September2011Banner

 


اليوم الوطني
خارطة طريق إلى المستقبل



أسامة الزيني

واحد وثمانون عامًا مرت منذ أن أعلن المؤسس الملك عبدالعزيز توحيد المملكة ، وواضع حجر الأساس لما تحقق لها من مجد، على يديه وأيدي أبنائه وملوك دولته، بدءًا بعهد الملك سعود، ومرورًا بعهد الملك فيصل، فعهد الملك خالد، فعهد الملك فهد، رحمهم الله جميعًا، ووصولاً إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، حفظه الله، الذي تحققت للمملكة على يديه قفزات كبيرة على جميع الصعد التنموية، فضلاً عن المواقف العربية والإسلامية والعالمية الكبيرة التي استحقت قيادتنا وبلادنا عنها نظرة الاحترام والتقدير الكبيرة التي ينظرها العالم إلينا اليوم، وتستحق عنها مملكتنا عن جدارة تلك المكانة التي أصبحت تتبوؤها بين دول العالم.

واحد وثمانون عامًا مرت على قول المؤسس، طيب الله ثراه: «اعلموا أن العلم بلا عمل كشجرة بلا ثمر، وأن العلم كما يكون عونًا لصاحبه يكون عونًا عليه، فمن عمل به كان عونًا له، ومن لم يعمل به كان عونًا عليه، وليس من يعلم كمن لا يعلم، قليل من العلم يبارك فيه خير من كثير لا يبارك فيه، والبركة في العمل». وقوله: «المدنية الصحيحة هي التقدم والرقي، والتقدم لا يكون إلا بالعلم والعمل».
لقد رسم المؤسس لأجيال بلاده في وقت مبكر إذًا خريطة الطريق إلى المستقبل، مؤكدًا أن العلم المقترن بالعمل هاديهم في دروبها، ومؤكدًا في الوقت ذاته، أن هذا كله لا يستقيم إلا تحت راية دعوة الإصلاح التي تسلمها، طيب الله ثراه، من آبائه، ثم سلمها لأبنائه، لينطلقوا بها على الدرب نفسه الذي اختاره المؤسس لنفسه ولأبنائه ولشعب بلاده يوم قال: «إن الإسلام هو الوسيلة لسعادة الدنيا والآخرة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، فلم يمنع الإسلام الناس من السعي في الأرض، والعمل على كل ما يرفع شأن الدين»، ويوم قال: «إنني والله لا أحب إلا من أحب الله حبًا خالصًا من الشرك والبدع، وأنا والله لا أعمل إلا لأجل ذلك، ولا يهمني أن أكون ملكًا أو فقيرًا، والله ثم والله إني لأفضل أن أكون على رأس جبل آكل من عشب الأرض، وأعبد الله وحده، من أن أكون ملكًا على سائر الدنيا وما فيها».

