معروضات المتحف تنتمي إلى ثلاثة قرون
فنان يحفظ متحف الخزف الإسلامي
315 قطعة فنية بالعرض المتحفي تعبر عن أصالة الفن الإسلامي.
يعد متحف الخزف الإسلامي من المتاحف البديعة التي تم إنشاؤها خلال النصف الأول من القرن العشرين، والذي دعت إليه الحاجة ليكون بمنزلة مجمع فني وأثري لمجموعة من أجمل المعروضات الفنية التي تعود للعصور الإسلامية الزاهرة، التي أبدعتها يد الفنان المسلم على مر العصور، وتتوزع حسب العصور التاريخية والمواد والبلاد التي تنتمي إليها.
على ضفاف نهر النيل وفي حي الزمالك القاهري يقف قصر الأمير عمرو إبراهيم شامخًا بقبته الكبيرة التي تشبه قباب المساجد، وبالشرفات والنوافذ والأعمدة الرخامية العالية، وزخارف الواجهات ذات الطراز المعماري المملوكي.. وما يلفت الانتباه أن هذا القصر هو الوحيد في هذا الحي الذي يتميز بطرازه الإسلامي بين القصور العديدة ذات الطرز الأوروبية.. وقد شيده الأمير عمرو إبراهيم أحد أحفاد الخديوي إسماعيل عام 1923، والذي عرف عنه حبه الشديد للفنون الإسلامية، ولهذا حرص على أن يحمل قصره هذا الطراز المعماري.
وتحول القصر عام 1971 إلى متحف لمقتنيات الفنان محمد محمود خليل، واستمرت المعروضات هناك بصفة مؤقتة إلى أن عادت للعرض في مقرها الأصلي بقصره على ضفاف نيل الجيزة عام 1995.
ولأن القصر مبني على الطراز الإسلامي فقد تم اختياره في ذلك الوقت ليكون أول متحف نوعي للخزف الإسلامي في الشرق الأوسط، واستقرت به مجموعة من روائع الخزف في بيئة معمارية فريدة.
طابع إسلامي
القصر تم بناؤه ليجمع في تزاوج رائع بين عدة طرز معمارية تستوحي عناصره من الطراز المغربي والتركي والأندلسي، مع تأثره بالطراز الكلاسيكي الأوروبي، وهي مدرسة ظهرت في أوائل القرن العشرين، وازدهرت في قصور أسرة محمد علي خلال فترة حكمهم.
يتكون القصر من طابقين وطابق تحت الأرض يحيط به سور حديدي ينتهي بحليات على شكل أهِلَّة مثل تلك التي تعلو قمم المآذن. وأمام أحد أبواب القصر الحديدية يقع مدخل القصر الرئيس بالواجهة الغربية، وهو مدخل يبرز عن القصر ويتم الصعود إليه بدرجات رخامية تؤدي إلى بائكة ثلاثية ذات عقود مدببة محمولة على أربعة أعمدة رخامية، يظهر من خلفها باب القصر الرئيس وقد غطته زخارف نباتية من النحاس، وكتابة قرآنية نصها }ويتم نعمته عليك ويهديك صراطًا مستقيمًا{، بينما يعلو الباب عتب عليه آية }إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر{.
أما باقي واجهات القصر فتحتوي على نوافذ مزدوجة ذات عقود ثلاثية تسمى في العمارة الإسلامية المملوكية قندليات، تعلوها دائرة تسمى قمرية، وفوق هذه النوافذ نص كتابي وصفوف من المقرنصات، بينما تتوج قمة الواجهات شرفات من أوراق نباتيه خماسية ذات طابع إسلامي.
