اضطرابات النـوم
في الإجازة الصيفية

مسيرة حافلة في خدمة الوطن وأبنائه، ونشاطات فاعلة بعد عام حافل بضغوطات العمل، والانشغال بالدراسة والامتحانات، يستقبل الناس موسم الإجازة الصيفية بالتطلع إلى أخذ وقت مستقطع للاستجمام والترفيه. لكن في خضم التجهيزات لمناسبات اجتماعية وترفيهية، يقع كثير من الناس في فخ السهر المفرط، واختلال مواعيد النوم والاستيقاظ بشكل مبالغ فيه، ما ينعكس سلبًا على متعة إجازتهم الصيفية، نتيجة معاناتهم من اضطرابات النوم المختلفة.

د. أيمـن بـدر كريّـم
استشاري الأمراض الصدرية واضطرابات النوم
مدينة الملك عبدالعزيز الطبية بالحرس الوطني بجدة

يمتد هذا التاريخ الكبير لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز منذ عقود. إذ ولد سموه في مدينة الرياض في 5/10/1354هـ الموافق 31/12/1935م. وتلقى تعليمه المبكر في مدرسة الأمراء بالرياض التي أنشأها الملك عبدالعزيز، رحمه الله، عام 1356هـ لتعليم أبنائه، حيث درس فيها سموه العلوم الدينية والعلوم الحديثة وختم القرآن الكريم كاملاً، واحتفل بذلك في عام 1364هـ. وتقلد سموه العديد من المناصب، حيث عين أميرًا

الحرمان من النوم في الإجازات
يحتاج جسم الإنسان البالغ من 7 ساعات إلى 8 ساعات من النوم في اليوم والليلة، للقيام بوظائفه الحيوية على أكمل وجه، وتجنب الشعور بفرط النعاس في أثناء النهار. ويزيد هذا العدد إلى 16 ساعة لفئة الأطفال الرُّضّـع، و9 ساعات إلى 10 ساعات لفئة المراهقين، ويقل من 5 ساعات إلى 6 ساعات بالنسبة لكبار العُمر، فوق 65 عامًا. لذلك فإن معاندة الفطرة السليمة، بالتحرر من النـوم في أثناء الليل، والسهر حتى ساعات الصبح، ثم النوم خلال ساعات النهار، سلوكيات تحرم البدن والعقل من التمتع بالنوم الهادئ. وفي كثير من الأحيان، يتطور الأمر إلى حرمان أحدهم نفسه من النـوم الجيد ليومين أو ثلاثة أيام حتى في أثناء النهار، حرصًا منه على عدم تفويت متعة التسلية في أثناء الإجازة!!
ومن الثابت علميًا أن تلك السلوكيات غير الصحية، تضع أعضاء الجسم المختلفة تحت ضغوطات هرمونية وعصبية كبيرة، نظرًا لاختزال ساعات النوم العميق في أثناء الليل، ونقص التعرض لهرمون النمو الذي يفرز خلال هذه المرحلة بشكل أساسي، ويعمل على صيانة وظائفها ويجدد أنسجتها وما عطب من خلاياها المـُستهلكة.
فعلى سبيل المثال، يمكن للحرمان المزمن من النوم في أثناء ساعات الليل، أن يُسبب جفاف البشرة وتشققها، ويؤثر سلبًا في نضارة العينين، ويجعل من الصعب التخلص من الهالات السوداء المحيطة بهما، كما ينتج عن سلوكيات النوم والاستيقاظ غير الصحية، عدد من اضطرابات النوم والاستيقاظ ما يُعرف طبيًا بالحرمان الحاد والمزمن من النوم، وهو أخطرها وأكثرها انتشارًا، واضطرابات الساعة الحيوية كمتلازمة تأخر مرحلة النوم، واختلال أوقات النوم والاستيقاظ بشكل معاكس. وقد تَحُدُّ هذه الاضطرابات من التمتع الكامل بنشاطات الإجازة الصيفية بسبب فرط النعاس والخمول والصداع، وتعكّر المزاج، وكثرة التململ في أثناء النوم خلال النهار، وارتفاع خطر الإصابة بالزكام والإنفلونزا، واختلال إفراز هرمون الإنسولين، وارتفاع ضغط الدم، إضافة إلى أعراض ارتجاع حموضة المعدة واضطرابات القولون، نتيجة الأكل والشرب بشكل مفرط وغير صحي، في أوقات غير منتظمة.
وبشكل عام، يُـقاوم صغار العمر الأثر السلبي لاختلال ساعات النوم، وتغيير نمطه في أثناء الإجازة الصيفية بصورة أفضل من المتقدمين في العمر، أو المصابين بأمراض مزمنة كانقطاع التنفس في أثناء النوم، وارتفاع ضغط الدم، ومرض السكري، وأمراض الروماتيزم وغيرها، لكنهم في الوقت نفسه، أكثر عرضة لحالات الأرق السلوكي المزمن، وانعكاس نمط النوم ومتلازمة تأخير مرحلة النوم، التي تبدأ عادة في عمر مبكر، نتيجة غياب ثقافة النوم الصحي لدى المراهقين، وفرط تعرّضهم للمؤثرات الاجتماعية والتقنية، كالإنترنت والهاتف النقال، في أثناء ساعات الليل، وضعف توجيه بعض الآباء للالتزام بسلوكيات سليمة للنوم.
ولا تقتصر النتائج السلبية لاختزال ساعات النوم السليم على ما تقدم، فقد أثبتت كثير من الدراسات أن من مضاعفات الحرمان من النوم، بقسميه الحاد والمزمن، زيادة نسبة حوادث السيارات، إلى ما يقرب من 5 أضعاف عند الأشخاص المحرومين من النوم لمدة تزيد على 20 ساعة متواصلة، وكذلك لدى الأشخاص الذين ناموا لمـا يقرب من 4 ساعات فقط في الليلة السابقة للحادث، مقارنة بغيرهم من أصحاب النوم الكافي. كما أن العمل في أكثر من وظيفة، صباحية ومسائية، والالتزام بنظام المناوبات، والقيادة بعد أكثر من 15 ساعة متواصلة دون نوم، وخصوصًا خلال ساعات الليل المتأخرة، تـُعدُّ كلها من العوامل الرئيسة لحوادث السير.

الوقاية.. والعلاج
لا يمكن التخلص من الآثار الخطيرة للحرمان الحاد أو المزمن من النوم، إلا بالنوم السليم وأخذ القسط الكافي من راحة البدن في أثناء ساعات الليل. فتجنب التدخين، والتقليل من تناول المنبهات ومشروبات الطاقة، وتجنب أسباب السهر بالليل، وانتظام ساعات النوم والاستيقاظ حتى في أثناء الإجازات، واحتساب النوم واحدًا من أهم الأولويـات في خضم حياتنا الاجتماعية، والتي يجب احترام مواعيده بصفة يومية، تُعـد من أهم أسباب النوم الصحي والسليم.
أما من يعاني الأرق المزمن أو عدم القدرة على ضبط مواعيد النوم والاستيقاظ، أو أعراض الشخير وغيرها من اضطرابات التنفس أو الحركة في أثناء النوم، أو من زيادة الخمول والنعاس المفرط في أثناء النهار، فمن الضروري له زيارة طبيب اضطرابات النوم، في أقرب فرصة لعرض المشكلة وطلب النصيحة والعلاج المناسبين.

اضطرابات الساعة الحيوية في أثناء
السفر Jet Lag

وتنتج عن اختلاف التوقيت في أثناء السفر الطويل من منطقة زمنية إلى أخرى، وهو ما يعرف علميًا بـ Jet Lag. فكثير من الناس يتعرضون إلى درجات مختلفة من أعراض هذا الاضطراب، الذي يستدعي العلاج في بعض الأحيان.
ويحدث هذا النوع من الاضطراب نتيجة خروج نسق الساعة الحيوية للإنسان، تبعًا لدورة الليل والنهار، عن سياق التوقيت المحلي لبلد المنشأ، بشكل سريع ومفاجئ، كما يحصل في السفر الطويل بالطائرة، وقطع مناطق زمنية متعددة في زمن قصير. فالمسافر من جدة أو الرياض إلى الولايات المتحدة مثلاً، يقطع مناطق زمنية متعددة في وقت لا يتجاوز الاثنتي عشرة ساعة تقريبًا، ويصل إلى مكان يكون اختلاف التوقيت فيه 8 ساعات أو أكثر، ما يسبب تغييرًا حادًا في إيقاع ساعته الحيوية، قد يحتاج إلى عدة أيام للتأقلم على التوقيت الجديد. فبعض البحوث أشارت إلى أن الساعة الحيوية للإنسان، تحتاج قريبًا من يوم كامل مقابل كل ساعة واحدة نتجت عن تغير التوقيت، حتى يمكن للجسم أن يتأقلم تمامًا مع المنطقة الزمنية الجديدة، على فرض اتباعه طرقًا سلوكية رشيدة.
ومن ضمن الأعراض المصاحبة للاختلاف السريع في التوقيت، الأرق في أثناء الليل والنعاس في أثناء النهار بسبب استمرار عمل الساعة الحيوية كما لو كانت في بلد الإقامة، والشكوى من رداءة طبيعة النوم، وكثرة التنبّه والتململ في أثنائه، إضافة إلى سوء المزاج والصداع والخمول، وسوء الهضم، ونقص الشهية، وارتجاع حموضة المعدة، ما يحد من الاستمتاع بالإجازة أو رحلة العمل.
