تقع المندق جنوب غرب المملكة، إحدى محافظات منطقة الباحة، تحتل مكانها في جبال السروات، مطلة بجمالها الأخاذ على تهامة، منبسطة في مساحة تقدر بنحو 650 كيلومترًا مربعًا، بمجموع 160 قرية، منتشرة على سفوح الجبال.
عراقة المكان
انتشار أشجار العرعر والطلح، فضلًا عن الغطاء النباتي الكثيف المتنوع الممتد على طول أراضي المحافظة، يلطف جوها المستمد من هذه الطبيعة الخلابة. منذ القدم والمندق تحتل مكانها الطبيعي في خارطة الجمال في منطقة الباحة، حيث الالتقاء بين قمم الجبال والسحب. هذا العطاء الرباني جعل من خضرة المندق منظرًا مألوفًا طوال العام، فاستُثمرت المحافظة سياحيًا وانتشرت في ربوعها المتنزهات، التي تستقبل قاصدي جمال الطبيعة هناك.
ولعل موقع المندق المميز، وطبيعتها السخية، أهّلاها لتصبح إحدى أميز محافظات منطقة الباحة، التي هي في الأصل من أبرز المناطق السياحية في المملكة، لما تمتلكه من مقومات طبيعية تجعلها متفردة عن غيرها. أيضًا هذه الميزات الطبيعية الكبيرة والمقومات الفطرية، وجدت في المقابل رعاية واهتمامًا كبيرًا من قبل إمارة المنطقة، إذ أولى أمير الباحة ونائبه هذه المنطقة من العناية الكثير، واستطاعا أن يجعلا منها وجهة سياحية بالدرجة الأولى، ولاسيما المندق، التي رشحت لجائزة المدينة الصحية، الاختيار الذي جاء لجملة من الأسباب تمثلت في النظافة العامة بهذه المحافظة، إذ تخلو المندق من أي مصدر من مصادر التلوّث المعروفة كالمصانع وغيرها من الملوثات، كما تخلو من زحام السير وما يصدر من ضجيج وعوادم. يضاف إلى ذلك كله رصيد ضخم من الطبيعة الخلابة، والمسطحات المائية الوفيرة، والغطاء النباتي الأخضر الذي يكسو هامات المندق وسفوحها، في ظل نشاط زراعي عريق يقوم على المدرجات الزراعية التي تشكل عوامل جذب سياحي كبير. يضاف إلى ذلك تكامل الخدمات العامة في المحافظة، وخصوصًا خدمات الرعاية الصحية في المستشفيات وما يتصل بها، فضلًا عن المستوى التعليمي والمعيشي الجيد لسكان المحافظة الذين يتميزن بالكرم والتعاون فيما بينهم، ما يسهل سبل الحياة لساكنها وزائرها على حد سواء. ومن بين أسباب احتلال المندق مكانة خاصة بوصفها وجهة سياحية أيضًا، وجود شبكة حديثة من الخطوط والاتصالات والتي ساعدت كثيرًا على ربط أجزاء المحافظة بعضها ببعض، مع ربطها بالمناطق الأخرى أيضًا، مع وفرة مصادر المياه الصالحة للشرب والاستعمال الآدمي المريح، ووجود نظام صرف صحي مميز يساعد على بقائها نظيفة وصحية طوال الوقت، وآخر هذه الأسباب أن المحافظة تتميز بوجود طرق آلية وحديثة للتخلص من النفايات والبقايا، ما يحول دون إلحاقها أي نوع من التلوث بالمحافظة.
بين أحضان الطبيعة
على قائمة من الجبال المكسوة بالخضرة تتمدد المندق. أشهر هذه الجبال التي تجسد الحيز الجغرافي لأرض الدهشة، جبل الخلب، الذي يقع شمال المحافظة مرتفعًا عن سطح البحر بحوالي 2500 متر. وشأن غيره من جبال المندق يكتسي بأشجار العرعر، والطلح. يلحق بالخلب في شهرته، جبل الحازم المغطى كليًا بالأشجار، وجبل الأنصب، الذي يقع جنوب المحافظة، ويحتضن سفحه عدد من القرى المنتشرة به. وثم جبال أخرى لا تقل شهرة ومكانة عن الخلب الحازم، فهناك جبل مكر، وجبل فران، وجبل العرنين، وجبل الكحلة، وجبل ظهر الأحمر
وليست الجبال وحدها ما يميز محافظة المندق، إذ هناك، أيضًا، الوديان الكثيرة التي تعبر سهول هذه المحافظة، حتى أصبحت وديان المندق إحدى السمات الدالة على المحافظة والمشتهرة بها. ومن بين أشهر هذه الوديان يطل وادي الصدر، الذي يقع شرق المحافظة. أكثر ما يميز هذا الوادي كثرة المزارع فيه. ساعد على ذلك وجود سد كبير يسمى سد وادي الصدر. يعود له الفضل في توفير الماء اللازم لاستمرار هذه المزارع في إنتاجيتها من الخضر والفاكهة، كما أنه يخدم القرى التي حوله بتوفير الماء لجميع المزارع بها. ويأتي وادي تربة في المنزلة التالية من الشهرة بعد وادي الصدر. وهو مصب لعدة مسارب من المياه تأتي من الجبال التي حوله. ولعل تدفق المياه في هذا الوادي بتلك الكثافة استوجب بناء عدد من السدود عليه، من أهمها سد مشنية، وسد الخرار، وسد مدهاس. ولعل توافر المياه وجودة الأرض قد مكنا هذا الوادي من أن يكون مصدرًا مهمًا لعدد من المنتجات الزراعية من الفواكه، إذ يبرز الرمان في صدارة المنتجات التي تجود بها أرض هذا الوادي المعطاءة، التي تزود جميع مناطق المملكة بمنتجاتها.
