السعودي بغرض السياحة. فالفكرة هنا في العملاستراتيجيًا بوضع صورة ذهنية إيجابية للمملكة خارجيًا وتسويقها لعشر سنوات مقبلة سياحيًا كوجهة وواحة للعلوم والأبحاث، ويكون ذلك بإيجاد حزمة تحتوي على مجموعة متكاملة من الأنشطة والمؤتمرات العلمية والمعارض سنويًا وطوال العام لجذب شريحة الباحثين والمثقفين والمهتمين وصناع القرار. ولو نظرنا لإحصائيات الحج والعمرة من عام 1927 إلى الآن نجد أن أعدادهم في ازدياد كبير لتأدية فريضة إسلامية وزيارة المشاعر في مكة والمدينة، ويساعد على ذلك المشاريع الضخمة التي تقوم بها حكومة خادم الحرمين الشريفين في خدمة ضيوف الرحمن، إضافة إلى التطور الكبير في صناعة المواصلات والنقل الجوي عالميًا ووجودأسعار تنافسية أتاحت لشرائح أكبر أن تطلب السفر للمملكة العربية السعودية بغرض الحج والعمرة، والمتوقع للأعداد أن تصل إلى ١٥ مليون زائر في عام ٢٠٢٠. من هذه الملايين هناك المسؤول والدكتور والأكاديميورجل الأعمال والطالب، ويمكن عمل دراسة سريعة مع وزارة الخارجية والحج لتحديد نسبة الزوار القادمين للحج والعمرة خلال الخمس سنوات الماضية لنقوم باستهداف شرائح مهنية محددة Niche Market من ٥٪ إلى ١٠٪ من قاصدي العمرة للمشاركة في مؤتمرات ومعارض ذات علاقة بتخصصات مختلفة. ولكون جدة بوابة الحرمين الشريفين، ولأن المملكة توصف لدى العالم ببلد البترول، ورغم ما يواجه ذلك لدى جمعيات حماية البيئة من صورة سلبية للتلوث البيئي، أعتقد أنه يمكن استغلال المخاطر وتحويلها لفرص إيجابية لزوار المملكة وأبنائها طوال العام من خلال إنشاء متحف وطني عالمي في مدينة جدة على غرار المتحف البريطاني أو متحف العلوم أو متحف الطبيعة والتاريخ في لندن، وهو مطلب ملح، حيث يمكن أن تبادر أرامكو، بالتعاون مع وزارتي التعليم والتعليم العالي، وجامعة الملك عبدالله، وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وهيئة السياحة والآثار والخطوط الجوية العربية السعودية، بإنشاء متحف يعرض تاريخ المملكة، وتاريخ استكشاف البترول، ومراحل تكريره، وأنواعه، واستخداماته الإيجابية، وكيفية المحافظة عليه، وما تقوم به المملكة لحماية البيئة بطريقة علمية تعليمية، ودور المملكة الإيجابي على مر الزمن. الفوائد عديدة لتسويق المملكة ومدنها من خلال الجامعات والمؤتمرات، لأنها المنتج الأقوى الذي تتوافر فيه عناصر التسويق والجذب للباحثين والمهتمين من الخبراء حول العالم لمؤتمرات ومعارض طوال العام، تساعد على ربط الجامعات المحلية بالعالمية، وأيضًا، تتيح للمبتعثين ومشرفيهم الحضور والمشاركة لترتقي بخدمات الجامعات والجمعيات العلمية السعودية، والأهم من ذلك هو إثراء البحث العلمي الذي منه تقدم الاستراتيجيات والحلول التطبيقية العملية عندما يقوم الباحثون عالميًا بتسمية مراجع لأبحاثهم من الأبحاث التي قدمت ونشرت في مؤتمرات المملكة العلمية ومجلاتها لتكون فرصة تسويقية لاسم المملكة وجامعاتها ومدنها وعاداتها من خلال العلم.