بقلم: أ.د.عبدالكريم بن صنيتان العمري
الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة
الأمن عنصر مهم في الحياة الاجتماعية، ومطلب متجدد على مدار الأيام، وتوالي الشهور والأعوام، لا يستغني عن توافره أي فرد، ولا يغفل عن السعي إلى ترسيخ قواعده أي بلد، وهو العماد الأساس لكل إنجاز حضاري, وتقدم اجتماعي، فلا بديل عن الحياة الآمنة، ولا رقي لأي مجتمع إذا سلب أمنه واطمئنانه.
وبالأمن يظل المجتمع قويًا مترابطًا ثابتًا ومتماسكًا، تسوده الألفة، وتزدهر الحياة في ظلاله، ويبقى المجتمع آمنًا متى استقام على منهج الله، تعالى، واستمر في نصرة شريعة الحق، جل وعز، وتمسك بهدي الإسلام وتعاليمه، ولم يعرض عما جاء به التشريع الإسلامي، وما احتوته مضامينه، فإن أهمل هذا، ونكص عن الهدي الحق، ورغب عن المنهج القويم، وحاد عن الصراط المستقيم، فحريٌّ أن يحلَّ به الخوف والقلق، ويسوده الاضطراب والفزع، قال تعالى ذكره: }وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (112){ «النحل: 12». وإقامة شرع الله، تعالى، والتمسك بتعاليمه، والتقيذُ بأوامره، واجتناب نواهيه، والبعد عن مقارفة الكبائر والموبقات، ومحاربة المعاصي والمنكرات، كلُّ ذلك كفيل بأن يحقق للإنسان حياة آمنة، وعيشة هانئة، كما وعد الله، تعالى، بذلك، في قوله جلَّ ثناؤه: }وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدَّلَنَّهُم مِن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55){ «النور: 55».
لقد عدَّ الإسلام الأمن من أهم دعائم النماء، وركائز الاستقرار للحياة الإنسانية، ونوه القرآن الكريم بأهمية الأمن، ودوره في قيام الحياة المطمئنة، وأشار إلى ذلك في العديد من المواضع في آيات الكتاب العزيز، والتي تضمنت بيان أن رغَدَ العيش، ووفرة الرزق, وكثرة النعم, وسعة الخيرات, وزيادة الفضائل والطيبات، وانحسار الخوف، كلُّ ذلك من نعم الخالق، جلَّ وعز، والتي تستوجب الثناء على المنعم, وزيادة شكره وحمده، ومواظبة المرء على مواصلة تمجيده، والاعتراف له بالنعم، والإقرار بتفضله بها، وأنه متى أعرض الناس عن الشكر والثناء, كان ذلك سببًا في تغيير الحال، واختلاف الأحوال، وعودة الخوف والاضطراب، وتفشي القلق والشقاق والنزاع، عقوبة من الله تعالى.
وقد جاء في الحديث القدسي، أن الله، جلَّ ثناؤه، وتقدست أسماؤه قال: «أنا والجن والإنس في نبأ عظيم, أخلق ويُعبد غيري، أرزق ويُشكر سواي، خيري إلى العباد نازل, وشرهم إليَّ صاعد، أتودد إليهم بالنعم, ويتبغضون إليَّ بالمعاصي».
ولا يمكن تحقيق الأمن في أي مجتمع إلا بإقامة شعائر الله، والمحافظة على حقوق العباد، والبعد عن انتهاكها، وحماية الأنفس والأعراض والأموال، والتعاطف بين جميع أفراد المجتمع.
إن مؤازرة أفراد المجتمع بعضهم لبعض، وتكافلهم وتناصرهم، يحقق لهم الحياة الآمنة، ويسهم في إيجاد جو إيماني آمن بينهم، فالشفقة والرحمة، والتعاطف بين جميع الطبقات، ومختلف المستويات, والإعانة والمواساة، والإحساس بأحاسيس الآخرين, ومشاركتهم في آمالهم وآلامهم، كل ذلك يوجد جوًا من الثقة بين الناس, ويؤدي إلى انحسار كل مسببات الحقد والكراهية، ودواعي البغض والعدوانية، ويصدق فيهم قوله، صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد, إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». رواه مسلم.
إن الإحسان إلى الآخرين، وربط جسور المودة معهم، وترسيخ العلاقات بين الأفراد، كفيل بأن يأمن جانبهم، وتتقوى العلاقات فيما بينهم, ما يؤدي إلى بناء أسس راسخة للأمن الاجتماعي، فالإحسان تاج الفضائل وقمة المكارم، والله، تعالى، يحب المحسنين، والإحسان يؤكد الكرم والعفو، ويدفع الضرر، ويمحو الشرور، ويزيل المفاسد، فمتى قابل المسلم الإساءة بالإحسان، نال مرتبة عالية في الدنيا والآخرة، فأحبه الناس وأدنوه، وحاز مرتبة كبرى عند ربه في الآخرة، قال تعالى: }الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ(134){ «آل عمران: 134».
إن مقابلة الخطأ والشر بمثله أو أكبر منه، يولد حزازات بين الأفراد، ويوجد قلقًا بين الناس، والمؤمن مطالب بأن يجاهد نفسه، ويكف شره ويأمن منه إخوانه, كما قال، صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده». رواه مسلم.
وحين يعرف المسلم بإحسانه ولطفه ورجاحة عقله، فإنه يصبح محل ثقة إخوانه، يأنسون به، ويطمئنون للتعامل معه، لا يخشون منه الغدر ولا الخيانة، بل هو محل ثقتهم.
والمسلم في المجتمع ينبغي أن يكون عضوًا فاعلاً فيه, وفردًا يؤدي دوره المنوط به، ويكون له أثره في تقوية الروابط والعلاقات، التي تزيد أمن المجتمع رسوخًا وصلابة، وقوة ومتانة، فهو يحمي إخوانه من شرور المعتدين, وينصرهم ويسعى إلى التأليف بين قلوبهم، ويبذل المعروف, ويعين المحتاجين، ويضمد جراح الثكالى والمعوزين, ويرشد وينصح، ويوجه ويدعو، ويتعاون مع الآخرين على البر والتقوى, وتمتد يده بالإحسان لتشمل كلَّ من حوله، فهو مصدر أمان, ومنبع اطمئنان، لا يتردد عن فعل المكارم وصنائع المعروف، ويسعى لأن يشمل الآخرين بإحسانه، على ضوء قول الحق، جل وعز: }وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا (36){ «النساء: 36».