السنجابُ الصغيرُ

السنجاب ُحيوانٌ لطيفٌ، محببٌ للنفس، يمتازُ بسرعةِ الحركةِ والقدرةِ على تسلقِ الأشجار، وهو يتغذى بالنباتاتِ، خصوصًا ثمرَ البندقِ وثمرَ البلوطِ، وهو يشبهُ الأرنبَ، إلا أنَّ لهُ ذيلاً طويلاً غزيرَ الشعرِ، وأذناهُ صغيرتانِ، ويداهُ الأماميتانِ صغيرتانِ، يستعملهمَا في رفعِ الطعامِ إلى فمهِ، وهوَ يتكاثرُ بالولادةِ.

وكانَ «سنجوب» قد أنهَى مرحلةَ الرضاعةِ وبدأَ يتغذَّى على ما تحضرهُ لهُ أمهُ من البندقِ والبلوطِ، وكانتْ أمهُ، دائمًا، تقولُ لهُ: «لا تخرج منَ الجُحْرِ فإنِّي أخافُ أنْ يأكلكَ الثعلبُ أو البومُ أو يصطادكَ الإنسانُ». ولكنَّ سنجوبًا كانَ عنيدًا وطائشًا ولا يسمعُ نصيحةَ أبويهِ. وخرجتْ أمهُ يومًا تريدُ إحضارَ طعامٍ لولدهَا، فانتهزهَا فرصةً وخرجَ منَ الجُحْرِ، وتسلقَ إحدَى أشجارِ البندقِ، وراحَ يتناولُ حبةَ البندقِ، فيكسرُ قشرتهَا، ويأكلُ لبَّهَا، وأكثرَ منَ الأكلِ حتَّى شعرَ بألمٍ في بطنهِ، فرجعَ إلى الجُحْرِ، ورأتهُ أمهُ التي كانتْ تبحثُ عنهُ فقالتْ: «ألمْ أنصحكَ بألا تخرجَ منَ الجُحْرِ؟! فهذَا جزاءُ مَنْ يعصِي كلامَ أبويهِ». ولكنَّ سنجوبًا كان يتلوَّى منَ الألمِ، ويتوسلُ إلى أمهِ أنْ تعالجهُ، ورقَّ قلبُ الأمِ لولدهَا، وطلبتْ منهُ الصبرَ، ثم خرجتْ إلى الغابة، فأحضرتْ بعضَ الأعشابِ، وطلبتْ منَ ابنهَا أنْ يأكلهَا، وبعدَ حينٍ قامَ سنجوب معافًى، وقالتْ لهُ أمهُ: «إياكَ أنْ تخرج منَ البيتِ، وعليكَ أنْ تبقَى فيهِ مستريحًا، فإنِّي أخشى عليك إذا خرجتَ أنْ يعودَ إليكَ المرضُ». وأجابَ سنجوب: «إنَّ القضيةَ بسيطةٌ، ولوْ خرجتُ فإنَّ الأمرَ سيكونُ أفضلَ». وقالتِ الأمُ: «لقدْ حذرتُكَ منَ الخروجِ، ويجبُ أنْ تسمعَ كلامِي، فأنَا أمكَ، والأولادُ يجبُ أنْ يسمعُوا كلامَ والديهم، لأنهمْ أكثرُ خبرةً وتجربةً». ذهبتِ الأمُ لتحضرَ طعامًا، فانسلَّ سنجوب من الجُحْرِ مسرورًا، ومضَى يركضُ ويقفزُ كالمجنونِ، ولم يرَ حفرةً عميقةً كانَ قدْ حفرهَا أحدُ الأشخاصِ باكرًا، فإذَا بهِ يقعُ في الحفرةِ، وأحسَّ بألمٍ شديدٍ، وحاولَ جاهدًا أنْ يخرجَ، فالحفرةُ عميقةٌ، وآلامُ جسمهِ من السقوطِ لا تساعدهُ على التسلقِ، وراحَ يزقزقُ بشدةٍ ويطلبُ المساعدةَ، واجتمعتِ السناجبُ فوقَ الحفرةِ وهمْ لا يستطيعونَ عملَ شيءٍ، وجاءتْ أمُّ سنجوب، فرأتْ ابنهَا في الحفرةِ وهوَ يصيحُ ويحاولُ الخروجَ فلا يستطيع، وقالتِ الأمُ: «كمْ نصحتكَ بألا تخرجَ منَ البيتِ، ولكنكَ لمْ تسمعِ النصيحةَ، فابقَ محبوسًا في هذهِ الحفرةِ إلى أن يأكلكَ الثعلبُ أو البومُ، فهذَا جزاءُ مَنْ لا يسمعُ النصيحةَ».

وراحَ سنجوبُ يرجُو أمهُ أنْ تخرجهُ، ويعاهدهَا على أنهُ لنْ يخالفهَا بعد الآن، وأحضرتِ الأمُ قضيبًا طويلاً وطلبتْ منَ السناجب أنْ يمسكُوا بهَا، وأدلت طرفَ القضيبِ لابنهَا، وطلبتْ منهُ الإمساكَ بهِ بفمهِ ويديهِ، بينمَا أمسكتْ طرفهُ الآخر بيديهَا وفمهَا، وراحتِ السناجبُ والأمُ يشدونَ بعيدًا، وسنجوب يخرجُ منَ الحفرةِ شيئًا فشيئًا حتَّى صارَ خارجهَا.

وقفَ سنجوبُ أمامَ أمهِ خجلاً وقالَ: «أنَا آسفٌ يا أمي، ولنْ أعصِي لكِ أمرًا بعدَ الآن، وقدْ كنتُ مخطئًا قبلَ الآن»، ثمَّ قالَ لأمهِ: «ألا يوجدُ عندكِ بعضُ البندقِ، فأنَا جائعٌ». وقالتِ الأمُ: «أنتَ دومًا أسيرُ بطنكِ وهمُّكَ في الدنيا الطعامُ». وضحكتِ السناجبُ جميعًا.