لقد عُرفت الجسور منذ زمن قديم، حيث كانت تبنى من الأحجار أو جذوع الأشجار والحبال. أما الجسور اليوم، فهي تُعد من أهم الإنشاءات التي صممها الإنسان وأضخمها.

بين الهندسة والتصميم
لا تكاد تخلو عاصمة أو مدينة كبرى من جسر خرساني في محيط، أو معلق في واد سحيق، أو حديدي يربط نقطة بأخرى. تتفاوت الجسور وأطوالها وارتفاعاتها ما بين أمتار قليلة إلى العديد من الكيلومترات. وتجنبًا للكوارث فإن المتطلبات الأساسية لبنائها هو متانتها ومدى تحملها للثقل وللزمن، وأن يكون هيكلها قادرًا على مقاومة التغيرات وعوامل الطبيعة كالهزات الأرضية والزلازل والعواصف القوية. بعد ذلك تأتي قيمتها الجمالية، التي ربما، صُممت لتناسب الثقل والتحمل.
للجسور أنواع عديدة لعل أهمها: جسور العوارض، والجسور الكابولية، والجسور المعلقة، والجسور المثبتة بكبلات معدنية، والجسور الجمالونية، والجسور المعقودة، والجسور المتحركة.
ومن حيث الشكل تتنوع الجسور ما بين جسور مستقيمة ظهرية، وجسور منحنية ظهرية، ومسبقة نفقية، ومنحنية نفقية. ولعل من أشهر مهندسي الجسور الذين أضافوا في هذا القرن الجديد في هذا المجال هو المهندس الإيطالي ريكاردو موراندي1902- 1989 الذي صمم جسر وادي الكوف، في ليبيا عام 1970، و والذي شيّد في عام 1968. وتتميز جسور موراندي الكبلية بأنها ذات حبال دعم قليلة، حيث يعتمد على الخرسانة عوضًا عن الفولاذ، لذا فهي أقل تكلفة من الجسور الأخرى. ولقد تأثر بأسلوبه الهندسي عدد من المهندسين.

أيقونات ورموز للمدن
توجد جسور تعد أيقونات عالمية، ولها من التاريخ ما يستحق الوقوف عليها، مثل: جسر بروكلين في نيويورك، وهو من أقدم الجسور المعلقة في العالم، ويربط ما بين أهم أحياء نيويورك وهما: مانهاتن وبروكلين. ولقد استغرق تشييده 13 عامًا، وافتتح في عام 1883 وسط احتفال كبير حضره آلاف من الناس، ولكنه لاقى في بدايته شائعات مفادها أنه مُعرّض للانهيار، لكن كعادة النيويوركيين في قتل الشائعات قادوا 21 فيلاً فوق هذا الجسر من مانهاتن إلى بروكلين والعكس. كان جسر بروكلين يُعد أطول جسر معلق في العالم حتى عام 1903، كما أنه قد أصبح رمزًا ومعلمًا بارزًا لمدينة نيويورك. أما جسر البوابة الذهبية أو جولدن جيت فهو رمز لمدينة سان فرانسيسكو، وقد شيد في عام 1937، تعود أهميته إلى أنه يربط مدينة سان فرانسيسكو من الغرب بمدينة سوساليتو. ويفصل بين خليج سان فرانسيسكو والمحيط الهادئ. وقد تم طلاؤه باللون البرتقالي، وعلى من يعبر هذا الجسر دفع 6 دولارات.
كثيرة هي الجسور التي أنشئت كهمزة وصل بين ضفتين، فتحمل الناس من ضفة إلى أخرى دون عناء. ولعل جسر خليج هانغتشو في المنطقة الساحلية الشرقية من الصين من أهم هذه الجسور، افتتح في عام 2008 ويعد من أطول الجسور في العالم، إذ يتعدى طوله 35كم. ولقد واجه الكثير من التحديات والصعوبات في إنشائه، حيث ظهر غاز الميثان من الخليج في أثناء الحفر فأعاق العمل، ورغم ذلك صمدت الشركة المنشئة وتجاوزت جميع العقبات. أما أطول جسر في العالم، الآن، فهو جسر تشينغداو في الصين، أيضًا، ويربط بين تشينغداو وهوانغداو، وافتتح في يونيو عام 2011، وهو مؤهل للدخول في موسوعة غينيس كأطول جسر في الماء، إذ يبلغ طوله 42كم بعد أن أزاح جسر بحيرة بونتشارترين من القائمة في جنوب لويزيانا في الولايات المتحدة الأمريكية والذي يبلغ طوله 38كم. إن الجسور المقامة في البحار من أضخم الإنشاءات التي قام بها الإنسان، فهي الرابط والواصل بين المدن والدول، وفي إنشائها مفاجآت ربما لا تخطر على بال من يعبره. وأمثلة هذه الجسور على المستوى العربي جسر الملك فهد الذي يربط المملكة العربية السعودية بمملكة البحرين. وقريبًا سيكون هناك جسر المحبة الذي يربط بين دولة قطر ومملكة البحرين أيضًا.