وعند ولوج القصر فإن أكثر ما يلفت الانتباه هو ذلك البهو الكبير الذي يرتفع بمستوى طابقي القصر، وتفتح عليه بقية الملحقات والحجرات، وتتوسطه نافورة رخامية من الرخام الأبيض والأسود والبيج. على جانبيه ثمانية أعمدة رخامية.. وتتصدر البهو مدفأة مغطاة ببلاطات القيشاني التركي طراز «كوتاهيه» مكتوب عليها اسم الصانع محمد فؤاد لطيف، وتتميز بأنها على شكل القلم الرصاص وهو طراز شهير للمآذن العثمانية. وفي خلفيتها بلاطات مستطيلة ومربعة باللون الأزرق السماوي والكحلي، تتخللها زخارف نباتية ذات لون طوبي هادئ وزهريات تخرج منها أوراق نباتية، وأخرى مكتوب عليها لفظ الجلالة ومحمد، صلى الله عليه وسلم، تعلوها عبارة «لا غالب إلا الله»، وهذه العبارة هي شعار دولة بني الأحمر بغرناطة في الأندلس.
تشكيلات جمالية
وتكتمل سيمفونية التشكيلات الجمالية للعمارة الداخلية للقصر بتقسيمات الرخام البديعة في الأرضية، وبتصميمات القيشاني الملون الذي يكسو أجزاء من الحوائط، وهي البلاطات التي تم صنعها على غرار الجامع الأزرق باسطنبول، وبتلك الأسقف والحوائط الموشاة بالزخارف والمقرنصات الجصية التي تتضافر فيها العناصر الزخرفية والنباتية والهندسية والكتابات، في تشكيلات متداخلة بديعة تختلف من قاعة لأخرى وإن بدت متشابهة في أعين الزائر العادي. ويعرض البهو ثماني فتارين صغيرة تحتوي على قطع أثرية تنتمي إلى العصور التركية والإيرانية والمملوكية، وهى عبارة عن زهريات وأباريق يغلب عليها جميعًا الزخارف النباتية.. ومن القطع المميزة قطعة أثرية إيرانية عبارة عن إبريق ينتهي برأس حيواني، بالإضافة إلى سلطانية تنتمي إلى العصر المملوكي عليها نص كتابي وحدثت بها بعض الترميمات.
نافورة ساخنة
ويفتح على البهو مجموعة من القاعات أهمها قاعة العصر الفاطمي، وتقع على الجانب الأيمن من باب المتحف، وتأخذ شكلاً هندسيًا عبارة عن مستطيل مدخلها على شكل صينية نصف دائرية. وجدران هذه القاعة حتى المنتصف مزخرفة ببلاطات القيشاني قوامها شكل هندسي يحيط به رسم زهور صغيرة، ويحدد البلاطات من أعلى صف من الوزرات ذات لون أزرق عليها زخارف نباتية باللون الأبيض والأزرق الفاتح.
وبدءًا من منتصف الجدران حتى سقف القاعة فهو من الجص يأخذ شكل زخارف نباتية متداخلة «أرابيسك»، ويتخلل سقفها زخرفة الطبق النجمي وهي زخرفة إسلامية مشهورة بداخلها اسم الأمير، وينتهي الحائط من أعلى بشريط كتابي عبارة عن آية قرآنية.. وفي أحد الأركان تطالعنا ثلاثة أعمدة من المرمر بأربعة عقود محلاة بزخارف نباتية، وبين العقود مجموعة من المشكوات الزجاجية بينما تتدلى ثريا كبيرة من المعدن المطلي بالذهب والزجاج الملون وكأنك داخل أحد المساجد المملوكية.
ولأن هذه الحجرة كانت مخصصة للطعام نرى في وسطها منضدة كبيرة بلون البيج والروز، مصنوعة من أجود أنواع المرمر ومثبتة في الأرضية بوساطة 11 ركيزة من الرخام، يتوسطها مجرى للمياه الساخنة كي يظل الطعام ساخنًا طوال الوقت!.. وأمام المنضدة توجد منصتان بركائز على شكل أعمدة بعقود من الرخام الأسود كانتا تستخدمان لوضع الأكواب والأطباق.
سحر الأواني
يضم متحف الخزف الإسلامي في القاهرة بعض أندر المقتنيات، مختلفة الأحجام والأشكال والزخارف، ويظهر واضحًا في هذه المقتنيات البريق المعدني الذي اشتهر به العصر الفاطمي في القرن العاشر والحادي عشر.
