عند الحديث عن الدمام يبرز تساؤل عن سبب تلك التسمية، ويعود السبب إلى قصة استقبال الصيادين العائدين من البحر، حيث كانوا يضربون على الطبول. ويسمى الطبل أو الدف «دمّام» نسبة إلى الصوت، واشتدت الحاجة إلى الـضرب على «الدمام» أيام الضباب وانعدام الرؤية على الشاطئ، فأضحى الدمام منارة صوتية.
الخليج العربي هو الصديق الصدوق والمضياف، فبالرغم من استعارة كورنيش الدمام لبعض أجزائه في عملية توسعة كبيرة، لم يشكُ أو يعترض. فأعمال الحفر والتعميق لمنطقة الكورنيش كانت على مساحة مليون متر مربع تقريبًا، وذلك للتخلص من الرمال الزائدة التي تظهر عند حدوث الجزر، وذلك للوصول إلى مستوى مناسب يكفي لجعل المياه تغمر المنطقة ككل على مدار العام عند أدنى جزر.
بداية الكورنيش
في أواسط الثمانينيات من القرن الماضي عندما لاحظت الجهات المعنية بأن الدمام في حالة مستمرة من النهضة السكانية والعمرانية، ما استلزم إيجاد متنفس لأهلها. في البداية كانت عملية التطوير تقليدية إلا أنها تطورت بسرعة بعد أن أصبحت وجهة للسياحة الداخلية. وقد كان الكورنيش أول مشروع سياحي أقيم في الدمام.
ويبعد الكورنيش عن وسط المدينة بثلاثة كيلومترات فقط، ما يجعله الوجهة المفضلة الأولى لسكان الدمام وزوارها. وعلى مدار العام لا تنقطع الحركة على أرصفته المزدحمة ومتنزهاته المطلة على البحر، بالإضافة إلى المطاعم والمراكز التجارية. أما الصيد الذي انحسر رصيده في قائمة صادرات الدمام فلا زال له صدى في مكان على أبواب الكورنيش المتعانقة مع مياه الخليج. فعلى عكس مواسم إقبال العائلات المتفاوتة، فالصيادون يزورون الكورنيش في كل يوم. وفي مواسم العطلات والأعياد يتوافد الآف الزوار يوميًا في مختلف أوقات الليل والنهار، نحو وجهة موحدة لأسباب مختلفة لا يجمع بينها سوى الرغبة في الاستمتاع على أرض الكورنيش الشاسعة، والبحث عن مكان لقضاء وقت ماتع مع أكبر عدد من الأهل والأصدقاء لقضاء أوقات استجمامية بعيدًا عن أجواء المنازل. ويجد الزائرون ضالتهم مهما اختلفت أو تناقضت. فنظرًا للتطوير والتوسيع المستمرّيْن استطاع الكورنيش تلبية جميع الحاجات الترفيهية للأعمار والأذواق المتفاوتة. واليوم امتد على مسافة 27 كم على الواجهة البحرية. لذلك تم تزويده بقطار آلي يضفي على وقت المتنزهين مزيدًا من التشويق والرفاهية عبر الجولة التي يأخذهم بها. وتضم واجهة الكورنيش ثلاث نوافير داخل البحر تضخ الماء إلى ارتفاع 35 مترًا،
ويعطي رذاذ الماء ألوانًا مع حركة الرياح. كما أن هناك مواقف للسيارات تتسع لأكثر من 3000 سيارة في وقت واحد.
دوحة للهدوء والمتعة
من يبحث عن الهدوء والاسترخاء بعيدًا عن ضوضاء المدينة يجد ضالته في الاستلقاء على الحشائش، أو الاسترخاء على المقاعد الطويلة، البعيدة عن ضوضاء السيارات، وهذا هو القطاع الأول. أما القطاع الثاني فهو للباحثين عن الترفيه والمتعة. فالكورنيش يجتذبهم عن طريق تقديم الفعاليات والألعاب الترفيهية الملائمة لجميع الأعمار. وفي القطاع الثالث، وهو الأكبر، تنتشر فيه الأشجار والمسطحات الخضراء، وهذا له تأثير إيجابي على الناحية الصحية للزائرين، مع توافر أماكن اللعب للأطفال، ومناطق للجلوس والاستراحات، وغيرها من ساحات للعب، وساحات مخصصة للشواء، وأخرى مخصصة للقيام بنزهة في الهواء الطلق.
وفي آخر الليل تخترق سيارات الشباب شوارع الكورنيش في مواكب صاخبة للاحتفال بفوز فريق ما، أو للتعبير عن الأسى من خسارة فريق آخر. وفي أغلب الأحيان هم لا يملكون سببًا حقيقيًا للصخب إلا تعبيرًا عن الملل والحاجة إلى التنفيس. أما لماذا يقصدون شوارع الكورنيش تحديدًا دون غيرها، فالسبب بدهي جدًا، لأن الجار يبعث البهجة في القلوب ولا حاجة إلى الحديث عن مدى تأثير البحر.
وما عدا القرب من وسط المدينة، فعلى بُعْد كيلومترات قليلة من الكورنيش تتناثر الأحياء السكنية الجديدة، بمواصفات معمارية متميزة، وتجهيزات راقية تجعلها أرقى الأحياء في الدّمام.
رموز الصيد
يتخلل شارع الكورنيش الرئيس دواران حيويان وهما دوار الأشرعة ودوار الصدفة، وكلاهما مستوحى من رموز مهنة الصيد التي شهدها الكورنيش لعقود طويلة، والتي انحسرت ممارستها كمهنة ولكنها لا تزال موجودة كهواية. وعلاقة الكورنيش مع الصيادين متينة، فهم يكنون له الإخلاص والوفاء في أسوأ الظروف الجوية، إذ إن واجهته تتلاءم مع متطلباتهم من الأسماك وغيرها من الكائنات البحرية، كما أن القطط المنتشرة في كل مكان وطيور النورس هم أشبه ببوصلة طبيعية للبحث عن أفضل مكان للصيد. ولذلك ليس من المستغرب أن يقصد الصيادون الهاوون الكورنيش بحثًا عن «سياحة الصيد». أما بالنسبة إلى النشاطات الرياضية فتم تصميم الكورنيش بشكل ملائم حتى يسن للزوار القيام بالمشي والهرولة عبر الممشى المخصص لذلك والذي يبلغ طوله 8 كلم, وتم تزويده بلافتات توضح المسافة المقطوعة والمتبقية. كما تنتشر ملاعب لكرة السلة والقدم تقابلها مناظر جمالية تميز الكورنيش عن غيره من الأماكن.
أما عن أخبار آخر التطورات فهو مشروع «واجهة الحمراء البحرية» والذي سيضم العديد من المرافق الترفيهية والفنادق والملاعب ومرسى لليخوت. كما سيتم تركيب أعمدة إنارة حديثة تتلاءم مع شتى الظروف الجوية، وإنشاء شبكة ري متكاملة والمزيد من الأكشاك، ودورات المياه، وخدمات التشجير، وممرات المشاة. كما تم وضع حجر الأساس لمشروع سوق المرفأ، وهو عبارة عن مركز تجاري تبلغ مساحته 36 ألف متر مربع، ويحتوي على متحف، ومعارض، وسوق للتراث.
وإذا أحببتم أن تعرفوا عن هوايات الكورنيش نفسه، فهي رسم الشمس وغروبها، ورسم الابتسامة الصادقة على وجوه الأطفال في أثناء اللعب وفي أيام الأعياد