ولا يمكن في كثير من الأحيان التخلص تمامًا من تأثيرات السفر الطويل على الساعة الحيوية للجسم، إلا أن هناك خطوات يمكن اتباعها للتخفيف من أثر تغير المنطقة الزمنية، مثل:
• محاولة اختيار الرحلة التي تصل خلال ساعات المساء الأولى، وعدم النوم في الطائرة لوقت يتجاوز الساعتين كحد أقصى.
• محاولة التأقلم على الوقت الجديد في بلد الوصول بالنوم مبكرًا قبل ساعات النوم المعتادة بعدة أيام قبل يوم السفر باتجاه الشرق، والتدرّب على النوم متأخرًا عن المعتاد قبل السفر باتجاه الغرب.
• ضبط ساعة اليد على توقيت بلد الوصول عند الصعود للطائرة يساعد على التأقلم النفسي على الوقت الجديد.
• وضع سدادت الأذن وغطاء العين للتخفيف من الضجيج وشدة الضوء في أثناء النوم في الطائرة.
• الامتناع عن تناول القهوة والشاي قبل ثلاث ساعات إلى أربع ساعات من الوصول، وتجنب الأطعمة الدسمة والشوكولاته.
• عدم ممارسة التمارين الـمُجهِدة قريبًا من وقت النوم، كما يُنصح بعمل تمارين عضلية خفيفة، بالمشي في الهواء الطلق في أثناء ساعات النهار، حيث يعد ضوء الشمس أقوى منظّم للساعة الحيوية.

الميلاتونين والعقاقير المنومة
في أثناء السفر

من الضروري التنبيه على أن الدراسات العلمية التي أجريت على عقار الميلاتونين بوصفه هرمونًا طبيعيًا تفرزه الغدة الصنوبرية في الدماغ، اختلفت حول أثره الإيجابي في الوقاية من أعراض فرق التوقيت واضطرابات الساعة الحيوية، حيث يمكن لهذا الدواء بجرعات مختلفة، أن يساعد على ضبط إيقاع النوم عند بعض الناس، إلا أن اختلاف التركيز وطريقة التصنيع، وعدم التيقن من استخدامه بأمان على المدى الطويل، تجعل من الصعب طبيًا وصف الميلاتونين بصورة روتينية، كطريقة فعالة للحد من تأثير اختلاف النطاق الزمني على النوم.
أما بالنسبة للعقاقير المـُنـوِّمة ذات المفعول قصير الأمد مثل أدوية «البنزوديازيبين» وما يشبهها، فيمكن تناولها بجرعات صغيرة قبل الخلود إلى النوم بالليل لفترة لا تزيد على يومين أو ثلاثة أيام بعد الوصول، وبمشورة الطبيب المختص، للحد من أثر اختلاف التوقيت على طبيعة النوم، إلا أنه لا ينصح باستخدام أدوية الحساسية، مضادات الهستامين، ومضادات الاحتقان، حيث قد تتسبب في زيادة الخمول في أثناء النهار، والتأرق في أثناء النوم كأثر جانبي عكسي.