September2011Banner

 


رحلة إلى
عالم الألبان



بقلم: محمد سعيد المولوي
رسومات: نور الرشدان

حين اجتمعَ الطلابُ صباحًا في ساحةِ المدرسةِ، وقفَ المديرُ وقالَ: «تنفيذًا لبلاغِ الوزارةِ بضرورةِ تعرُّفِ الطلابِ على المظاهر الاجتماعيةِ والاقتصاديةِ في الوطنِ, فقدْ قررتْ إدارةُ المدرسةِ زيارةَ معملِ الألبانِ والأجبانِ, والتعرَّفَ على طبيعةِ عملهِ، وسيكونُ منطلقُنَا منَ المدرسةِ غدًا صباحًا, فلا تحضرُوا كتبكمْ غدًا، وقدْ اتصلنَا بمديرِ المعملِ, وحددنَا موعدًا لذلكَ».
وفي صباحِ اليومِ التالِي حضرتِ الحافلاتُ وامتطاهَا مديرُ المدرسةِ والطلابُ متجهةً إلى المعملِ، وحينَ وصلتِ الحافلاتُ إلى المعملِ اصطفَّ الطلابُ صفوفًا نظاميةً، وخرجَ مديرُ المعملِ، فرحَّبَ بهمْ وقادهمْ إلى داخلِ المعملِ، وكانَ أوَّلُ ما صادفهمْ أربعةُ صهاريجَ كبيرة، وقالَ المديرُ: «هذهِ الصهاريجُ نجمعُ فيهَا الحليبَ الذي يوردُه مربُو الأنعامِ إلى المعملِ، وواحدٌ منهَا لحليبِ البقرِ، وآخرُ لحليبِ الغنمِ، والثالثُ لحليبِ الماعزِ، والرابعُ لحليبِ الجاموسِ».
وأضافَ: «إنَّ حليبَ البقرِ يشكلُ الكميةَ العظمَى منَ الحليبِ الذي يصلنَا، لكثرةِ البقرِ في المزارع. أمَّا حليبُ الجاموسِ، فإنهُ قليلٌ، لندرةِ الجاموسِ، وتكونُ كمياتُ حليبِ الغنمِ جيدةً في الخريفِ والربيعِ حينمَا تتوالدُ الأغنامُ. أمَّا في الصيفِ، فيكادُ يكونُ معدومًا، ويكونُ حليبُ الماعزِ وفيرًا أو قليلاً حسبَ كميةِ الماعزِ المرباةِ، والماعزُ، عادةً، يعطِي حليبًا أكثرَ منَ الغنمِ».
وسألَ سليمُ: «مَا الفرقُ بينَ هذهِ الأنواعِ منَ الحليبِ؟»، وأجابَ مديرُ المعملِ: «إنَّ أفضلَ أنواعِ الحليبِ حليبُ الغنمِ، فهوَ أطيبُها طعمًا وأكثرُها دسمًا، لذَا كانَ أغلَى أنواعِ الحليبِ، ثمَّ يليهِ حليبُ الجاموسِ، وهو قليلٌ لقلةِ أعدادِ الجاموسِ. أما حليبُ الماعزِ، فهو خفيفٌ، فغالبًا ما يُصنعُ بعدَ خلطِ حليبهِ بحليبِ الغنمِ، لأن حليبَ الغنمِ ثقيلٌ وحليبُ الماعزِ خفيفٌ، ويحتلُ حليبُ البقرِ الصدارةَ منْ حيثُ الكميةِ وكثرةِ الجبنِ، لأنَ متوسطَ ما يُحلبُ من البقرةِ يأتي بينَ 18 لترًا و33 لترًا في اليومِ حسبَ نوعِ البقرةِ. وسأشرحُ لكمْ أولاً كيفيةَ صنعِ اللبنِ، فإنهُ بعدَ إحضارِ الحليبِ منَ المزارع نعمدُ إلى تعقيمهِ، وذلكَ برفعِ درجةِ حرارتهِ حتى الغليان، وذلكَ لقتلِ الجراثيم فيه، إنْ وجدت، لأنَّ الحليبَ يتلوثُ، أحيانًا، بجراثيم الحمَّى المالطية، وهي حمَّى خطيرةٌ، فإذا عُقم وانخفضتْ درجةُ حرارتهِ حتى 37 درجة مئوية، أضيفت إليه كميةٌ مقدرةٌ منَ اللبنِ الرائبِ تسمَّى، عادةً، «الروبة»، وتحرك الروبةُ حتَّى تمتزج بالحليبِ، ويتم ذلكَ آليًا دونَ أن تمسهُ الأيدِي، ثمَّ تقومُ الآلاتُ بصبِّ الخليطِ في علبٍّ منَ البلاستيك، ويعرض لتيارٍ هوائيٍّ ساخنٍ، فتعملُ الروبةُ عملهَا، ويتحولُ الحليبُ إلى لبنٍ، ونحنُ، عادةً، نصنعُ اللبنَ منْ حليبِ البقرِ لوفرتهِ وكثرتهِ. وأحبُّ أنْ تعلموا أننا نستخرجُ الزبدةَ منَ الحليبِ، وذلكَ بخضِّ الحليبِ. كمَا نستخرجُ القشدةَ منَ الحليبِ، وهي الدسمُ الذي يطفُو على وجهِ الحليبِ إذَا غلا، كمَا نستخرجُ السمنَ البلديَّ أو ما يسمَّى «السمن الحيواني» منَ الحليبِ بطرقٍ صناعيةٍ خاصةٍ. أما صناعةُ الجبنِّ، فهي مشابهةٌ لصناعةِ اللبنِ، ولكنْ بدلاً من إضافة الروبة، فإننا نضيفُ مادةَ المنفحةِ، وتستخرجُ، عادةً، منْ معدةِ الخروفِ الصغيرِ، واليوم، ومع كثرةِ الحاجةِ إلى الجبنِ يجري تصنيعُ مادةِ المنفحةِ في المخابر، فإذا أضيفت المنفحةُ حُرِّك الحليبُ، فإذا هو يأخذ في التجبنِ، ويعرضُ المزيجُ على مصفاةٍ كبيرةٍ، فيسيلُ سائلٌ أصفر إلى وعاءٍ موضوعٍ أسفلَ المصفاةِ، ويبقَى الجبنُ، فيعرضُ لمكبسٍ آليٍّ حتى تتماسك ذراته، ثم يقطعُ بسكاكين آلية إلى قوالب. أما السائلُ الأصفرُ، فإنه يغلى على النار، ويضافُ إليهِ بعضُ الحمضِ القليلِ، فيتخثرُ، ويسمَّى القريشةُ أو الجبنُ القريشُ، وتؤكلُ القريشةُ بإضافةِ الملحِ أو السكرِ، وقدْ يستعملُها صانعُو الحلوياتِ بخلطهَا معَ القشدةِ».
وسألَ سليم: «إننَا نسمعُ أسماءَ أنواعٍ منَ الجبنِ كالقشقوانِ، والحلومِ، والشللِ المضفورةِ، فمَا هذهِ الأنواعُ؟». فأجابَ مديرُ المعملِ: «إنَّ أنواعَ الجبنِ كلهَا تُصنعُ بطريقةٍ واحدةٍ كمَا ذكرتُ لكم، ولكنهَا تختلفُ حسبَ نوعِ الحليبِ، وما يضافُ إليهِ منْ إضافاتٍ، فجبنُ القشقوان يُصنع، غالبًا، منْ حليبِ الغنمِ، ويصبُّ في قوالب مدورةٍ، ويُغطَّى بطبقةٍ عازلةٍ، ويُوضع في مكانٍ باردٍ زمنًا حتى يتخمَّر. أما جبنُ الحلومِ، فيُصنع، غالبًا، منْ حليبِ الغنمِ والماعزِ، حيثُ يُجعلُ في ماءٍ ساخنٍ، فيصبحُ لينًا لوجودِ حليبِ الماعزِ فيهِ، ثمَّ يُسحبُ منَ الماءِ فيُجعل قطعًا مستطيلة، وكذلك جبنُ الشللِ المضفرةِ، حيثُ يُسحبُ منَ الماءِ كخيطانِ الصوفِ، ثمَّ يضفرُ كضفائرَ الصوفِ، والذينَ يحبونَ الأصالةَ في الجبنِ الحلومِ والشللِ، فإنهمْ لا يصنعونهُ، إلا منْ حليبِ الماعزِ الصافي. وفي العصرِالحاضرِ وفدتْ علينَا أنواعٌ منَ الجبنِ منَ الغربِ لمْ نكنْ نعرفُهَا، منهَا الأبيضُ، والأصفرُ، والمقطعُ المغلفُ بالقصديرِ، أو الورقِ المشمعِ، أو الموضوعِ في العلبِ أو قواريرَ الزجاجِ، وقدْ سمعنَا أنْ في فرنسَا أكثرَ منْ مئةِ نوعٍ منَ الجبنِ، لكنْ برأيي أنَّ جبننَا الأبيضَ هوَ أطيبُ الأنواعِ علَى الإطلاقِ».
شكرَ مديرُ المدرسةِ والطلابُ مديرَ المعملِ، واتجهوا نحوَ الحافلاتِ، وهمْ يبدونَ إعجابهمْ بمَا رأوا وسمعُوا، ويحمدونَ الخالقَ الذي خلقَ للإنسانِ مَا ينفعهُ ويغذيهِ، وبأيسرِ السبلِ. .