September2011Banner

 


تنمية إدراك الطفل
المحاكاة والبيئة المليئة بالمثيرات عنصران مهمان لتنمية الإدراك.



القاهرة: إيمان عزام

تنشئة طفل اجتماعي مؤثر، على قدر متميز من الذكاء.. هذا بالطبع ما تطمح إليه كل أسرة، ولا يتأتى ذلك إلا بتنمية إدراكه منذ مراحله العمرية الأولى، فالطفل ينشأ كالصفحة البيضاء، يبدأ حياته بلا شوائب أو معارف أو انطباعات مسبقة، فيبدأ بتكوين مداركه من خلال احتكاكه بالبيئة المحيطة التي تتمثل في محيط أسرته، ويكون لها الصدى الأكبر في تكوين مداركه، ومن ثم تأتي المدرسة والأقران ليضعا لمستهما على شخصيته.
يقول خبراء التربية: إن سلوك الطفل في المواقف المختلفة يتم بناء على مهارة الإدراك التي تقودها عملية الانتباه إلى المثيرات المختلفة. والإدراك يتضمن العديد من المهارات، كالذاكرة والتعلم وحل المشكلات التي تتشكل لدى الطفل في وقت مبكر. حيث تشير الأبحاث إلى أن 50% من النمو العقلي للطفل يتكون قبل أن يبلغ عامه الرابع، و3% منه تتكون فيما بين العامين الرابع والثامن، لأن النمو العقلي للطفل في هذه المرحلة يسير بمعدلات سريعة.
وبحسب د.زينب حسن، أستاذ أصول التربية، فإن تنمية إدراك الطفل في مرحلة رياض الأطفال تتم من خلال الأشياء العينية المادية، فهو يلعب بالصلصال، ويمارس النشاط الحركي من خلال الرقص والتمرينات الرياضية، كذلك يستمع للحكايات المسلية، ويردد الأناشيد التي تحمل قيمة وهدفًا، فهي مرحلة تتسم بالبساطة في توصيل المعرفة، ومن ثم تتطور أساليب التعليم مع تدرج الطفل في المراحل المختلفة. فالفلسفة، على سبيل المثال، لا ينبغي أن تدرَّس في المرحلة الابتدائية، لأنها تعتمد على عمليات عقلية لا يستطيع الطفل القيام بها. ومن أهم الأسباب التي تؤدي إلى مشكلات في إدراك الطفل، التعارض بين التوجيهات الصادرة من الأسرة والتوجيهات الصادرة من المدرسة. فالطفل يريد الحياة سهلة وبسيطة، لذلك ينبغي أن تكون رياض الأطفال والمدرسة الابتدائية امتدادًا للأسرة. أيضًا من الأسباب التي تؤدي إلى مشكلات في إدراك الطفل، الشدة في تعليمه باستخدام أساليب قائمة على الضرب والتوبيخ. فكل هذه الخبرات السلبية تدخل لاشعوريًّا في وجدان الطفل وإدراكه، وتجعل بناءه النفسي عند الكبر هشًّا لا يصمد أمام مشكلات الحياة.
وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن الجنين يتلقى من الأم انفعالاتها وضحكاتها وأحاديثها، وحينما يولد يتلمس المعرفة من خلال البيئة المحيطة به.. ويبدأ في عمر شهرين في تعرف حقائق بيئته، ويستقي مداركه من خلال الأم، ويتسع الأمر لجميع أفراد الأسرة. لذلك فإن دور التنشئة مهم جدًّا في توجيه الطفل وتنمية مداركه حول حقائق الأمور في بيئة سوية، سواء في الأسرة أو الحضانة أو المدرسة.

محاكاة
أكد د.محمود عبدالحليم منسي، أستاذ علم النفس، أن الطفل منذ الولادة تتكون مداركه الحسية، فيحاكي ما يراه من سلوكيات، وما تحمل في طياتها من خبرات تتراوح بين اللذة والألم، وحينما يتعرض لمثيرات كثيرة بعضها يثير انتباهه، يحس بها وتوضع على القشرة المخية. ويتشكل إدراك الطفل من خلال التعلم الاجتماعي، فالطفل يراقب الأم كيف تتصرف؟ وماذا تفعل عند دخول المطبخ؟ وكيف تستقبل والده؟ وغير ذلك من سلوكيات الحياة اليومية التي تشكل مداركه الأساسية. وهناك ضرورة لتعليم الطفل كيف يسأل، ومتى، وعمَّ. وهذا هو التوجيه النفسي والصحي من أجل تنمية إدراك الطفل ومعرفته بالعالم من حوله. وحتى نثير دافعه للإدراك علينا تشجيعه على الاختيار، وعلى تحمل جزء من مسؤولية ما يقوم به من تصرفات، وما يقع له من أحداث إيجابية أو سلبية، فيتعلم أن الخطأ الذي يرتكبه قد يقع عليه.
ودور الأم والأب كبير في تحفيز إدراك الطفل، لأنهما محور العديد من الأمور في حياته، مع الإنصات الفعال لما يريد التعبير عنه، والاهتمام الإيجابي برسائله غير اللفظية. فإذا عودناه الإدراك السليم المنطقي وتقبل العالم بمشكلاته وقضاياه، نكون قد توصلنا إلى تنمية مداركه بأفضل طريقة ممكنة.

مثيرات حسية
أما د.صفية كاظم، أستاذ علم النفس الاجتماعي، فترى أن تنمية الإدراك تتوقف على كون البيئة فقيرة أو غنية بالمثيرات الحسية. فهناك كثير من الأسر ترى أن بعض المعلومات ليس لها أهمية ولا تفيد الطفل، وتركز كل اهتمامه في المذاكرة فقط، وهذا خطأ. فمن المهم أن تتحدث الأم مع طفلها عن مواقف الحياة اليومية، وتكلفه بمهام يومية، وتشركه في قرارات الأسرة، وتأخذ رأيه عند شراء ملابسه، مع مراعاة عدم زعزعة أمنه بالحديث عن الأزمات التي تمر بها الأسرة، كالضائقات المالية مثلاً.
وتشير إلى أن هناك علامات لاضطراب الانتباه لدى الطفل، فبلوغه الثالثة من عمره دون النطق ينذر باضطراب لغوي، كذلك المشي، إذا تأخر عن عام ونصف يجب الذهاب إلى الطبيب، لأن المشي من علامات النمو العقلي الأساسية.
وتحذّر أستاذة علم النفس من جلوس الطفل أمام التلفاز لفترة طويلة، مبررة ذلك بأنه يؤدي إلى الإصابة بمرض الزهايمر، كذلك على الأم ألا تنشغل عن أطفالها، وعليها أن تجري حوارًا معهم لتجنب الاضطرابات اللغوية.