الأوريجامي..
علاج بالورق!
هل جربت في لحظات الملل أن تصنع قاربًا ورقيًا، أو طائرة، أو حتى فم ضفدع؟! إن كانت هذه الألعاب مرتبطة لديك بالطفولة فقط، فإننا ننصحك بالعودة إليها.
نانسي أبو حوسة
إن الأثر النفسي الذي تحدثه ممارسة الأعمال اليدوية المختلفة في سلوك الإنسان يجعل المهتمين بالدراسات النفسية يتوقفون أمام فن طي الورق، أو ما يسمى بالأوريجامي. لما له من تأثير إيجابي في النفس التي حاصرتها الكآبة أو أمراض الشيخوخة. لقد أسهم هذا الفن الياباني العريق في الارتقاء بالذائقة الفنية لدى ممارسيها. وعلى الرغم من أن تطوير القدرة على تصميم أشكال مختلفة ومتنوعة من قطعة ورق بسيطة ليس بجديد، إلا أن بفضلها تم التوصل إلى حلول لمشكلات نفسية في مجالي التربية ومكافحة الشيخوخة الذهنية. فهو موجه وفق أهداف تعليمية واسعة، ومع التمرين والمداومة على ممارسته يتم تحفيز الجانب الإبداعي للدماغ البشري وتعزيز ترابطه مع الأعصاب الإدراكية ومن ثمَّ ازدياد القدرة على التفكير باستخدام خطوات هندسية محددة. وبما أن الطي يمارس كهواية أو متنفس حيث لا تلحق به أحكام حول قوانينه أو مدى الإتقان في العمل عليه، فإنه عُد متنفسًا بامتياز لكل من يعانون الخوف والتردد في ظل النقد اللاذع الموجه إليهم، لذا وجدوا في الأوريجامي مجالاً واسعًا للشعور بالحرية والتعبير بتلقائية.
من اليابان إلى العالم
تعني كلمة أوريجامي طي الورق، وهي في الأصل حرفة شعبية يابانية ووسيلة تسلية تقليدية، كل ما تحتاج إليه هو قطعة مربعة من الورق الذي يُطوى في اتجاهات مختلفة حتى تُصنع أشكال ثلاثية الأبعاد جذابة لا حدود لهويتها مثل الأزهار والحيوانات. ويتوارث اليابانيون هذه الهواية بشكل طبيعي من الآباء والأجداد. كانت البداية مع قدوم الورق إلى اليابان في عام 700م، ليبدأ تشكيله في صنع زينة المراسم الدينية. وفي عهد الإمبراطور هييان، أي بعد هذا التاريخ بقرن كامل، ازدهر استخدام طي الورق في لف الهدايا، وصار جزءًا أساسيًا في الأعراس والأعياد وجميع المناسبات المهمة. وفي عهد الإمبراطور إيدو في القرن السابع عشر الميلادي أصبح فنًا معترفًا به تراثيًا في كل اليابان. ومع مطلع القرن العشرين
أصبحت للأوريجامي مدارس وأصول، لينتشر بعدها على يد رواده اليابانيين في شتى بقاع العالم. في الثمانينيات انكبت مجموعة من المحترفين اليابانيين على تعقيد فن الأوريجامي بسبب اهتمامهم بدراسة الرياضيات المختلفة حول تحويل مقاسات مختلفة من الأaوراق إلى أشكال معقدة يصعب التصديق أنها صنعت من الورق، الا أن حرفة طي الورق بالطريقة المبسطة وجدت طريقًا أسرع لهاوي هذا الفن الدقيق. وحول أصل فن الأوريجامي هناك أقوال تعارض نسبته إلى اليابان بسبب طبيعة الورق الضعيفة أمام مرور الزمن، إذ يصعب الحفاظ عليه وصيانته من التآكل، لذا لا يمكن الجزم بأصوله وتاريخه. وحجة هذه الأقوال هو وجود العديد من الفنون المشابهة للأوريجامي في الصين والعديد من الدول الأوروبية.
المهارات لا تُنافس
أثبتت الأبحاث والتجارب الطبية التي تهتم بتطور الدماغ البشري منذ الولادة وحتى الشيخوخة، أن الأشخاص الذين لديهم معرفة كاملة بالأوريجامي يمتلكون قدرة أكبر على تطبيق المفاهيم الهندسية الرياضية المختلفة ولو دون علمهم، كونها تُعد من الأعمال التفصيلية الدقيقة. وعلى عكس غيرها من أشكال الفنون الحرفية التقليدية، لا تهتم الأوريجامي بالمظهر المادي لمحاولات نشر التراث الثقافي عبر الترويج للمنتجات الحرفية، بل هي تركز على خصوصية الهواة وتحفيزهم على إطلاق عنان المخيلة لإبداعاتهم الفردية. لذلك لا يقع محترفو الأوريجامي تحت ضغوط المنافسة والحاجة إلى توافر الموارد الأساسية. ومع انتشار الورق العضوي غير الضار بالبيئة، ارتفع رصيد هذا الفن لدى جميع الأذواق الثقافية.
علاج بديل
إن في جوهر برامج التأهيل النفسي والجسدي بالفنون أداة لتحقيق أغراض العلاج مهما بلغت مدته. ففي طي الورق ينشد المعالجون تنمية المقدرة الإبداعية وتقوية الخبرات المعرفية لتحقيق الحد الأدنى من التكامل بين العمل والنتيجة لدى الذين يخضعون للعلاج، فيدفعونهم إلى البحث عن طرق استجابة الورقة المربعة للشكل النهائي في مخيلتهم، وبذلك يحدث تمثيل بصري لأفكارهم الخاصة. ومع مرور الوقت يتحقق النمو النفسي والعاطفي. فمثلاً، في حالات التأهيل النفسي يعاني المريض انفعالات نفسية ذات تأثير سلبي في صفائه الروحي وشعوره بالرضا عن النفس، فيساعده الورق من خلال تشكيل ما يريده على التعبير عن أفكاره التي تثير أحاسيسه. وهذا ما يسميه علم النفس بعملية إسقاط الانفعالات السلبية وتفريغها ومن ثمَّ العيش بسلوك صحي وسليم. أما في حالات التأهيل الجسدي فلطي الورق دور فاعل في العلاج البدني وإشعار الذي يخضع للعلاج النفسي بأنه قادر على الإنتاج، وبذلك يتقبل وضعه بشكل إيجابي ويرفع روحه المعنوية. أما مرحلة الشيخوخة التي يتعرض فيها المسنون لضغوط نفسية وجسدية، لا سيما إذا اقترنت بوضع صحي غير مستقر، يصبح الأوريجامي فنًا يشبه العلاج بالعمل. وعدا عن أهميتها في ترفيههم ودفعهم للخروج من حلقة الملل والاكتئاب، يسهم الأوريجامي بشكل مؤكد في تحسين ذاكرتهم أو على الأقل منعها من التراجع والتعرض لأمراض النسيان والخرف والزهايمر.