صبغات الطعام
لون جميل ونكهة غير طبيعية
عندما تُقدم لنا قطعة من كيك الجزر وكوب من عصير الكرز الأسود، نعتقد أننا حصلنا على غذاء صحي به شيء من الخضار والفاكهة. إلا أن قطعة الكيك المعدة من الخليط الجاهز لا تحتوي على الجزر إطلاقًا، بل هي قطعة منكهة من شراب الذرة والحبوب والطحين والزيوت المهدرجة مع إضافة صبغة صفراء وأخرى حمراء. أما عصير الكرز المعلب فلم يذق طعم الكرز واستعيض عنه بصبغة حمراء.
تدخل المواد الملونة في معظم المنتوجات التي نبتاعها يوميًا وحتى تلك التي لا نتوقعها، كالزيتون والمخلل والخبز، وتوابل السلطة، وهي صبغات تضفي على الطعام لونًا ذا ثبات واستدامة، وتأتي الحاجة إلى استخدامها بسبب افتقاد الطعام لجاذبيته وجزء من لونه مع الطهي. تنقسم المواد الملونة إلى طبيعية وأخرى صناعية، يستخلص النوع الأول من مصادر طبيعية نباتية وحيوانية ومن المعادن، وقد تدنت نسبة استخدامها مع انتشار الملونات الصناعية، وهي بدورها مركبات كيميائية تتمتع بالنقاوة وكثافة اللون. لقد عرف فن تلوين الطعام منذ أكثر من قرن، حيث كان يستخلص اللون من المصادر الطبيعية فقط. إلا أنه مع تقدم الحياة وازدهار الصناعة وازدياد حركة الاستيراد والتصدير، أصبحت الحاجة ملحة إلى إيجاد مواد أكثر توفيرًا وأسرع تصنيعًا لتدور عجلة الإنتاج.
كثر الجدل حول السلامة الصحية لهذه المواد، فهي وإن خلت من الضرر بحد ذاتها، إلا أنها حين تضاف للطعام تتغير المعادلة أحيانًا، وهكذا لا بد أن تخضع المواد الملونة للتقييم بحسب المادة الغذائية المضافة لها. من أهم اللجان التي تعنى بسلامة المواد الغذائية: وكالة الغذاء والدواء FDA، ولجنة JECFA للمواد المضافة. تشترط FDA مطابقة المادة الملونة لأربعة شروط حتى تحصل على التصريح بالاستخدام، وهي:
أولاً: إثبات أن المادة آمنة صحيًا ولا تسبب السرطان.
ثانيًا: لا يحمل استعمالها أي نوع من الغش التجاري.
ثالثًا: تحقق المادة النتيجة المرادة.
رابعًا، تم اختبارها على فئران التجارب وأثبتت سلامتها. وفقًا لهذه المعايير تم إعطاء كل مادة رقمًا بجانب حرف E،
ثم قسمت المواد لأربعة أصناف مجدولة ليسهل على المستهلك معرفتها وهي: ممنوعة، خطرة، مشكوك فيها، وسليمة. كما أنه منذ أواخر الثمانينيات تم تحديد نسبة معينة معروفة عالميًا من كل مادة يمكن للشخص تناولها يوميًا دون ضرر، إلا أن الالتزام بهذه النسبة يبقى طوع خيار المستهلك. وقد قامت المؤسستان وغيرهما بالعديد من الدراسات التي على أثرها فرضت بعض القوانين على مصنعي الغذاء.
رغم هذه الاحتياطات يبقى السؤال حاضرًا في ذهن المستهلك: إلى أي مدى يصل ضرر هذه المواد على الصحة؟ تقدم الدراسات والإحصائيات بعض الأجوبة، فقد أشارت دراسة نشرتها مجلة التايمز إلى أنه طلب من شركتي كوكاكولا وبيبسي استبدال مادة «الكارسينوجينز» التي تعطي اللون الغامق، حيث وجد أنها مسببة لمرض السرطان. وفي تجربة أخرى، أعطيت الفئران كميات تبلغ مئة ضعف من نسبة استهلاك الفرد من ملون الكراميل، فوجدوا أن الفئران أصيبت بخلل في عمل خلايا الدم البيضاء خصوصًا في منطقة العقد اللمفاوية. هناك دراسة صدرت عن جامعة ساوث هامبتون في بريطانيا، ونشرت في مجلة لانست العلمية، توصلت إلى أن المواد الكيميائية المضافة للغذاء، والملونة منها خاصة، تؤدي لارتفاع نسبة خطر الإصابة بمرضADHD- فرط الحركة واضطراب التركيز وتهيج السلوك عند الأطفال. وقام بروفيسور الطب النفسي، جيم ستيفنز من الجامعة نفسها، بعمل دراسة لمدة ستة أسابيع شملت 300 طفل لقياس تأثير المواد المصنعة في أجسادهم، كمادة بنزين الصوديوم، وتوصل إلى أن الأطفال الذين تناولوا مشروبات تحتوي على هذه المواد، أظهروا انخفاضًا في نسبة التركيز، وزيادة في النشاط المصحوب بنوع من التوتر. كما أجمعت دراسات متعددة على أن أهم المشاكل التي تسببها الملونات هي حساسية الجلد، وحساسية الجهاز التنفسي، وإضعاف جهاز المناعة، وعسر الهضم، وارتفاع الكوليسترول، والسمنة، وقد تسبب تشوهات خلقية إن أخذت بجرعات كبيرة. رغم كثرة هذه الأضرار المثبتة علميًا، إلا أن الشركات الغذائية لا تستغني عن استخدامها، إذ إن الصبغات أقل سعرًا من المقادير الصحية، وتجعل الطعام يبدو طازجًا وصحيًا، وتعطي الطعام عمرًا أطول، وألوانها الجذابة تدفع المستهلك والأطفال خاصة للشراء. من الصعب فرض الرقابة بصرامة على جميع ما يصل الأسواق، فعلى المشتري أن يكون واعيًا بفوائد ما يتناوله وأضراره باستمرار، وأن يوازن بين الحصول على ما يبدو شهيًا وما يفيد الجسم حقًا.