نحن الآن نعيش عصر السرعة، عصر السباق من أجل حياة أفضل، عصرًا مختلفًا عن الحداثة، وأشد بعدًا عن عصر النهضة، نحن الآن في عصر ما بعد الحداثة، عصر رفض فنانوه التصور الذي بقي مسيطرًا على الفن التشكيلي, فحرروا الفن من وظيفته التسجيلية الوصفية ليقدم نتاجًا جديدًا يتلاءم مع الذوق السائد ومتطلباته. ولقد أدى هذا إلى تبدل رؤية الفنان، وظهور تقنيات وطرق أدائية جديدة لم تكن مطروحة من قبل في الفن التشكيلي.
ليلى بنت عبدالله الغامدي
لقد كان للثورة الصناعية على مجمل الحياة تأثير قوي، فاستحوذت التقنيات الحديثة على الفنان حتى أصبح خصمًا للقيم التقليدية، وبدلاً من الإنسان، والطبيعة، والمجتمع، أصبح الطابع العقلاني، والرياضي، والواقعي المادي له السيادة. ولجأ الفنانون إلى الخيال، ولكنه خيال مريض كالذين صنعوه من الداديين، والسرياليين في العصر الحديث.
وبشيء من التأمل نجد تحول فن التصوير من حالته القديمة التي كان أساس معيارها الجمالي هو المحاكاة التسجيلية الوصفية إلى مفهوم جديد ارتبط بأحداث المجتمع بصورة أكبر، حيث أصبح الفن انعكاسًا حقيقيًا أو شاهد عيان لمعطيات العصر. فن «الفوتومونتاج» أحد أساليب فنون ما بعد الحداثة، حيث غاب الشكل وبقيت موضوعات الحياة، تُناقَش، وتُنَظم، وتُوضع لها الحلول، فنصل بذلك إلى رسالة مثلى للفن في خدمة الفرد والمجتمع ومن ثمَّ العالم أجمع.
ما بعد الحداثة وتطور الفوتومونتاج
على الرغم من أن الفن الحديث كان حريصًا على الشكل، وكانت الدادية أول حركة في الفن الحديث لم تعتن بالشكل وجمالياته، وكانت تمهيدًا لما بعد الحداثة «الفن المعاصر».
ويرى الفنان الدكتور عبدالناصر ونوس، أن الصورة الضوئية اليوم، تأتي في مقدمة وسائل تدجين العالم، واحتلّت الصدارة كبديل عن لغات الاتصال الأخرى، لما تتمتع به من قدرة وسرعة في الوصول إلى المتلقي أينما وجد، فهي «أي الصورة الضوئية المدروسة» تخضع لعملية انتقاء، كي تتوافق مع فكرة العمل وأهدافه، وكذلك في باقي مكونات العمل الفني وعناصره الأخرى، من رسم ولون ونص وأشكال ورموز، وصولاً إلى منتج فني يملك قوة الجذب والتأثير، وسرعة التواصل مع ما يحمل من موضوعات وأفكار، وإدخال الصورة الضوئية على صورة أخرى، أو الرسم المنفذ باليد على الصورة الضوئية، بوساطة البلورات السلبية «النيجاتيف» أو بوساطة الحاسوب، وهو ما يدعى بتقنية «الفوتومونتاج».
ونوس واحد من الفنانين الذين أبدعوا في تقنية «الفوتومونتاج» مجموعة كبيرة من الملصقات الفنية اللافتة في قيمتيها التشكيلية البصرية الرفيعة والمتقنة، وفي أبعادها الفكرية المضمونية الفاعلة والمؤثرة، وهو عبر ملصقاته التي حققت حضورًا محليًا وعالميًا، تصدى لجملة من المواضيع السياسية والاجتماعية الراهنة، ترتبط بشكل وثيق بما يدور حوله، وعبدالناصر يقف دومًا في أعماله الفنية، مع الجانب الخيّر والنبيل من الحياة، يدافع عنه ببسالة، وينتصر لقضايا الإنسان المستلب المكافح والمناضل من أجل بلاده ومستقبله ومستقبل أطفاله، ومن أجل أن يسود العدل وتكافؤ الفرص والأمن، هذا العالم القلق، الخائف، المهدد بمزيد من الحروب والكوارث والاستلاب المتعدد الأوجه.
ما يلفت الانتباه في ملصقات الفنان ونوس، حُسن اختياره لعناصر ملصقه، من صور ضوئية، وأشكال بصرية، وعناصر ورموز ونصوص، يقوم بتوليفها وتوظيفها في ملصقه بشكل متقن ومنسجم، يفضي بيسر وسهولة إلى فكرته اللصيقة بهموم وطنه وأمته وقضايا الإنسان العادلة والنبيلة.