بهلاء عُمان..
القلعة العصية

قلعة بهلاء مجد هندسي صامد، يدرك زائرها من الوهلة الأولى لماذا أدرجت ضمن قائمة التراث العالمي، حيث اعتمدتها منظمة اليونسكو محمية ثقافية منذ عام 1987.

نانسي أبو حوسة

تُعد من أقدم القلاع العُمانية التي بُنيت قبل الألف الثالث قبل الميلاد، ثم أعيد بناؤها مرات عديدة في عصور ما قبل الإسلام، وحتى عهود قريبة. تضم المحمية واحة، وأسواقًا تقليدية، وحارات قديمة، ومساجد أثرية وسط سور يبلغ طوله 13 كلم تقريبًا. تجثم القلعة فوق أعلى موقع في ولاية بهلاء الداخلية ما يجعله أروع بناء تحصيني في المنطقة على الإطلاق.
ذكرها ياقوت الحموي في الجزء الأول من كتابه الشهير معجم البلدان، وبُهلاء بضم الباء بالمعنى اللغوي هي كلمة مشتقة من البُهل ومعناه المكان الجامع للخير. وفي رواية أخرى البُهل من الابتهال وهو التضرع إلى الله تعالى كونها تبتهل إلى الله شكرًا لما وهبها من أوصاف حسنة. بهلاء لا تستمد أهميتها من كونها أقدم القلاع الأثرية في العالم، إنما تعد أكبرها مساحة بأبراجها الخمسة، كما أنها قد خضعت على مر العصور لعمليات توسعة وتعديل ارتبط معظمها بالحضارات القديمة في بلاد ما بين النهرين وبلاد فارس. صُمم سورها حصنًا ليقوم بدور الحامي بشرفاته الكاشفة، وفتحات لإطلاق النار، وبيوت الحراس. ولم يفز باحتلالها أي جيش، ولم تنجح أي محاولات تسلل، ولم تهدم جدرانها إلا للتوسعة والتدعيم، أو الترميم الحديث.
ترقد قلعة بهلاء على تلة مرتفعة بين الوديان التي تفصلها عن السلاسل الجبلية المجاورة بالقرب من واحات النخيل، ما زادها شموخًا وعلوًا. وكان موقعها الاستراتيجي يشكل حماية بديهية لجميع الطرق المؤدية إلى شرق البلاد منذ المحاولات الأولى للهجرة أو الاستعمار. وهذا أكسبها بجدارة لقب أفضل التحصينات في الشرق وأكثرها حفظًا.

بيت الجبل.. وبيت الحديث
بداية البناء كانت في الجزء الشمالي الشرقي من القلعة والمعروف باسم القصبة، وكان عبارة عن منارة مرتفعة لكشف الجوار، يليه تعديل آخر في عصر الدولة النبهانية التي حكمت عُمان زهاء خمسة قرون، حيث قاموا في إبان حكمهم ببناء الجزء الجنوبي الشرقي للقلعة لتصبح أداة سيطرتهم على المصادر الطبيعية المجاورة والمعبر الواصل بين الشمال والشرق. ولا تزال تحتفظ القصبة بشكلها المنفرد عن باقي الأجزاء. وهي مزودة بثلاثة أبراج موزعة على زوايا القلعة، وفيها باب شرقي تم إغلاقه فيما بعد. الجزء التالي للقلعة وهو ما قبل الأخير يدعى بيت الجبل ويتمركز على زاوية القلعة الشمالية ما أكسبها شكل الحصن، وتم بناؤه في العقد الأخير من القرن الثامن عشر الميلادي. وبعد قرن كامل تم بناء الجزء الأخير، ويسمى بيت الحديث، والذي تم بناؤه في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي.
يقع مدخل القلعة، حاليًا، بين الجزأين الثاني والثالث أي بين بيت الجبل وبيت الحديث. وهو مزود بفتحات علوية مخصصة لصب السوائل المغلية كالماء والزيت لحماية القلعة من الهجمات العسكرية. وتوجد مصاطب أشبه بمدخل الثكنة كانت مخصصة لتناوب فترات الحراسة. كما كشفت أعمال الترميم والتنقيب المستمرة العديد من الغرف المدفونة تحت الأرض، أو ما تسمى بالملجأ، وبه العديد من الغرف والمنشآت الخدمية.

القلعة بعيون هندسية
بما أن القلعة بنيت بهدف الحماية من الهجمات غير المتوقعة أساسًا، جاءت فكرة تصميمها متلائمة مع حدود المطل المرتفع الذي تقع عليه، ليماثل شكلها المثلث المتساوي الأضلاع تقريبًا، إذ تبلغ واجهتها الشرقية حوالي 114م، بينما تبلغ واجهتها الجنوبية حوالي 112.5م. في حين تبلغ واجهتها المقوسة الثالثة حوالي 135م. وتوجد بالسور عدة أبراج وأبواب تم إدراجها لاحقًا مثل باب بادي، وباب السيلى، وباب البطحاء، وباب الخرمزان.
تم بناء القلعة من الطين ما عدا بعض الأجزاء البسيطة التي استخدم فيها الصاروج. والصاروج من الصناعات العُمانية التقليدية التي كانت تستخدم في عملية ترميم القلاع والحصون. وهو عبارة عن طين محروق عند درجة حرارة معينة في أماكن خاصة تسمى المهبة.

الإرث التاريخي
إن ولاية بُهلاء من أهم الأماكن الأثرية في سلطنة عمان، فهي ذات طبيعة خصبة ساحرة، وتضم الكثير من القلاع والحصون التي تتجلى فيها فنون العمارة الإسلامية. يحيط القلعة سوق بهلاء القديم والعديد من المساجد، جميعها تحتفظ بطابعها التراثي الشعبي والقديم. بدءًا بالصناعات والحرف التي لا تزال حيّة وجميع طقوس عمليات البيع والشراء ووصولاً الى المساجد الواسعة والمميزة بالإبداع الهندسي في تصميمها. حيث تشكل القبب والمآذن الطويلة الأشبه بالمنارات الشاهقة مثالاً حيًا على الربط بين الأصالة والمعاصرة.