قد يستغرب بعضنا من أن كميات الغاز التي يمكن استخراجها من مكبات النفايات ومن روث الحيوانات في دول الخليج تكفي لإنارة مدينة كاملة متوسطة الحجم! هل هذا مهم؟ نعم، لأن كل الدول الخليجية، ما عدا قطر، تعاني نقصًا كبيرًا في الغاز، ولأن أغلب المدن الخليجية تعاني عجزًا في الكهرباء في شهور الصيف، ولأن هذه التقنية غير مستخدمة في دول الخليج. والأهم من ذلك كله أن استخراج الغاز من مكبات النفايات هو منتج مصاحب، وإيراداته تعد إضافية، لأن جمع النفايات، وتدويرها، وتخزينها في مكبات النفايات من أكثر الاستثمارات نجاحًا في العالم خلال الـ100 سنة الماضية. وقد تطور الأمر الآن إلى أن تصدير «النفايات» إلى دول أخرى أصبح تجارة تقدر بعشرات المليارات من الدولارات سنويًا.
إن كمية النفايات لكل فرد في دول الخليج هي من الأعلى في العالم، وإن التركيبة السكانية الحالية تعني زيادة هائلة في كميات النفايات خلال العقود القادمة؟ كما أن تكاليف التخلص من النفايات لكل فرد أعلى من تكاليف طعام ذلك الفرد في عدد من دول العالم، ونظرًا لزيادة عدد السكان وزيادة متوسط حياة الأفراد في الدول النامية، فإنه يتوقع أن تزيد كميات النفايات بأكثر من ثلاثة أضعاف خلال العقود الثلاثة القادمة، وسيكون أكثر الزيادة في دول الخليج بسبب نمط الحياة فيها.
إن نظرة فاحصة إلى حجم سوق النفايات في دول الخليج العربي تظهر أنها تتجاوز 100 مليار دولار، وهذا لا يتضمن سوق النفايات الإلكترونية التي ستصبح مشكلة كبيرة في الدول الخليجية في السنوات القادمة. ومن الصعب تقدير الأموال اللازمة لبناء البنية التحتية اللازمة للتعامل مع النفايات، وبالشكل الصحيح، وذلك بسبب سيطرة القطاع الحكومي على كثير من هذه المشاريع، إلا أنها تتجاوز مئات المليارات من الريالات خلال العقود الثلاثة القادمة.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية تبين أن جمع القمامة وتخزينها في مكبات خاصة مربحة بشكل كبير لدرجة أن المافيا سيطرت عليها لسنوات طويلة. وبعد تخليص هذه الصناعة من المافيا، حافظت هذه الشركات على أرباحها واستمرت في نموها، وأوجدت طرقًا أخرى لزيادة أرباحها بسبب عمليات تدوير النفايات وبيع مخلفات البلاستيك والحديد والألومنيوم والورق للمصانع التي تعيد استخدامها «وتصديرها لدول أخرى مثل الصين». ولا تكاد تمر فترة وجيزة إلا ونسمع عن عقد بين شركات نفايات ومصنع أو شركة كهرباء ما يقتضي بيع شركات النفايات للغاز المستخرج من أحد مكباتها للمصنع أو شركة الكهرباء. ويتوقع أن ينمو هذا الجزء من الصناعة ليولد 2 في المئة من إجمالي الكهرباء المولدة في أمريكا. وحتى ندرك حجم الشركات العاملة في هذا المجال في الولايات المتحدة نذكر أن رأسمال شركة «ويست منجمنت» يتجاوز 16 مليار دولار، ورأسمال شركة رببلك يتجاوز 11 مليار دولار. وتقوم هذه الشركات بتوزيع أرباح على مالكي أسهمها باستمرار. وآخر الإحصاءات تشير إلى أن عائد هذا القطاع في العام الماضي بلغ 44 مليار دولار، ويعمل به أكثر من 180 ألف شخص.
استخراج الغاز من روث الحيوانات
تقوم مزارع الحيوانات بالتخلص من روث الحيوانات بطرق مختلفة، الأمر الذي يشكل عبئًا ماليًا عليها. إلا أن التطور التقني لم يلغ هذه التكاليف فقط، بل خفض تكاليف المزارع عن طريق توليدها للكهرباء من الغاز المستخرج من روث الحيوانات، أو عن طريق بيع الغاز لشركات الكهرباء أو المصانع القريبة، وتحصيل عوائد مالية إضافية لم تكن محسوبة أصلاً.
ويتم الحصول على غاز الميثان عن طريق تجميع روث الحيوانات في حفرة كبيرة مغطاة بغطاء بلاستيكي يشبه البالون المفلطح ثم خلطه بالماء وبعض المواد الأخرى التي تسرع من تخمر الروث، ثم يتجمع الغاز في البالون. ومع زيادة الضغط يتم خروجه عبر أنابيب وتوصيله إلى مولد كهرباء حيث يتم حرقه وتوليد الكهرباء.
بالإضافة إلى الفوائد المالية فإن هناك فوائد بيئية ضخمة، لأن القطاع الحيواني من أكبر القطاعات مساهمة في إنتاج غازات الاحتباس الحراري. فإذا لم يتم استخدام هذه التقنية فإن روث الحيوانات يتفكك طبيعيًا وينتج عنه غاز الميثان، وهو من أخطر الغازات التي تسهم في زيادة الانحباس الحراري، حيث إن خطر الميثان أكبر من غاز ثاني أكسيد الكربون بأكثر من 20 مرة. وتشير الدراسات إلى أن أي مزرعة تحتوي على أكثر من 300 بقرة يمكنها استرجاع تكاليف المشروع خلال فترة بسيطة من الزمن، حتى دون إعانات حكومية. ونظرًا لربحية هذه المشاريع من جهة، والإعانات التي تحصل عليها المزارع الأمريكية من جهة أخرى، انتشر هذا النوع من المشاريع بشكل كبير في السنوات الأخيرة. وإذا ما تم تطبيق التجارة في الكربون فإن هذه المزارع ستحصل على عوائد إضافية من بيع «حقوق التلويث»، لأنها تنتج الكهرباء بطريقة «نظيفة» من «روث الحيوانات»!