width=

 


البدانة
تهدد أطفالنا
آلاف الأطفال البدناء الذين أصبحت أجسادهم مكتظة بالدهون انضموا إلى عيادات السمنة المخصصة للآباء والأمهات.


آلاف الأطفال البدناء الذين أصبحت أجسادهم مكتظة بالدهون انضموا إلى عيادات السمنة المخصصة للآباء والأمهات.

تعبون دائمًا، لاهثون، مثقلون بأرطال من الدهون التي تكبلهم وتحد من حركتهم، حتى تكاد توقفها تمامًا، كأنهم محبوسون داخل أقفاص من الدهون، فمن المسؤول عن حرمان هؤلاء الصغار من الاستمتاع بطفولتهم، بعيدًا عن عواقب السمنة الوخيمة على أجسادهم، وما قد تجره عليهم من أمراض ومشكلات صحية؟!

القاهرة: إشراق أحمد

«أسباب متعددة
يؤكد خبراء التغذية أن هناك دورًا متعاظمًا للعوامل الوراثية في السمنة. وترى د.مها راداميس، عضو الجمعية الأمريكية لعلاج السمنة، أن الاستعداد الوراثي ينتقل من الآباء إلى الأبناء، خصوصًا لو كان أحد الأبوين أو كلاهما بدينًا، «هذا ما أكدته دراسات علمية أن الطفل إذا كان أحد أبويه يعاني السمنة فإن احتمال إصابته بها تصل إلى 33%، أما إذا كان كلاهما مصابًا بالسمنة فإن النسبة ترتفع إلى 73%، بينما لا تتعدى احتمال إصابة الطفل بالسمنة 9% في حالة تمتع الأب والأم بوزن طبيعي. ولا يعني ذلك أن الوراثة هي المتهم الوحيد في بدانة الأطفال، لأن الوضع اليوم تغير كثيرًا، وأصبحت مسببات الإصابة متساوية بين الوراثة والعصر الذي يعيش فيه الطفل، خصوصًا أن هناك غزوًا جديدًا في حياتنا مثل الحاسوب والإنترنت وألعاب البلايستيشن التي غيّرت من أسلوب حياة الطفل من اللعب والحركة والنشاط والحيوية إلى الجلوس أسيرًا للشاشة». وترى د. راداميس أنه لا يمكن إغفال دور إعلانات التلفاز «التي ساهمت بنسبة كبيرة في جذب الطفل إلى الوجبات السريعة، والحلوى، والمشروبات الغازية، وغيرها من المأكولات التي تسبب البدانة، بالإضافة إلى اختلال مواعيد الأطعمة، فبعد أن كانت محددة بثلاثة مواعيد، أصبحت تقدّم في أي وقت على مدار اليوم».
وتنصح د.مها الأمهات بسرعة السيطرة على المشكلة مبكرًا حتى لا يتأثر جسم الطفل ونفسيته. وتنادي بضرورة الانتظام في تقديم مواعيد الوجبات، واختيار نوعية أكل متوازنة تبتعد فيها قدر الإمكان عن الدهون والمسبكات والمحمر والمعلبات. وتقول الدراسات العلمية إن أساليب الطعام ونوعيته يؤثران بشكل كبير على رشاقة الأطفال، والأمر ناتج من العادات السيئة التي يتبعها الآباء في تقديم وجبات دسمة ليلاً قبل النوم، وبالطبع دون بذل مجهود يستنفد السعرات الحرارية حتى لا تؤدي إلى انتفاخ الخلايا الدهنية. يؤكد د.صابر الغرباوي، استشاري السمنة والنحافة، أن العادات الغذائية السيئة التي يتبعها الآباء تتسبب في حدوث كارثة جيل من الأطفال البُدُن في الصغر، «وعندما يكبر هذا الجيل تزداد بدانته وتصعب السيطرة عليها». ويطالب بضرورة السيطرة على بدانة الأطفال مبكرًا تجنبًا لعواقبها الوخيمة، المتمثلة في أمراض القلب، ومشاكل عديدة في العظام، وانخفاض الخصوبة، وغير ذلك من المشاكل النفسية والصحية والاجتماعية الذي تتفاقم مع تقدم عمر الطفل.
وينصح استشاري السمنة والنحافة الأسرة العربية بضرورة اتباع أسس علمية في التعامل مع سمنة الأطفال من خلال الوعي بترسيخ مفهوم التثقيف الغذائي، «وذلك بمجموعة خطوات تبدأ بالطبق المنعزل، الذي يجب أن يقدم للطفل قبل الغذاء العائلي، وفي هذه الحالة سيكون في حالة تشبع كامل وسيرفض أي طعام آخر. ويجب تقديم ثلاث مجموعات من خلال هذا الطبق، أولاً: الطاقة التي توجد في الخبز والأرز، ثانيًا: اللحوم أو البقول كبدائل لها، ثالثًا: الكالسيوم مثل اللبن، هذا إلى جانب البروتينات والفاكهة التي تمده بالفيتامينات. وتجب العناية باللوز والغدد عند الأطفال؛ لأن إصابة الطفل بأي مشاكل بها وعدم معالجتها سينتج عنها زيادة ملحوظة في الوزن، لذا لا بد من الاهتمام بمثل هذه الأمراض، مع ممارسة أي نشاط رياضي حركي، ومتابعة الوزن بشكل أسبوعي، ويفضل استخدم ميزان واحد مع تغير النظام من أسبوع لآخر».


