اجتمعت الحيواناتُ عصرَ أحدِ الأيامِ في الحظيرةِ، وراحتْ تتسامرُ فيما بينها، وصاحَ الحصانُ الذي كان رئيسَ الحيواناتِ: ما رأيُكُم أيُّها الرفاقُ أن نقومَ بنزهةٍ يومَ الجمعةِ القادمِ إلى جانبِ النهرِ، فهناك ساحةٌ واسعةٌ مملوءةٌ عُشْبًا يمكن أن نلعبَ عليها ونسرحَ ونمرحَ ونُمَتِّعَ أنفسنَا بمنظرِ النهرِ، وصاح الجميعُ حقًّا إنه اقتراحٌ جيدٌ فقد سَئِمْنَا التعبَ والعملَ. واجتمعت الحيواناتُ يومَ الجمعةِ في الحظيرةِ، وسلَّمَ بعضُها على بعضٍ، وقال الحصانُ ضعوا أطعمتَكُم في «الخُرْجِ» أي الكِيسَ الموجودَ على ظهرِ الحمارِ، وَلْنَنْطَلِقْ نحوَ النهرِ. وصلَ الجميعُ إلى الساحةِ قربَ النهرِ وكان التعبُ قد أخذ مَأْخَذَه من الحمارِ، وما أن بلغت الحيواناتُ جانبَ النهرِ حتى أعطى الحصانُ إشارتَه للحيواناتِ بأنْ يأخذوا راحتَهم، ويستغلوا وقتَهم ويبدؤوا نزهتَهم. فانطلقَ الجميعُ للعبِ ما عدا الحمارَ الذي بركَ على الأرضِ مُتْعَبًا. كان الحمارُ ينظرُ إلى زملائِه وهم يركضون ويلعبون مسرورًا ويتمنى أن يشاركَهم اللعبَ إلا أنه وجد نفسه مُتْعَبًا وجائعًا ونظر إلى طعامِ الحصانِ والبقرةِ فأغراه ذلك ومدَّ فَمَه إلى البرسيمِ فقضمَ قَضْمَةً فوجدها لذيذةً، فأتبَعَها بأخرى، وتفتَّحَتْ شهيَّتُه، فأقبل على الطعامِ مستغلاً غفلةَ الآخرين.. وهكذا حتى لم يبقَ شيْءٌ من الطعامِ، وأحسَّ الحمارُ بثقلٍ في معدتِهِ فقام يمشي متسللاً حتى صار بعيدًا عن رفاقهِ
. ورأى الحصانُ أن الجميع قد تعبَ وجاعَ، فتوقف عن الركضِ وصاح: كفاكُم لعبًا ولهوًا، وهيا بنا نسترِحْ ونتناولْ طعامَنَا، وأسرع الجميعُ نحو الطعامِ ودُهِشُوا حين لم يروا طعامَهم وراحوا يصيحون غاضبين مستنكرين، وصاح بهم الحصانُ أن يسكتوا، وقال هل أخذ أحدٌ منكم من الطعامِ شيئًا فأنكروا جميعًا بما فيهم الحمارُ، ولم تكن لدى الحصان وسيلة لمعرفة من أكل الطعامَ، وتكلمت الحمامةُ فقالت: أترون ذلك البابَ الموضوعَ على النهر جسرًا ليعبر عليه المارةُ؟ قالوا نعم، وقالت الحمامة إن لهذا الجسر خاصة وهي أنه لا يسمح لكاذب أن يَمُرَّ. فمن مَرَّ عليه وكان كاذبًا رماه في الماء وأنا سأبدأ بالمرور، وعبرت على الجسر إلى الطرف الثاني من النهر ولحقت بها الحيواناتُ تباعًا من طيورٍ ودجاجٍ وخرافٍ، ومرت البقرةُ ثم مَرَّ الحصانُ، وجاء دور الحمارِ الذي كان يقف بعيدًا مصفَرَّ الوجهِ. واقترب الحمارُ من الجسرِ وقد بدا عليه الخوف، ثم مشى على الجسر حتى إذا وصل إلى منتصفه وقف مترددًا وحاول أن يلتفت ويعود، ولكن الجسر انقلب به ووقع في النهر وأخذ الماء يجرفه، وراح يصيح طالبًا النجدةَ لأنه لا يحسنُ السباحةَ، وصاحت الحيواناتُ مذعورةً، وأسرع الحصانُ فأمسك برسن البقرة وركض بها إلى الأمام متخطيًا الحمار بمترين وطلب منه أن يمسك رسن البقرة بفمه حين ترميه إليه، ثم طلب من البقرة أن تليح برأسها بشدة نحو النهر فطار طرف الرسن ووقع في الماء قريبًا من رأسِ الحمارِِ الذي أمسك بفمه حبل البقرة، وراحت البقرة ترجع إلى الوراء حتى صار الحمارُ قريبًا من شاطئ النهرِ فأهوى الحصانُ بفمهِ على الشعرِ الموجودِ على رأسِ الحمارِ وجذبَه جذبةً قويةً فصار على الشاطئ.
برك الحمارُ على الأرضِ خائفًا متعبًا خجلاً، واجتمعت الحيواناتُ حولَه وراح يقول: إنني أعترف أني أكلت طعامَكم وكذبتُ عليكم، وأرجو أن تسامحوني. فقال الجميعُ لقد سامحناك، ونرجو أن تكونَ أخذت درسًا فلن تعودَ إلى الكذبِ. وسأل الحصانُ الحمامةَ: كيف عرفت أن الجسرَ سينقلبُ؟ فأجابت: إن الغيبَ لا يعلمهُ إلا اللهُ، وكل ما في الأمرِ أن المذنبَ يعرفُ نفسَه مذنبًا ويخشى أن ينكشفَ أمره فيكون مهتزَّ الشخصيةِ، فالزملاءُ جميعًا مرُّوا بثقةٍ.. أما الحمارُ فقد كانت عقدةُ الذنبِ تهزُّ شخصيتَه، فخافَ أن ينكشف أمره، فأراد أن يعود فاضطربَ ووقع في الماءِ.