«صباح التعب أو العتب.»
قالها بصوت خافت.
تابع وهو يتأمل في الأفق: مجرد سلام..
حتى لا تجف أوراق الذكريات المنسية.
في مكان بعيد. كان هناك من يصغي بصمت. يجعل الكلام يتكثف، مثل رغوة الكابتشيونو في المقهى ذاته الذي تعود أن يجلس فيه يوميًا.
وفي مكان قريب، كان هناك من يصغي أيضًا.
بعد أن لفته المشهد اليومي.
هناك مقهى دومًا، وهناك إنسان يجلس على مقعده وحيدًا، يسرح في الأفق، يبدو كأنه يتأمل وجوه الناس،
وهو خارج إطار المكان والزمان.
كان يتوكأ على حزمة من الذكريات، ويتخذ مقعده كل صباح، في مقهى عتيق في شارع التحلية في الرياض.
لم يكن أحد في المقهى يسأله ماذا يريد؟ كانت طلباته تأتيه فورًا. هي تتغير بتغير الأوقات فقط. الصباح قهوة تركية مرة. يرشفها وهو يستحضر حزن السنوات. يقرأ الصحيفة الخضراء. يتأمل السيارات القليلة التي تعبر من الشارع في هذا الوقت من الصباح.
يفتح هذه اللحظة رواية كائن لا تحتمل خفته، يستعيد من خلالها صورًا أخرى، لأمكنة لا تزال تستوطن ذاكرته. يعرف أن هذا المزج بين الـ«هنا» والـ«هناك» أحيانًا لا معنى له. لكنه اعتاد إعادة تشكيل الأماكن كما يحب.
يمزج تحلية الرياض، بشانزلزيه باريس. يغمض عينيه قليلاً تأخذه الدهشة صوب عين ذياب في كازابلانكا وسوليدير في بيروت وحتى تيرانا في ألبانيا.
كان دومًا يردد: السفر فاكهة الحياة.
لكنه فجأة قرر أن يتوقف عن هذا الركض!
بعد كل رحلة، كان يعود إلى المقهى ذاته. هناك كان يشهد أعدادًا من أولئك يشبهونه في كل شيء. يختارون طاولة على الرصيف. عادة هم لا يغيرون أماكنهم. كل طاولة تحمل بشكل غير مرئي اسم شاغلها الصباحي. أحيانًا يمر وقت طويل، حتى يستوعب أن هذه الطاولة أو تلك أصبحت شاغرة،
حتى يأتي شخص جديد ويشغلها بشكل يومي.
كان الغياب يملؤه حزنًا. الذين يأتون هنا، يحاولون أن يتمردوا على حالة التقاعد التي فاجأتهم. عادة يلبسون أجمل ملابسهم، يخرجون من المنزل في الوقت المعتاد، يعيشون حالة ضياع سرمدية لبضعة أيام، ثم يكتشفون هذا المكان، فتتسلل لهم الطمأنينة.
كان الخوف من الموت هو العامل المشترك بينهم. كلهم له قصته الخاصة. بعضهم تبدو همومه مغروسة على تضاريس وجهه.
تحكي عنه دون أن يحكي.
بعضهم الآخر يبدو أقرب للبئر العميقة. تضاريس وجهه لغتها صعبة. لا يمكنك أن تخمن، هل هو سعيد أم حزين؟ هذا الوجه يخفي خلف ملامحه حكايات صعبة.
هو يتأمل، في لحظات، كل هذه التفاصيل، ويواصل الحديث:
«ما زلت في الرياض، ولكنني أتمنى أن أجد طريقة للسفر إليك.»
في الجوار، كان هناك متطفل يرسم على وجهه ابتسامة.
كان يرصد هذه التفاصيل منذ أيام. قرر أن يتابعها بصفتها مشهد حياة. بينما كان الآخر يواصل سرد تفاصيله اليومية، نومه وصحوه، وطعامه، وإحساسه بالوحشة بعد أن صار وحيدًا، أشواقه التي لا تنضب، ووعوده المؤجلة بالسفر على أقرب رحلة.
|