القطن

بقلم: محمد سعيد المولوي

رسم: ريم العسكري

 

قال محمود لأبيه ذكرتَ لنا يا أبي فيما سبق أنَّ الجلودَ يؤخذُ منها الصوف، وتصنعُ منه المراتبُ والملابسُ والجواربُ، فمن أيِّ الجلودِ يؤخذُ القطنُ يا أبي؟ ضحك الأبُ وقال: لا يا بني.. إنَّ القطنَ مادةٌ زراعيةٌ وليست حيوانية، فالقطنُ لا يؤخذُ من الحيوانات كالصوف، وإنما من نبتة القطن. ويكونُ الحصولُ على القطن بحراثةِ الأرض، ثمَّ تبذرُ بذرةُ القطنِ وذلك بدسِّها في التراب، وتسقى الأرضُ بالماء، وبعد بضعةِ أيام تبدأ بذرةُ القطنِ تتفاعلُ مع الأرض فينبت لها جذرٌ يتَّجه نحو باطنِ الأرض، وينبت لها ساقٌ يتَّجه خارجَ الأرض، فإذا بدأتِ النبتةُ في النمو عمد الفلاحُ إلى تعشيب الأرضِ جانب النبتات، وذلك بنزعِ الأعشابِ الضارة التي تشاركُ نبتةَ القطنِ في غذائها، ويعمدُ الفلاحُ إلى نثرِ السماد وهو غذاءُ النبات إلى جانبه، وحين يسقى النباتُ يذوبُ السماد وتمتصُّه الأرض فيصل إلى جذورِ نباتِ القطن، فينمو النبات ويكبر، ويحرص الفلاح، حين يشتدُّ سوقُ هذا النبات ويبدأ بالأزهار، على رشِّ نباتِ القطن بالمبيداتِ الحشرية التي تقضي على دودةِ القطن، وهي دودةٌ خطيرةٌ تقضي على نباتِ القطنِ وجوزةِ القطن التي تُخرِجُ من داخلِها أهدابَ القطن التي تسمى «التيلة» وهي التي تُجمعُ في بدايةِ فصلِ الصيف. حينَ يجمعُ الفلاحُ تيلاتِ القطن يجعلُها في أكياسٍ كبيرةٍ ثم ينقلها إلى محالجِ القطن، وهي معاملُ ضخمةٌ فيها آلاتٌ كبيرةٌ تتولى فصلَ بذورِ القطن عن تيلاتِ القطن، وما علق بالتيلات من أجزاءِ جوزة القطن. وأحبُّ أنْ أذكرَكم يا أبنائي أنه لا شيءَ من نباتِ القطنِ يُرمى، فإنَّ سيقانَ أغصانِ القطنِ وأوراقَه تأكلُها المواشي من أبقارٍ وأغنامٍ وهي غذاءٌ جيِّدٌ لها. أما البذورُ فإنها تؤخذ إلى المعاصر فتعصرُ في آلاتٍ مخصصةٍ فيسيلُ منها زيتٌ يستعملُ في قلي الأطعمة في المطاعمِ والمنازل، كما يستعملُ في صناعةِ الصابون وغيرِه من المواد الصناعية، أما بقايا بذورِ القطن المعصورة، وتسمى كسبة القطن، فإنها تستعملُ في تغذيةِ الحيوانات. أما تيلاتُ القطن فهي تختلفُ باختلافِ نوعِ القطنِ المزروع، فهناك القطنُ ذو التيلاتِ الطويلة أي ذو الشعراتِ الطويلةِ من النبات، وهو أفضلُ أنواعِ القطن، وهناك القطنُ ذو التيلاتِ القصيرة، وهناك القطنُ الأبيضُ الناصع، وهناك القطنُ الذي يميلُ إلى الصُّفرة. ويؤخذُ عادةً القطنُ المحلوجُ إلى آلاتٍ تقومُ بفتلِه على شكل حبالٍ متصلةٍ تكوِّنُ بكراتٍ كبيرةً، وتؤخذُ هذه البكرات إلى محالجَ أصغرَ تحوِّلُ الحبالَ إلى خيوطٍ ملفوفةٍ على بكراتٍ صغيرةٍ، حيث تصبحُ البكراتُ هذه جاهزةً للوضعِ على الأنوالِ وآلاتِ النسيج لينتجِ عنها قماشٌ يستعملُ في صُنعِ الملابسِ وغيرِها. وسأل محمود أباه: أما وقد تكرمت علينا بهذه المعلوماتِ عن القطن والتي كنّا نجهلُها ونحبُّ أنْ تغني معلوماتِنا أكثر.. وقال الأب: على الرَّحبِ والسعة. يا بني يكاد العلماءُ يجمعون على أن موطنَ القطن هو بلادُ الصين، وأنه كان منتشرًا فيها منذ آلاف السنين، وأنَّ زراعة نباتِ القطن انتقلتْ إلى بلادٍ عديدةٍ من أشهرِها مصر التي نالت أقطانُها مكانةً عالميةً كبيرةً، وقد استعمل القطن من قبل الفراعنة مع الكتان في تحنيطِ الملوكِ الفراعنة، كما انتشرتْ زراعةُ القطن في سوريا وأمريكا وتركيا ودولٍ أخرى. ولعلَّكم تذكرون من معلوماتِكم أنَّ القطن يدخلُ في مجالاتِ الحياةِ المختلفة، فهو يستعملُ في صناعة الملابس الداخلية، ولا يُخفى أنَّ الملابس الداخلية القطنية هي أفضلُ أنواعِ الألبسة لما يتمتع به القطن من رقةٍ ونعومة، كما أنه يستعملُ في صناعةِ الملابس الخارجية، ويستعملُ في صناعةِ الجواربِ التي تُعَدُّ من الأنواعِ الجيدة للاستعمال في الصيف، ويستعملُ القطنُ في الستائر والمفروشات وفي المجالاتِ الطبية والصناعية والزراعية. وإجمالاً، القطنُ من أهمِّ النباتات بعد القمح التي تدخلُ في حياةِ البشرية وتستفيد منها، وأنا أنصحُكم يا أولادي أن تستعملوا الملابسَ القطنية وتفضلوها على الملابسِ المصنوعة من المواد البترولية. قال محمود: إننا عاجزون يا أبي عن شكرِك ولعلَّنا نحاولُ الاستفادةَ من علمِك في فرصةٍ أخرى بالحديثِ عن الكتّان.