عوامل اجتماعية ونفسية
يتأثر الطفل يتأثر بالسمنة وفقًا لبيئته الاجتماعية ونظرتها للسمنة، فهناك من يعدون الوزن الزائد نوعًا من الصحة، ومظهرًا من مظاهر القوة، بينما يعده آخرون مشوهًا للجمال. تؤكد د.سهير سند، أستاذ علم الاجتماع، أن الطفل البدين يتعرض للأذى المعنوي بسبب النظرة غير السليمة التي يتلقاها من الجميع، «لأنه يشعر دائمًا بأنه أقل من أقرانه في مرحلته العمرية، ومحط سخرية الجميع، ومن ثم تصبح علاقته الاجتماعية غير سوية، لا سيما وهو يستمع إلى التشبيهات والألقاب التي تنال منه ومن نفسيته». وتُرجع السبب في ذلك إلى التربية المنزلية «التي كرست لبعض العادات التى يصعب تغييرها، وأيضًا تدليل الأم لأبنائها، فدائمًا ما تكون المكافأة طعامًا، أو وجبة سريعة تحت دعوى «لا أحب أن أحرم طفلي من شيء»، هذا إلى جانب استسهال المرأة تلك الوجبات، نظرًا لظروف عملها التي قد تضطرها إلى إهمال الوجبات المنزلية، ومن ثم يصبح الابن ضحية هذه التصرفات العشوائية». وتشدد الخبيرة الاجتماعية على دور الأم في ترسيخ ثقافة الثواب والعقاب التي من شأنها العمل على التوازن بين اللعب والأكل وممارسة الرياضة والمذاكرة، وتوزيع أنشطة مختلفة على مدار يوم الطفل حتى لا يغلب نشاط على آخر. هذا إلى جانب ترشيد استهلاكه، والوعي في إعطاء مصروفه اليومي. كما تؤكد أهمية التصدي للحملات الإعلانية بحملات توعية، حتى يتعود الأطفال ثقافة الغذاء المنزلي. ويعد د.أحمد شوقي العقباوي، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، سمنة الأطفال كارثة صحية ونفسية بكل المقاييس، «فهي تعيق حركة الطفل في أفضل أيام حياته، وتحرمه من المرونة والحيوية التي يتمتع بها أقرانه، ومن ثم تؤثر سلبًا في نفسيته وفي تجاوبه مع الآخرين». ويضيف أن الطفل عادة ما يلجأ إلى الطعام كحالة تعويضية عن نفسيته المتأثرة كثيرًا بمظهره الخارجي، «ودائمًا ما يشعر بضيق من ذاته، وأنه مرفوض، ولا سيّما ما يخص مشاركته واحتكاكه بالعالم الخارجي، غير نظرة الشفقة التي يراها في نظر الجميع». ويشير العقباوي إلى أن هذه الحالة قد تتطور إلى عقدة نفسية إذا تولّد هذا الشعور لديه منذ الصغر فهو يكبر معه، وتتكون لديه رواسب تنعكس على سماته الشخصية في مراحل البلوغ والشباب، وهذا بدوره يفسر زيادة انتشار الاضطراب النفسي والانطوائية، بل والعدوانية أيضًا». غير أن د.العقباوي يحذر من اللجوء إلى الحرمان التام من الأشياء التي يحبها الطفل، ناصحًا بأن يكون هناك دائمًا توازن في العناصر الغذائية التي تبني قوام الطفل بناءً سليمًا، والعمل على تخفيض العناصر غير المفيدة، خصوصًا التي يشاهد إعلاناتها في التلفاز تدريجيًا حتى يتخلص منها قدر الإمكان، وتوضيح ضرر هذه الأطعمة، وتحفيزه على أن يكون رشيقًا نشيطًا حتى يمكنه أن يكون في رشاقة زملائه وحيويتهم، ونجومه المفضلين في مجال الرياضة. .