لقرون
عديدة، ظل الأرابيسك واحدًا من
أهم الفنون المعبرة عن التراث
العربي والإسلامي، منتجًا قطعًا
فنية نادرة تعبِّر عن التراث وعبق
التاريخ، ذلك أنه من الحِرف
اليدوية شديدة الصعوبة، حيث يحتاج
إلى مهارات خاصة ولمسات فنية
شديدة الخصوصية والتميز، حتى إن
العاملين فيه قليلون ومتميزون.
3 مدارس عربية
في العالم العربي اشتهرت ثلاث
مدارس في فن الأرابيسك، هي:
المغربية والمصرية والسورية، وتعد
المدرسة المصرية في فن الأرابيسك
من أكثرها صعوبة وأكثرها تميزًا،
نظرًا لما تتميز به من كثرة
الأعمال اليدوية ومدلولاتها
الثرية.
تعتمد مدرسة فن الأرابيسك
المغربية على الزخارف النباتية
والتفريغ، بينما تعتمد المدرسة
السورية على تطعيم القشرة والمعدن
والزخارف النباتية، أما فن
الأرابيسك المصري فيعتمد على
التعشيق والتركيبات إلى جانب
الزخارف والأشكال الهندسية.
والعمل في تحفة الأرابيسك يبدأ
بالتصميم على الورق، ومن ثم
تنفيذه على الخشب والحَفر عليه
وتطعيمه، ثم تأتي مرحلة التعشيق
والتركيب، ويستخدم في هذه المراحل
أجود الخامات المصرية والمستوردة
من نحاس وزجاج وصدف وعظام الجمل،
أيضًا تستخدم الموتيفات العربية،
بينما تعطي الألوان الطبيعية
للخشب أناقة وسحرًا خاصًا، ولا
سيما الأخشاب المصممة على الطراز
العربي، أما تناغم الألوان فيعطي
شكلاً متناسقًا يضفي جمالاً
مضاعفًا على التصميم.
أكثر من فن
وقد تعددت الروايات حول ظهور فن
الأرابيسك في مصر، كذلك حول
انتمائه لأي من الحضارتين القبطية
أم الإسلامية، لكن المؤكد أنه جمع
بين العمارتين في نسيج واحد، حيث
أدركته العمارة القبطية قبيل
الفتح الإسلامي لمصر، وتذكر بعض
المصادر التاريخية أنه كان يتم
إيفاد الحرفيين المصريين إلى
الإستانة وإسطنبول في تركيا
لتزيين قصور السلاطين العثمانيين،
وبعضهم لم يعد حتى بعد إنجاز عمله،
حيث تم وصفهم بأنهم «أسرى فن»،
بعدها انتقل الأرابيسك إلى بلدان
أخرى كإيران والهند. ويبقى
الأرابيسك فنًا وصناعة في الوقت
ذاته، فهو يجمع بين أكثر من فن
كالحَفر والزخرفة والخط والرسم
والتعشيق والنقش والتطعيم، ويعتمد
على مواد متنوعة كالخشب والنحاس
والذهب والصدف وغيرها من المواد،
وإن كان الخشب هو الأكثر
استخدامًا وشهرة.
أشكال ومسميات
على
الرغم من تعدد أشكال الأرابيسك،
إلا أن المشربية تظل الشكل الأكثر
شهرة كلما ذُكر اسم هذا الفن
التزييني المعماري، ويمتد إلى
العديد من التصميمات، تبدأ
بالكرسي العربي وتنتهي بالغرف
المصممة كاملة من الأرابيسك،
وتتجلى أشكاله في المنابر
والمحاريب داخل المساجد القديمة
أمثال السلطان حسن بالقاهرة.
