معروضات المتحف تنتمي إلى ثلاثة قرون

  ذي عين قرية نبع ماؤها من عصا 

 



 جدة: خيرالله زربان

أكثرمن أربعة قرون مرت على قرية ذي عين الأثرية، وما زالت تقف شامخة، عاقدة علاقة وثيقة بين الماضي والحاضر في منطقة تهامة زهران التابعة لمنطقة الباحة، حيث تبعد عن مدينة الباحة حوالي 25 كلم تقريبًا، على طريق عقبة الملك فهد بالباحة، والتي تربط السراة بتهامة، لتغدو هذه القرية في الزمن الحاضر إحدى أهم القرى السياحية في المملكة العربية السعودية، بإطلالتها المشرفة من أعلى قمة جبل أبيض بنيت عليه من الصخر. حيث تشير الذاكرة التاريخية إلى أن تسمية القرية بهذا الاسم ترجع في الأصل إلى وجود المياه فيها بغزارة، ولعل هذا ما دفع الناس إليها، وحبب إليهم سكناها، فقد تم بناء القرية بسبب هذه المياه التي تتدفق من الصخور الجنوبية، حيث انتشرت المزارع تحت القرية وعلى طريق هذا النبع، وبخاصة زراعة الموز التي تحتاج إلى مياه غزيرة. ينتمي سكان هذه القرية إلى قبيلة بني عمر الأشاعيبي إحدى قبائل زهران

أصل التسمية

يشير أهالي القرية إلى أن تسمية القرية بهذا الاسم تعود إلى أن سكانها القدماء أصيبوا بقحط شديد وزارهم ذات يوم أعرابي أتى من البادية يبحث عن عصاه التي فقدها عندما كان يرعى الغنم في منطقة تبعد مئات الكيلومترات من موقع القرية في الجزء الشمالي من الباحة، وقال لهم ابحثوا في هذا الموقع وسيخرج الماء لكم، وبالفعل قاموا بالبحث وهو واقف معهم فانطلقت العصاة من النبع وأصابت عينه فمسكها ولم يخرجها، وظل يمشي في الوادي والماء يتبعه حتى وصل إلى نقطة معينة ونزع العصا وعندها غار الماء في الأرض وأشار السكان إلى أن الماء يصل إلى هذا الموقع فلا يتجاوزه أبدًا

طوابق أثرية

المتأمل للطراز المعماري لقرية ذي عين يلحظ أنها تتكون من عدة منازل أثرية تم بناؤها على جبل متوسط، وتتكون بيوتها من طابقين إلى سبعة طوابق، واستخدم أهالي القرية الحجارة التي تم نقلها من السفوح المجاورة بوساطة الجمال أو على ظهور الرجال، أما السقف فهو من أشجار العرعر التي نقلت إليها من الغابات المجاورة، وزينت شرفاتها بأحجار المرو على شكل مثلثات متراصة، كما يوجد بها حصنان من الناحيتين الجنوبية والشمالية، كانا يستخدمان للدفاع ولحماية أهالي القرية من الغارات، كما كانا يستخدمان، أيضًا، في أغراض المراقبة والإنذارات المبكرة. وتذكر الشواهد التاريخية أن هذه المنطقة عانت من الغزوات القبلية قبل عهد المغفور له الملك عبدالعزيز، ومما يُذكر أنه وقع في هذه القرية غزوة بين غامد وزهران مع جيوش محمد علي باشا وقد لقوا فيها هزيمة منكرة

موز وكادي وأبراج لمراقبة الأعداء

يوجد بالقرية مسجد، وتحيط بها مزارع الموز والنخيل والكادي والريحان والليمون. وما يميز منازل قرية ذي عين قربها من بعضها، حيث تشكل وحدة واحدة في تصميم عجيب يعتمد على الحجارة الموجودة من الجبال القريبة. وقد جاء هذا التقارب في المباني لمنع دخول البرد والرياح إلى المنازل، كما أن قرب هذه المنازل يدل على تقارب الناس.

هناك أبراج للمراقبة أو نوافذ لكشف الأعداء أو للقنص والرماية. ونظرًا لدرجات الحرارة المرتفعة في هذه المنطقة، وخصوصًا في فصل الصيف، فقد تم بناء القرية بشكل يتناسب مع الحرارة حيث توجد نوافذ كبيرة خصوصًا في الأدوار العلوية من أجل التهوية في فصل الصيف. وفي الأدوار السفلية تكون النوافذ صغيرة بسبب الناحية الأمنية وحتى لا يتم الدخول من قبل الغرباء للمنازل

واهتم سكانها كذلك بالأسطح التي تعد مثل الفناء

للمنزل، وتكفي كل أفراد الأسرة خصوصًا في المساء. وقد روعي عند بناء القرية الاهتمام بسلامتها من السيول والأمطار، حيث بنيت في منطقة بعيدة عن الأودية أو مصبات السيول، وتم عمل مظلات بالحجارة على الشبابيك تمنع سقوط المياه إلى المنزل من النوافذ. وتمثل الحجارة والصخور التي تم استخراجها من الجبال القريبة من القرية المادة الرئيسة في البناء، وهي حجارة ملساء صلبة تنوعت ألوانها بشكل متقارب، وبالنسبة لأسقف المنازل تم وضع الأخشاب على السقف ومن ثمَّ يتم عمل أحجار طويلة وخفيفة وكذلك سعف النخيل، وبعدها تتم عملية الصب، ولكن باستخدام الطين حيث تسهم في تخفيف الحرارة. أما الجدران من الداخل فيتم طلاؤها بالطين كذلك. تختلف المنازل من منزل إلى آخر، حيث يكون الدور الأول غالبًا مستودعًا مخصصًا لأعلاف المواشي أو الأدوات الزراعية أو المواشي مثل الغنم والأبقار، أما الدور الثاني فيتم تخصيصه للقمح والحبوب بشكل عام، وفي الأدوار العليا تكون الغرف والمجالس ويتوسط كل بيت عمود يسمى «الزاخر». وفي أغلب المنازل تكون هناك بلكونة تسمى «الجون» حيث يطل من خلالها أهل المنزل على الساحة والمزارع المجاورة.

توزيع ماء العين بالعدل

تشتهر القرية بالمزارع التي يتم سقيتها من العين التي تصب من الجهة الشرقية من القرية، حيث توجد مصبات المياه لكل مزرعة، ويتم توزيع السقي بين أصحاب المزارع على مدى الأسبوع، بما يسمى «الشرب»، بحيث يسقي كل شخص حسب كبر مزرعته في وقت معين، إضافة إلى سقي المواشي التي تتم تربيتها في القرية. وتعد الفواكه المختلفة من أشهر ما تنتجه مزارع القرية، وخصوصًا الموز الذي يزرع فيها حتى الآن. وقد شهدت هذه القرية حديثًا العديد من الترميمات والتحسينات التي لم تذهب بقيمتها التاريخية والأثرية، إنما عملت على المحافظة عليها، حيث تحولت إلى قرية أثرية يرتادها كثير من السياح من جميع أنحاء المملكة ودول الخليج العربي، والكل يتعجب من طريقة بنائها، وكيف كانت حياة أهلها وأصبحت صورة هذه القرية الجميلة تلازم جميع المعارض وتعكس وجهًا مضيئًا للمملكة عامة، ولتهامة زهران تحديدًا.