رعى خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، يوم الأربعاء السادس عشر من ربيع الأول 1433، الموافق الثامن من فبراير 2012، انطلاق الدورة السابعة والعشرين للمهرجان الوطني للتراث والثقافة الذي ينظمه الحرس الوطني سنويًا في قرية الجنادرية. ولقد غاب في هذه الدورة للمهرجان الأوبريت الغنائي، والعرضة النجدية بأمر من خادم الحرمين الشريفين، وذلك تضامنًا مع الشعب السوري، وما يحدث من سفك للدماء، وما حدث في مصر من وفاة للأبرياء. الجدير بالذكر أن جمهورية كوريا الجنوبية هي ضيف شرف المهرجان لهذا العام.
تصوير: هشام نصر شما
مهرجان الجنادرية 27
غياب الأوبريت والعرضة النجدية تضامنًا مع الأشقاء السوريين
كل عام، منذ 27 عامًا، يستدعي مهرجان الجنادرية ذاكرة الآباء والأجداد، ليُحفز نافذة التذكر على أن تفتح مصراعيها، تاركًا مساحة حقيقية للتعايش مع الحنين بين قراها التراثية، فتستدعي معها رائحة الطين، وصوت السواني، وألف باء التعليم على ألواح من خشب، و«مطوع» لا يشفع للخاطئين زلاتهم. نستدعي شظف العيش القديم وبساطته وسط ترف الجنادرية الجديدة.
إنها لوحات حية تعرض بتواتر أمام زوار يبحثون عن ماضيهم أو يتعرفون ماضي من سبقوهم. هي لوحات تستحق أن تعيشها بتفاصيلها لتكون أنت أحد أبطالها. لا يمنعك من ذلك سوى أن تبادر بالتجربة، كأن تمسك بالمغزل من يد العجوز البدوية، وتحاول أن تستخرج من عهن الصوف خيوطًا، أو تحاول أن تصنع من عسيب النخل اليابس سلالاً أو حصيرًا. تستشعر بأن يديك تصنعان ما كان له قيمة في حياة أناس اعتمدوا على ما تجود به بيئتهم فتكيفوا معها.
الجنادرية لم تعد ذلك الراوي الذي يبهجنا بالحكاية أول مرة ثم يمضي، بل تجاوزت ذلك لتصبح مناسبة سنوية رفيعة المستوى، تبدأ بسباق الهجن الأصيلة معلنة بدء انطلاق الفعاليات، وترحيب القرى التراثية بزوارها، فكل قرية من قرى الوطن الكبير تستمد من ماضيها أسلوبًا للضيافة، فهناك من يستقبلك بعقود الفل وأكاليل الريحان، وهناك من يستقبلك بفناجيل القهوة العربية، وهناك من يقدم لك التمر بفخر زراعته وصرمه وتدبيسه. بين المواويل الحجازية والعرضة النجدية وصوت الربابة القادم من الشمال، ويامال البحر، والرقص التهامي، تعيش لحظة تتبعها أخرى مختلفة عن سابقتها، تنطلق بسرعة البرق من منطقة في أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، ومن أقصى الغرب إلى أقصى الشرق، وأنت ما زلت في وسط الجنادرية. تستشعر في الجنادرية كأن التاريخ يمشي مزهوًا جنبًا إلى جنب حاضر ومستقبل واعد، فكل عام تجد شيئًا جديدًا يضاف إلى ما سبق، فيشارك، هذا العام، الأشقاء من دول الخليج بفلكلورهم الشعبي الذي لا يختلف كثيرًا عن الفلكلور الشعبي في المملكة العربية السعودية.