width=

 


البدانةأبناؤنا وبذور الإبداع
نسمع كثيرًا عن الإبداع، فماذا نقصد بالإبداع؟ وهل يقتصر على نشاط أو مجال معين؟


نوره فيصل الشعبان

«الإبداع هو إنتاج أفكار جديدة خارجة عن المألوف، على شرط أن تكون أفكارًا مفيدة، وأحيانًا يكون تطويرًا لفكرة قديمة.. فالتفكير الإبداعي هو الذي يحرّر الإنسان من قيود الجهل والتخلف في أيّ زمان ومكان. كما يمكن للفرد أن يكون مبدعًا في أيّ مجالٍ من مجالات الحياة: فهناك الإبداع العلمي، والإبداع الأدبي والثقافي، والإبداع الاقتصادي، والإبداع الاجتماعي، التقني... إلى غير ذلك.
وهناك علاقة وطيدة بين المبدع والبيئة أو المجتمع الذي يعيش فيه.. فالإبداع هو العمل الذي يجد المبدع في إنجازه سعادة كبيرة، والذي يقضي فيه وقتًا طويلًا ومتواصلًا من أجل الهدف النبيل الذي يخدم به الآخرين، أو يُمتّعهم، أو يبعث السعادة إلى قلوبهم.
ويقول توماس أديسون: الإبداع الحقيقي لا يعـني التكيّف مع البيئة، وإنما أن نكيف البيئة حسب حاجاتنا ورغباتنا..
فأيّ حلّ جديد لمشكلة مستعصية، يكمن خلفها إبداع، ومثابرة، وصبر، وعمل شاق ومتواصل من أجل الوصول إليها.
أما طبيعة العلاقة بين الإبداع والذكاء فتكمن في أن الإبداع هو. قدرة الفرد على الابتكار أو على خلق نتائج تتسم بالأصالة والبراعة أو وضع حلول للمشكلات.
والذكاء بمفهومه العام هو القدرة على حل المشاكل، وفهم البديهيات، وإنتاج الفكر التأملي، والقدرة على التعلم.
ويبقى السؤال المتميز الذي يدور في أذهاننا:
كيف يمكننا صناعة طفل مبدع؟
إن صناعة الطفل المبدع تتم من خلال اكتشاف مواهبه ومقدراته وتنميتها، وتوجيه طاقاته الكامنة، ومساعدته على إظهارها. ولا يتم ذلك الا بالثقة بإمكانياته ومقدراته.. فالطفل المبدع هو الطفل القادر على إيجاد الأفكار والوسائل الجديدة. وليكون الطفل قادرًا على ذلك يطلب بيئة تخلق فيه روح الإبداع، وتساعده على تنمية المواهب والقدرات العقلية التى يتمتع بها.. وهذا يجدد فينا اليقين بأن الطفل إما أن تصنع فيه روح الإبداع أوتقتل، وكلاهما الصانع والقاتل لا يخرجان إما من بيئة الأسرة التي يعيش فيها الطفل أو المدرسة التى يتعلم منها، أو المجتمع الكبير الذي يعيش فيه. وتبقى الأسرة هي حجر الأساس، لذا أهدي الوالدين هذه الكنوز:

كن راعيًا لابنك لا وصيًا عليه: فرعاية الطفل المبدع لا أعني بها الرعاية الصحية والغذائية، وإن كانت تتداخل مع الرعاية الإبداعية ، وهي اكتشاف مواهب الطفل وتنميتها، واحترام قدراته العقلية برفع ثقته بنفسه واعتماده على ذاته، ومنحه فرصة التعبير عن نفسه، وتقبل تساؤلاته وتشجيعها، لمساعدته على التحدث أمام الآخرين.

امنح ابنك الحرية المسؤولة بدلاً من المراقبة الدائمة: الطفل الذي يعيش تحت المراقبة يفقد الثقة بمن حوله، وهروبًا من واقعه المرير يهدم لبنات القيم النبيلة الواحدة تلو الأخرى، فيتعلم الكذب وهو يدافع عن نفسه وأفعاله، ويحترف السرقة لقضاء حوائجه، وهذا بعكس الحرية المسؤولة التي تبني فيه الثقة ومراقبة ذاته لا خوفًا من الأسرة وإنما يكون احترامًا وتقديرًا.

