لضحك في التاريخ
للضحك تاريخ مسجل في كتب العرب وأشعارهم. نجد الجاحظ يمتدح الضحك في كتابه البخلاء ويقول: نحن بحاجة إلى الضحك، لأن فيه راحة للنفس واستجمامًا للعقل. وما نوادر جحا الشهيرة إلا دليل على ذلك. ذكر الضحك في عدة كتب كالأغاني لأبي فرج الأصفهاني، والمُراح في المزاح لمحمد الغزي وغيرهما.
كان للضحك والطرافة حضور في المجتمع النبوي. كما قد جاء القرآن الكريم بذكر الضحك، قال تعالى: }فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا{ وفي موضع آخر: }وأنَّهُ هُوَ أضْحَكَ وأبْكَى{. وعرف عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مداعبته للصغير والكبير. يذكر أن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان كلما جاء إلى بيت أنس بن مالك، رضي الله عنه، يسأل عن هذا الصبي الصغير، وقد كنّاه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بأبي عمير. وكان يداعبه بقوله: «يا أبا عمير ما فعل النغير»؟. وللصحابة، رضوان الله عليهم، نصيبهم في الضحك كذلك، فعن قتادة، رضي الله عنه، قال: سئل ابن عمر، رضي الله عنهما: هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحكون ؟ قال: نعم، والإيمان في قلوبهم أعظم من الجبال.
وللفلاسفة بصمتهم اللطيفة في عالم الضحك. يقول فرويد: الضحك ظاهرة وظيفتها إطلاق الطاقة النفسية التي تمت تعبئتها بشكل خاطئ أو بتوقعات كاذبة. ويقول فولتير مهددًا: ويلٌ للفلاسفة الذين لا يبسطون تجاعيدهم، لأن العبوس في نظري مرض عضال.
عُرف الضحك منذ أيام الإغريق في مسرحياتهم الهزلية، وانتشر كثيرًا بعد ذلك في الوسط العربي فيما يعرف بالكوميديا الهازلة. يهدف هذا النوع من الفن الذي امتد لعقود طويلة إلى إدخال البسمة على قلوب الناس وإبعادهم عن كدر الحياة ومآسي الاستعمار والحروب.
الضحك ملح الحياة
يقول أبو الفتح البُستي:
أفد طبعك المكدود بالجد راحة
يُـــجَــــمُّ وعلّــِلـــــه بشــيء مــــــن المــــزاح
ولكن إذا أعطيته المزاح فلــــيكن
بمقدار ما تعطي الطعام من الملح
يقف الضحك حائرًا بين الإفراط والتفريط. فحاجتنا للضحك تماثل حاجة الطعام للملح، في نقصانه فقدان للطعم، وفي زيادته ضرر ومرارة. إن العبوس الدائم يجلب غلظة الطبع وقساوة القلب ونفور الناس، وكذلك الضحك الدائم فإن به تذهب هيبة المرء، وينقص احترامه بين الناس ويضيع بها جده من هزله.
لقد وقف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، موقفًا وسطًا، فنهى عن استجداء الضحك دون سبب أو بغرض السخرية من الناس فقال: «ويلٌ لمن يحدِّث
فيكذب ليُضحك به القوم ويلٌ له، ويلٌ له». وفي المقابل نراه يمتدح من كان بسّامًا تعلو محيّاه البشاشة ويصفه بالمليح، فيقول عليه الصلاة والسلام: «خذوا الخير من مِلاح الوجوه». لقد علَّم الله سبحانه رسولنا ونحن من بعده ترك العبوس حين عاتب نبيه قائلًا في كتابه الكريم: }عَبَسَ وَتَوَلَّى{. فلا إفراط مُخل ولا تفريط مُقل.
الضحك علاج مجاني
لقد ظهر على ساحة العلوم الأكاديمية في القرن العشرين علم جديد يسمّى بعلم الضحك Laughter Psychology، وأصبح هناك أساتذة للضحك ورخص تمنح لمزاولة التدريب. لقد أنشأ عدد من الجمعيات المختصة بالأبحاث المتعلقة بالضحك وطرق المعالجة به مثل :المجمع الدولي لدراسات الفكاهة، International Society for Humor Studies، وكذلك الرابطة الأميركية للعلاج بالفكاهة American Association for Therapeutic Humor.
للضحك فوائد إيجابية مذهلة على الصحة النفسية والصحة الجسدية. في الجانب الجسدي، يؤدي إلى زيادة سرعة تدفق الدم وتوسع الشرايين. بالضحك يزداد إفراز الهرمونات المريحة للجسد كالإندروفين، ويحد من إفراز الهرمونات المقلقة له كالأندرينالين. للضحك أثر إيجابي في مناعة الجسد، وعمل الغدد الصماء، وحركة الجهاز الدموي، والتنفسي والعضلي. كما أنه يخفف من الألم، ويؤدي إلى التخفيف من الوزن، فيه تتحرك عضلات منطقة الجذع فيعد بذلك مشابهًا لرياضات الأيروبكس إن تمت ممارسته بمدة تتراوح بين 5 دقائق إلى 10 دقائق يوميًا.
ولصحة الجسد انعكاسها على الصحة النفسية، فالضحك يخفف التوتر ونوبات الاكتئاب، فهو يرخي العضلات المتشنجة، وينظم ضربات القلب وخفض الضغط الشرياني. هناك عدد من المستشفيات الأوروبية تحرص على جلب مهرجين لتسلية الأطفال المرضى وتحسين صحتهم النفسية، وكذلك تحرص على بث مشاهد مضحكة وطريفة في غرف الانتظار.
لقد بدأت ثقافة العلاج بالضحك والاسترخاء تنتقل من نوادي اليوغا في الصين لغيرها من الدول، ومن يدري فقد تصبح القهقهة كل صباح بلا سبب أمرًا اعتياديًا. وكما يقول أحد الأمثال الصينية: «ليس هناك عقوبة إطلاقًا إذا جعلت الآخرين يموتون من الضحك».