كان هواش ولدًا في الثانيةَ عشرةَ من عمرِه، كثيرَ الحركةِ سريعَ الانتقالِ من مكانٍ إلى آخر، يهوى الإساءةَ إلى الآخرين وإيذاءَهم، سواء أكانوا من الحيواناتِ أمْ من البشر، وكان قد صنع نبلةً من المطاطِ في نهايتِها قطعةٌ من الجلدِ حيث كان يضعُ فيها حصاةً صغيرةً ثم يشدُّ المطاط ويفلته فتنطلقُ الحصاةُ لتسببَ لمن تصيبُه ألمًا شديدًا.
وكان من فنونِ إيذائه أنه ما مرَّ بهرةٍ أو كلبٍ إلا ورماه بحجرٍ، فينطلقُ الكلبُ يعوي والهرةُ تموء حتى بلغَ الأمرُ أنَّ الكلابَ أو الهررَ كانت إذا رأت هواشًا فرّتْ مسرعةً خشيةَ أنْ يرميها بحجر. وقد بلغ من أذى هواش أنه كان إذا أبصر رجلاً راكبًا على حمارٍ أو فرسٍ رمى الحيوانَ بحصاةٍ كبيرةٍ، فيمضي الحيوانُ راكضًا وهو يرفسُ من ألمِه وقد يرمي صاحبَه إلى الأرضِ بينما يقفُ هواش ضاحكًا.
وبلغ من أذى هواش، أيضًا، أنه إذا مرَّ بشجرةٍ وقد حملت ثمرًا رمى أفضلَ أغصانِها بحجرٍ فينكسرُ الغصنُ وتتساقطُ الثمارُ على الأرضِ فيتركُها ويمضي. ولقد أولع بحبابات الكهرباء فكان يرميها ويكسرها حتى ترك الحي مظلمًا، وقد بالغ في الإساءةِ إلى الناس، فكان لا يمرُّ على وعاءٍ زجاجي ملأه أصحابُه بالمربى ووضعوه على طرفِ الشرفةِ أو النافذةِ لينضجَ بأشعةِ الشمسِ إلا رماه بحجرٍ فكسره وتساقط ما فيه إلى الأرض، وكان إذا مرَّ بدراجةٍ أو سيارةٍ وليس حولها صاحبُها عمد إلى صماماتِ عجلاتِها ففكها وخرج الهواء منها ووقف يرقبُ تصرفَ صاحبِها من بعيدٍ وهو يضحك.
وقد شكا كثيرٌ من الناسِ هواشًا إلى أبيه، فنصحه بالإقلاعِ عما يصنع، ولكنَّ النصحَ لم يجدِ شيئًا حتى ملَّ الأبُ وملَّ الجيرانُ وأهلُ الحي. وذات يومٍ خرج هواش إلى الحديقة وقد وضع نبلتَه في جيبِه ورأى على أغصا
نِ شجرةٍ كبيرةٍ ما يشبه عنقودَ العنب، فاقترب منه فلمْ يستطعْ أنْ يعرفَ ما هو، فأخرج نبلتَه وألقمها حجرًا ثمَّ قذف به تلك الكتلة فجاء الحجرُ في منتصفِها.
لم تكنْ تلك الكتلة إلا مجموعة من النحلِ الجديد وقد انفصلت عن خليتِها القديمة، والنحلُ الجديد من أشرسِ النحلِ وأشدِّه لذعًا، وكان أن هبطت تلك النحلات غاضبةً فلبست هواشًا من رأسِه إلى قدمِه، وظلت تلسعه وهو يحاولُ الدفاعَ عن نفسِه، لكنَّ يديه اللتين كان يحاولُ طردَ النحلِ بهما كانتا مملوءتين بالنحل، وكان بعملِه هذا يساعدُ النحلَ على الوصولِ إلى وجهِه، وهكذا حتى خرَّ هواش على الأرضِ فاقدَ الوعي ونقل إلى المستشفى حيث بقي أسبوعين تحت العلاجِ وهو في حالةٍ حرجة.
حين تماثل هواش للشفاءِ جلس أبوه على طرفِ سريرِه وقال له: أرأيتَ يا بُني جزاءَ الأعمالِ السيئةِ فأنتَ قد تماديتَ في إيذاءِ الناسِ وقد نصحتُكَ أكثرَ من مرةٍ فلمْ تستجبْ للنصح، وراحت دموعُ هواش تسيلُ على خديه وهو ينشجُ بالبكاء، وانحنى على يدي والدِه يقبلهما ويقول: الحق عليَّ يا أبي، وأنا قد أخطأتُ كثيرًا، وأسألُ اللهَ أنْ يغفرَ لي، وأعاهدُ اللهَ على أني قد تبتُ ولنْ أعودَ إلى إيذاءِ أحد، وانحنى الأبُ على رأسِ ولدِه يقبّله ويقولُ: غفرَ اللهُ لك يا بُني وإياك أنْ تحنثَ بعهدِك.