تفهم رغبات ابنك بدلاً من كبحها: الطفل له مشاعر ورغبات مثله مثلك أنت، والكبت المتكرر يولد لدى الطفل نوعًا من الإحباط أو التمرد على هذا الواقع بالذات في فترات المراهقة. كما يفقد الثقة بمن حوله ويسعى لإشباع رغباته بعيدًا عن أعين الوالدين، ما يوسع الفجوة بينهما في المستقبل، لأنه كلما تولدت عنده رغبة جديدة تجاه شيء معين حاول إشباعها بطريقته الخاصة.. أحيانًا كثيرة يولد تبلد الحس الطفولي الانطوائية لديه، والإحساس بالنقص لعدم مواكبته مستجدات الألعاب عند زملائه في المدرسة. ولتلافي هذه الإشكالية فلابد من التفهم لرغبات الطفل و التوازن في إشباع رغبات الطفل ورغبات الوالدين، ولا ننسى أن ألعاب الطفل تولد فيه ملكات الاختراع والابتكار.

كن صديقا لابنك لا متسلطًا عليه: قد يتسلط الوالدان على ولدهما فلذة كبدهما، وزهرة حياتهما من خلال التشكيك في قدراته وتصغيرهما له وكل ذلك يحصل من باب الحرص على مصلحة الطفل. وهذه النظرة الاستعلائية تتبدد معها كينونة الطفل، وتعطل فيه الكثير من القدرات. وللخروج من هذه الحالة السلبية يمكن خلق نوع من الصداقة الدائمة بين الطفل ووالديه بنوع من الأنشطة معه، وكذلك منحه فرص للنقاش والأسئلة، بل إشراكه في المشورة بالذات فيما يتعلق به من مشتريات ورحلات وغير ذلك، ومحاولة إقناعه في حالة عدم الاقتناع بآرائه.. وهنا ساهم الوالدان في صناعة طفل مبدع واثق بنفسه، متسامحًا مع الآخرين، يحاور ويتمتع بمقدرات الإقناع.

هناك قصة مؤثرة أود مشاركتكم بها هي قصة «الفراشة
وعطف المزارع»
في يوم من الأيام، وقف رجل يراقب، ولعدة ساعات، فراشة صغيرة داخل شرنقتها التي بدأت بالانفراج قليلاً قليلاً، وهي تحاول جاهدة الخروج من ذلك الثقب الصغير في شرنقتها.
وفجأة سكنت! وبدت كأنها غير قادرة على الاستمرار!
ظن الرجل بأن قواها قد نفدت للخروج من ذلك الثقب الصغير أو حتى توسعته قليلاً.
ثم توقفت تمامًا !!!
شعر الرجل بالعطف عليها وقرر مساعدتها فأحضر مقصًا صغيرًا وقص بقية الشرنقة.
عندها سقطت الفراشة بسهولة من شرنقتها،
ولكن بجسم نحيل ضعيف وأجنحة ذابلة!
ظل الرجل يراقبها معتقدًا بأن أجنحتها لن تلبث أن تقوى وتكبر،
وبأن جسمها النحيل سيقوى،
وستصبح قادرة على الطيران.. لكن، لم يحدث أي شيء من ذلك!
وقضت الفراشة بقية حياتها بجسم ضعيف وأجنحة ذابلة
لم تستطع الطيران أبدًا أبدًا..
ما الذي فعله لطف ذلك الرجل وحنانه؟
لم يعلم بأن قدرة الله عز وجل ورحمته بالفراشة جعلا الانتظار لها سببًا لخروج سوائل من جسمها إلى أجنحتها حتى تقوى وتستطيع الطيران..
نحتاج، أحيانًا، إلى الصراع في حياتنا اليومية!
وإذا ما قدر الله لنا الحياة بلا مصاعب فسنعيش مقعدين مشلولين، وربما لن نقوى على مواجهة تحديات الحياة.