للأرابيسك مسميات متعددة اتخذت من
أشكاله اسمًا وصفة، كالمشربيات
والمشرفيات «الشباك الذي يطل أو
يشرف على الشارع وله باب قلاب
يُفتح للربع أو النصف أو بشكل
كامل»، كذلك «المرافع» التي توجد
داخل المنازل ذات الأسقف العالية
وتوضع على الحائط وسُميت بذلك
لأنها مرفوعة عن الأرض إلى جانب
أسماء أخرى كالميموني والكنايسي،
ولعل مجرد المرور بجوار منزل «زينب
خاتون» بحي الحسين حيث القاهرة
الفاطمية القديمة تتجلى ملامح
الأرابيسك داخله وخارجه، سواء في
المشربيات التي تزين واجهة المنزل
أو المرافع من الداخل، ويتأكد ذلك
على بعد أمتار قليلة من ذلك
المنزل الأثري، حيث تقع ورشة
الحاج سالم للأرابيسك في الشارع
المحتضن في بدايته منزل زينب
خاتون وبيت العود العربي. هنا
يجلس الحاج سالم أمام ورشته يتابع
العمّال الذين تعلّموا على يديه
صناعة الأثاث الخشبي العربي
والأرابيسكي، كلٌ في عمله، سواء
على إحدى آلات تقطيع الخشب، أو
صنفرته، أو تشكيله، ويشرف عليهم
ابنه الثلاثيني «سعيد» خريج
الفنون الجميلة الذي نال حبه
وتعليمه للصنعة على يد والده
أيضًا.
حارث الفن
الحاج سالم ذلك الرجل السبعيني من
أقدم مَن عملوا في فن الأرابيسك
بمنطقة الحسين منذ عام 1954، نحو
60 عامًا عمل بها الحاج سالم في
فن الأرابيسك أبدع فيها مئات
القطع المنتشرة في كل أرجاء
الدنيا، حيث يؤكد أنها تستهوي
السياح الأجانب أكثر من المصريين
والعرب.
ويعد الحاج سالم نفسه حارثًا
وأمينًا على هذا الفن الأصيل،
يصفه بأنه من الآثار التاريخية
التي ينبغي الحفاظ عليها، وبرأيه
ما سمي الأثر بذلك إلا لجماله
ومتانته، مرجعًا عدم الاهتمام
بالفن العربي والأرابيسك إلى عدم
الاهتمام بالتاريخ والحضارة
الإسلامية، واللجوء إلى تقليد
الغرب، بينما الغرب أكثر حرصًا
واهتمامًا بإبداعات هذا الفن من
العرب أنفسهم.
إبداع وتميز وخصوصية
من جانب آخر، أكد د.حسين محمد
حجاج، العميد السابق لكلية الفنون
التطبيقية بجامعة القاهرة، أن
كلمة أرابيسك شاعت بالنسبة
للمستشرقين للتعبير عن الفن
العربي والإسلامي بعمومه مثلArab
art،
فالمقطع الأول من الكلمة مشتق من
العرب، بينما الشق الثاني لم
يُحدَد مصدره، غير أن الكلمة بشكل
عام جاءت للتعبير عن ذلك الفن
الجامع لفنون الزخرفة والنقش
والتطعيم والتعشيق وهو فن
الأرابيسك.
ويرى حجاج أن الفن الإسلامي يعتمد
على عدد من العناصر كالمبالغة في
تحويل الأشكال مثل الزخارف
النباتية التي تكاد تكون غير
حقيقية لرسمها متفرعة من أوراقها،
يراها بعضهم تحريفًا للطبيعة،
بينما هي فن يضفي مزيدًا من
الإبداع والتميز والخصوصية. كذلك
التكرار الذي يعد شيئًا أساسيًا
بسيطًا استخدمه الفنان المسلم
إشارة إلى اللانهائية، يستطيع من
خلاله ملء الفراغ، فنادرًا ما
يوجد شيء في الفن الإسلامي له
أرضية، هذا إلى جانب نزعة التجريد
والبعد عن التجسيد للكائنات الحية
بشكل عام. وأوضح أن فن الأرابيسك
في صوره المختلفة الظاهرة في
المحراب والمنبر في المساجد
الأثرية القديمة، على سبيل المثال،
هو تجسيم وتوضيح للفنون العربية،
يصنع من الخامات البسيطة ويطعم
بالعاج أو العظم وغيرهما من
الخامات، فهو إجمالاً فن يجمح إلى
التجريد والتبسيط بصورة واضحة،
وأبرز أشكاله المشربية، ورأى أن
مشكلة تراجع استخدام هذا الفن
تعود إلى أن بعض الناس يرى أنه
مجرد حرفة وليس فنًا في حد ذاته.