وقد لجأ الفنان في ذاك العصر إلى استخدام أكاسيد النحاس في الزخرفة الخزفية لإضفاء البريق واللمعان على قطعه الفنية. وكان من نتاج ذلك هذه التحف النادرة التي احتفظت ببريقها على مدار عدة قرون، والتي لا يوجد مثلها في العالم كله.
ويضم المتحف 315 قطعة فنية من أندر التحف الخزفية في الشرق الأوسط تنتمي جميعها إلى العصر الفاطمي، عدا قطعة واحدة تعود للعصر العباسي بالقرن التاسع الميلادي. وهذه القطع متنوعة ما بين مسارج وأختام وقدور وشبابيك القلل التي تمتاز بدقة زخارفها وروعتها، وأطباق وصحون من أشهرها تحفة «العواد» وتصور بالنقوش ذات البريق الذهبي رجلاً يعزف على آلة العود.
نقلة تركية
وعلى الجانب الأيسر من باب المتحف تقع قاعة العصر التركي، وتأخذ، أيضًا، شكلاً هندسيًا عبارة عن مستطيل مثل القاعة الفاطمية.. وبمجرد الدخول إليها نرى في المواجهة شباكين من خشب الأرابيسك أحدهما كبير والآخر صغير، ويمثلان تحفتين رائعتين يصنعان مع باب القاعة المصنوع من الخشب المزخرف، والمدفأة التي تشبه إلى حد كبير مدفأة البهو، لوحة نادرة تعرض أشكالاً هندسية مختلفة تتخللها زخارف نباتية دقيقة.. وهذه كانت سمة من سمات العصر التركي في فن الخزف وهي استخدام العناصر النباتية ذات الألوان البراقة مع الأشكال الهندسية في تنسيق فني متداخل ومتشابك يشمل كل المساحات المراد زخرفتها.
وتحتوي القاعة على 12 فاترينة مختلفة الأحجام تتوسطها فاترينة واحدة كبيرة، وتعرض هذه الفتارين 96 قطعة فنية أثرية تنتمي إلى العصر التركي في القرون السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر الميلادية.. وهذه المقتنيات متنوعة في أشكالها ما بين أطباق وصحون وسلاطين وأباريق وأكواب وقدور وفناجين وبلاطات خزفية، وتمثل هذه المقتنيات نقلة كبيرة في الزخارف النباتية بأشكالها المتعددة والزخارف الحيوانية التي اشتهر بها الفن التركي.
طرز مصرية
أما قاعة الطرز المصرية فقد خصصت لعرض المقتنيات التي أنتجت في مصر على اختلاف الدول الإسلامية التي حكمتها على مر العصور مثل: الأموي الأيوبي.. المملوكي.. العثماني.. وتفتح على قاعة العصر التركي المجاورة لها بوساطة عقد كبير على هيئة حدوة الفرس يعلوه شريط من الآيات القرآنية. وتوجد بهذه القاعة6 فتارين مختلفة الأحجام لعرض 39 قطعة أثرية، وهي متنوعة ما بين شمعدانات وأطباق وسلاطين وبلاطات ومشكوات وشبابيك قلل. وتضم هذه القاعة أقدم قطعتين خزفيتين بالمتحف وهما مسرجتان صغيرتان تعودان للقرن الثامن الميلادي في أثناء الحكم الأموي للبلاد.. وزخارف هذه القطع الأثرية تمتاز ببساطتها، كما تتميز القطع التي تنتمي إلى عصر المماليك بالزخارف الكتابية. ولعل التحف التي صنعت في العصر الأيوبي هي أجمل القطع المعروضة بهذه القاعة، والتي اعتمدت على نوع جديد من الزخارف اقتصر على اللونين الأبيض والأسود يرمز بهما الفنان إلى الواقع والخيال. فمن خلال التجسيد المادي لهذين اللونين واستخدامهما كنظام بنائي لإخفاء العناصر الواقعية وإطلاق العنان للخيال، يتحقق الإبداع الفني الذي نراه ونلمسه في هذه التحف الخزفية النادرة.