جسور في الهواء
سميت مدينة قسنطينة إحدى ولايات الجزائر وعاصمة الشرق الجزائري بمدينة الجسور المعلقة، وذلك لكثرة الجسور التي تجاوز عددها الثمانية، وهي مبنية خلال عصور متفاوتة. ولعل أقدمها جسر باب القنطرة الذي بناه الأتراك عام 1792، وهدمه الفرنسيون وأقاموا مكانه جسرًا آخر في عام 1863. تتنوع جسور قسنطينة بين جسور المشاة وجسور ذات اتجاه واحد. لكن هذه الجسور الأثرية تحتاج إلى ترميم وصيانة وقد أنشئت في عصور مختلفة، يجمعها أنها تحت وداي الرمال الذي يمر في قسنطينة القديمة. عندما نتطرق إلى الأودية والجسور التي أقيمت يجب ألا نغفل عن جسر الميلاو، وهو من أشهر الجسور المعلقة وأطولها في العالم، ويقع في جنوب فرنسا، ويمتد في واد تارن، وهو أعمق الوديان في أوروبا، ما جعل الجسر أطول من برج إيفل، حيث يصل ارتفاع دعاماته إلى 343 مترًا. ولقد افتتح في عام 2004 وتكفلت الشركة المنشئة له بضمانة لمدة 120 عامًا.
أما الجسر المعلق الذي يقع في غرب العاصمة الرياض وينهض من وادي لبن، فيعد من الجسور الكبلية الحديثة والجميلة التصميم، حيث أنشئ ليكون بمنزلة حلقة الوصل التي تكمل الطريق الدائري الغربي الشمالي، ويعد جوهرة جميلة في عقد مشروعات الطرق بالمملكة، ويبلغ طوله 763 مترًا، وارتفاعه 90 مترًا. ولقد استغرق تشييده 6 سنوات ونصف السنة، وافتتح في عام 1999.

من نوع آخر
هناك جسور تستمد شهرتها من قِدَمِها، أو من جمالها، أو من تصميمها الفذ، وليس من ارتفاعها أو من طولها كجسر هاربر في سيدني الذي يعد من أشهر الجسور، ويربط مدينة سيدني بشاطئها الشمالي. وهو جسر معدني مقوس يسمح بعبور جميع وسائل النقل والناس أيضًا، وهو رمز سياحي ومعلم من معالم المدينة. أما جسر البرج في لندن فهو أحد أهم معالم مدينة الضباب، ولقد افتتحه ادوارد السابع في عام 1894، وأنشئ ليحل مشكلة عبور نهر التايمز ويربط بين ضفتيه. وهو جسر متحرك، ويخترق البرج لذا سمي جسر برج لندن. أما جسر الشيخ زايد في مدينة أبوظبي فيستمد شهرته من جمال تصميمه، حيث صممته المهندسة زهاء حديد فجاء تحفة فنية بيضاء. وهو المعبر الثالث لجزيرة أبوظبي، وافتتح عام 2010.. ومن المتوقع أن تستمر صلاحيته 100 عام.

الجسور في الأفلام
للجسور في الأفلام قصص وحكايات. ولعل أشهر الأفلام التي كان الجسر بطلاً فيها هو فيلم «جسر على نهر كواي»، وهو فيلم بريطاني تدور أحداثه في معسكر ياباني لأسرى من الجنود البريطانيين يجبرون على بناء جسر خشبي على نهر كواي، وذلك في أثناء الحرب العالمية الثانية، وبعد أن يشيدوا الجسر يقومون بنسفه في عملية فدائية، حيث إن الجسر سينقل قطارات العدو. ولقد حاز هذا الفيلم الأوسكار. وكما للجسور مكان في الأفلام فإن لها مكانًا في قصائد الشعراء وفي روايات الكتاب، ولعل أفضل بيت سُجل فيه الجسر عربيًا كان بيتًا للشاعر العباسي علي بن الجهم يقول فيه:
عيون المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
فياللجسور التي كانت جزءًا من الذاكرة، فهي الواصل الفاصل!