ومن بين أشهر الأودية في المندق يأتي وادي ضرك، الذي يقع في وسط المحافظة، متميزًا عن بقية الأودية الأخرى بموقعه السياحي، الذي جعل منه مثابة للزوار، وملتجأ لطالبي الراحة والهدوء وصفاء الجو وبرودة الطقس في عز القيظ والسخونة. وقد ساعد هذا الوادي على بلوغ هذه المكانة السياحية الكبيرة علو أشجاره، ورحابة أرضه، واعتدال مناخه، وبات من غير الغريب أو المدهش أن ترى أفواجًا من السيّاح تتقاطر إلى هذا الوادي في الصيف، ما يجعل منه منطقة منتعشة في الصيف من كل عام.
وهناك أيضًا، من بين الأودية الشهيرة في المندق، يأتي وادي الحبارى، ووادي حضوة، ووادي شروق، ووادي برحرح. جميع هذه الأودية وغيرها كثير تمثل علامات مهمة في النسيج الطبيعي لمحافظات الباحة، ومن بينها المندق، وتمنحها خصوصيتها وتفردها بين مناطق المملكة. كما أن هذه الوديان الكثيرة تمثل مصدر رزق وفير للإنسان وسائر الكائنات التي تشاركه العيش في تلك المحافظة، في انسجام تام، وتطويع للطبيعة لخدمة الإنسان دون أن يكون هناك حيف أو جور يذهب برونق المكان أو يصيبه باختلال ما.
يزيد من عطاء محافظة المندق أنها تتميز بهطول الأمطار الغزيرة على ثراها، وهامات جبالها، وأكثر ما يكون هذا الهطول في فصل الربيع، فما إن تفتح السماء أبواب عطائها، ويرسل السحاب ماءه على تلك المنطقة حتى تزداد الخضرة كثافة، وتستطيل الشجار علوًا، ويمتلئ الضرع رخاء وخيرًا وفيرًا. يظل الحال على ذلك حتى في أشهر الصيف أيضًا. ففي الوقت الذي يتلظى فيه كثير من المناطق من شدة الحر، وتبلغ فيها درجاته معدلات قياسية تقارب 45 درجة وتزيد، نجد أن المعدل الحراري في المندق لا يتجاوز 25 درجة، بأي حال من الأحوال، ما يجعل منها منطقة معتدلة المناخ في قائظ الصيف وحمأته، على أنها في الشتاء تميل إلى برودة خفيفة، مع كثرة الضباب في هذا الفصل من العام، بما يحتم على من يتجول فيها أن يحتاط، ولاسيما إن كان يقود مركبة، فقد يمر عليه الضباب في لحظات لا يرى معه شيئًا أمامه.
زخم الأسواق
تتميز محافظة المندق بأسواقها الشعبية التجارية التي توفر لمرتاديها ما يحتاجون إليه من السلع والبضائع التجارية، كما تمثل هذه الأسواق رابطًا اجتماعيًا أيضًا، إذ يفد عليها الأفراد من جميع قرى المحافظة، في نسيج اجتماعي فريد، ليقف الجميع بين أروقة الأسواق على أحوال بعضهم. ومن أشهر الأسواق الشعبية هناك، سوق المندق، وتعد من أشهر الأسواق في سراة الباحة بصفة عامة، وفي محافظة المندق بصفة خاصة، فهذه السوق تنعقد كل يوم سبت من الأسبوع، وكانت قديمًا مسرحًا لبيع العديد من البضائع المختلفة، وذلك بعد أن تطورت منافذ التجارة المتعددة في المنطقة، والآن أصبحت السوق يوميًا في محافظة المندق بقراها المختلفة، فلم يعد كافيًا تخصيص يوم بعينه للسوق في ظل الحركة التجارية الكبيرة التي تعم المحافظة، ولم تفقد السوق التي أصبحت متخصصة في تجارة الأنعام حيويتها، وهناك مساعٍ جادة لإعادتها إلى نشاطها العام كما كانت في السابق وألا تقتصر على بيع الأنعام فقط.
هناك، أيضًا، سوق ربوع الصف، تقيمها قبيلة بالخزمر، يوم الأربعاء من كل أسبوع، وشأن سابقها سوق المندق فقدت هذه السوق أيضًا بريقها السابق، فبعد أن كانت سوقًا نشطة تدار فيها أنواع التجارة المختلفة البضائع، اقتصرت على تجارة الماشية وحسب.كذلك هناك سوق النفعة، ويقال لها (الصغرة). توقيتها متزامن مع يوم سوق المندق، السبت من كل أسبوع، وتقع في حزام قبيلة بني حسن. أصبح نشاط هذه السوق أقل مما كانت عليه، ولم تعد يقصدها الناس كما كانوا في السابق، فضعفت نشاطها، وقل عائدها، ولم يبق منها إلا التاريخ القديم، وأطلال أعمدته االقديمة وسقايفها.
هناك سوق ثروق، أيضًا، وتقع في منطقة القرن. كانت ترتاده قبائل دوس في السابق، كل يوم اثنين من الأسبوع، ونظرًا للتطور الكبير في مجال التجارة والبيع والشراء وتوسعهما في المنطقة والمحافظة، فقدت هذه السوق بريقها هي الأخرى، واستولت المواشي على نشاطها أيضًا.
كذلك هناك سوق برحرح، وكانت مخصصة في السابق لقرى برحرح وما جاورها، تقصدها في يومها المخصص من كل أسبوع، فيجد الأهالي فيها حاجاتهم من البضائع والسلع. كانت عظيمة النشاط، واسعة التجارة، في ظل القبائل التي كانت تقصدها ومن بينها: قبائل بني مالك، وبالحارث، وبني عدوان، وزهران، وتهامة.