ما وراء الأفق
وفيما تعاقبت عهود على المملكة، شهدت تشكل ملامحها عامًا بعد عام، وعهدًا تلو عهد، تبدو السنوات الأخيرة منذ تولي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مقاليد الحكم في البلاد، نسيج وحدها، بهذا الزخم التنموي الذي تحقق للوطن ومواطنيه، في جميع الاتجاهات، وبروح وثابة متطلعة ليس إلى تحقيق آمال الوطن وأبنائه فحسب، بل إلى استشراف ما وراء الأفق واستحضاره في خطط التنمية الطموح التي تطرقها حكومة بلادنا، سعيًا إلى إهداء غدٍ مميز عالي الخصوصية والرفاهية إلى أجيال الوطن. فما الذي حدث في تلك السنوات الست؟
شهدت المملكة منذ مبايعة الملك عبدالله بن عبدالعزيز إنجازات تنموية عملاقة، على امتداد مساحاتها الشاسعة، في مختلف القطاعات: الاقتصادية، والتعليمية، والصحية، والاجتماعية، والنقل والمواصلات، والصناعة والكهرباء، والمياه والزراعة، تشكل في مجملها إنجازات جليلة تميزت بالشمولية والتكامل.
ولقد تجاوزت المملكة في مجال التنمية السقف المخطط لإنجاز العديد من الأهداف التنموية التي حددها «إعلان الألفية» للأمم المتحدة عام 2000، ودخلت من ضمن الدول العشرين الكبرى في العالم، حيث شاركت في قمم العشرين التي عقدت في واشنطن ولندن وتورنتو.
وتمكن خادم الحرمين الشريفين بحنكته ومهارته في القيادة من تعزيز دور المملكة في الشأن الإقليمي والعالمي سياسيًا واقتصاديًا وتجاريًا، وشكّلت المملكة عنصر دفع قويًا للصوت الإسلامي والعربي في دوائر الحوار العالمي، على اختلاف منظماته وهيئاته ومؤسساته.
تحقق لشعب المملكة العربية السعودية في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز، خلال ستة أعوام، عدد من الإنجازات المهمة، فعلى الصعيد الاقتصادي أنشئ عدد من المدن الاقتصادية، منها مدينة الملك عبدالله الاقتصادية في رابغ، ومدينة الأمير عبدالعزيز بن مساعد الاقتصادية في حائل، فضلاً عن تأسيس مشروعات صناعية عملاقة ضاعفت حجم الاستثمارات في المدينتين الصناعيتين الجبيل وينبع، فبلغ 676 مليار ريال. كما أثمرت التوجيهات السامية نحو الإصلاح الاقتصادي الشامل حصولَ المملكة على جائزة تقديرية من البنك الدولي، ودخولها ضمن قائمة أفضل عشر دول أجرت إصلاحات اقتصادية. وللحد من أي تلاعب، أو زيادات أو مبالغة في الأسعار، أحدثت خمس مئة وظيفة لوزارة التجارة والصناعة لدعم جهودها الرقابية.
وعلى الصعيد التعليمي تضاعف عدد جامعات المملكة، وافتتحت الكليات والمعاهد التقنية والصحية وكليات تعليم البنات، وافتتحت جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، وجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن.
وسعيًا منه لإيجاد حلول عاجلة لأزمة البطالة دعم خادم الحرمين الشريفين البنك السعودي للتسليف والادخار لتمكينه من تلبية طلبات القروض الاجتماعية، وتمويل المنشآت الصغيرة والناشئة. كما وجه باعتماد ألفي ريال شهريًا للباحث عن العمل. ولتوفير السكن الكريم الملائم للمواطنين، ودعم ميزانية الهيئة العامة للإسكان بخمسة عشر مليار ريال.
ولمساندة الجهاز الأمني بما يعزز قدرته على حفظ الأمن والاستقرار الوطني، صدر أمر خادم الحرمين الشريفين بإحداث ستين ألف وظيفة عسكرية لوزارة الداخلية. واستشعارًا من الدولة لمسؤوليتها في حماية المال العام، ومحاربة الفساد، صدر الأمر بإنشاء «الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد» وارتباطها مباشرة بالمقام السامي.
ودعمًا لجهود الدعوة صدر أمر خادم الحرمين الشريفين بتخصيص 500 مليون ريال لترميم المساجد والجوامع، و200 مليون ريال لدعم جمعيات تحفيظ القرآن الكريم، بالإضافة إلى 300 مليون ريال لدعم مكاتب الدعوة والإرشاد في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد. وكان المشروع الضخم والفريد من نوعه لتطوير الجسر ومنطقة الجمرات الأهم والأبرز في منظومة الأمن والسلامة لحجاج بيت الله الحرام بمشعر منى، بتكلفة نحو أربعة مليارات ريال. ولقد توجت تلك الجهود بفوز خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام 1428هـ/ 2008م.
وعلى الصعيد العربي، أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في موقف تاريخي خلال مؤتمر القمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية «قمة التضامن مع الشعب الفلسطيني في غزة» التي عقدت في الكويت في كانون الثاني يناير 2009، تجاوز مرحلة الخلافات بين العرب، وأسس لبداية مرحلة جديدة في مسيرة العمل العربي المشترك. كما أعلن عن تبرع المملكة العربية السعودية بمليار دولار لإعادة إعمار غزة.
ولخادم الحرمين الشريفين أياد بيضاء ومواقف عربية وإسلامية نبيلة تجاه القضايا وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، إذ استمر على نهج والده الملك عبدالعزيز في دعم القضية سياسيًا وماديًا ومعنويًا، بالسعي الجاد والمتواصل لتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في العودة إلى أرضه وإقامة دولته المستقلة. وقد صدرت في الثامن من شوال 1431هـ موافقته، حفظه الله، على إنشاء مؤسسة تحمل اسم «مؤسسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود العالمية للأعمال الخيرية والإنسانية».
ولما تمر به المنطقة من أزمات وصراعات ضاعفت الدبلوماسية السعودية جهودها على الساحتين الإقليمية والدولية، عبر انتهاج الحوار والتشاور، وتغليب صوت العقل والحكمة في سبيل درء التهديدات والأخطار والحيلولة دون تفاقمها، والعمل على تهدئة الأوضاع، وتجنب الصراعات المدمرة، وحل المشكلات بالوسائل السلمية. وقد اضطلعت المملكة خلال هذه الفترة الحرجة بمسؤوليتها، وأضحى من واجبها، وهي تحرص على إصلاح أحوال العرب والمسلمين وجمع كلمتهم، أن تبادر قبل غيرها إلى صياغة دور فاعل خليجيًا وعربيًا وإسلاميًا، لتتمكن من تفعيل أسس التعاون في سبيل الحفاظ على هوية الأمة العربية والإسلامية، والدفاع عن قضاياها، وصيانة مصالحها، والتصدي لأخطار الفتنة والانقسام والصراع التي تهدد كيانها.

مواقف.. وشهادات
ولطالما ذاع عن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أنه شبيه والده المؤسس الملك عبدالعزيز، لقاء مواقفه القيادية والإنسانية الفريدة، شهد له بذلك كبار الشخصيات العالمية المؤثرة في صناعة القرار الدولي، فهذا الرئيس الأمريكي باراك أوباما يقول: «لقد تأثرت بحكمة خادم الحرمين الشريفين وكرمه، وكلي ثقة بأنه عبر العمل معًا، تستطيع الولايات المتحدة والسعودية تحقيق تقدم في مجموعة كاملة من القضايا ذات الاهتمام المشترك».
وهذه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، تقول موجهة خطابها لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله: «أعرف يا خادم الحرمين أنكم تقومون بدور كبير في توطيد العلاقات وتحسينها بين البلدان كلها، كلمتكم مسموعة في العالم وتؤيدون دائمًا الحوار لحل كل المشاكل والمسائل. وتكرسون جهودكم لحل النزاعات بالطرق السلمية، ولذلك فإننا نود أن نتعاون معكم».
وهذا الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، يقول: «أود أن أشيد بخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لالتزامه بالشجاعة والتبصر في مواجهة التحديات».
وهذا الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري، يقول: «إن كثيرًا من الناس يتحدثون عن تنفيذ الأعمال وأنت تقوم بها يا خادم الحرمين دون حديث». وهذا الرئيس الصيني هو جين تاو، يقول: «يا خادم الحرمين الشريفين: أنتم صديق معروف ومحترم لدى الشعب الصيني، ولكم يد بيضاء لدفع تطور العلاقات بين الصين والسعودية». وهذا الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، يقول: «خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز واصل بجرأة ونجاح التعبئة الوطنية لمواجهة التهديد الإرهابي، ودعا إلى التزام دولي بمكافحته لترسيخ أسس سياسة التجديد والنمو التي اتبعها. فرنسا تتابع باهتمام الزخم الذي يبثه الملك عبدالله في جميع المجالات في السعودية، وتقدر نتائجه الواعدة».
وهذا الرئيس الأمريكي السابق بيل كلنتون يشكر الملك عبدالله في مذكراته، لما قدم له من دعم معنوي بعد أن تعرض فترة في حكمه للاهتزاز. يقول: «طرت إلى شرم الشيخ في مصر لحضور قمة في الشرق الأوسط عن العنف مع الرئيس مبارك والملك عبدالله وكوفي عنان وخافيير سولانا الذي كان آنئذ أمينًا عامًا للاتحاد الأوروبي. وكانوا جميعًا يريدون إنهاء العنف، كما كان يريد ذلك، أيضًا، ولي العهد السعودي الأمير عبدالله الذي لم يكن هناك ولكنه ألقى بثقله في الموضوع».
وتصف وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت في مذكراتها لقائها المؤثر بالملك عبدالله حيث تقول: «إنه كان ذا هيئة تفرض وجودها على نحو مؤثر بثيابه البيضاء». وتقول أولبرايت في حديث عن الملك عبدالله مشيرة إلى ثقله السياسي الكبير في الساحة العربية والدولية. تقول: «قدر لكلماته الطيبة عني لقادة عرب أن تسهل عليَّ طريقي».