الكلت..
تنورة اسكوتلندية
للرجال فقط

لكل شعب تقاليده وأزياؤه التي قد تبدو مختلفة وغريبة، لكن بعض الشعوب أخرجت أزياءها من المتاحف والصور القديمة إلى الحياة اليومية مثل الاسكوتلنديين وزيهم اللافت.

أول ما يلفت نظر السائح إلى إقليم اسكوتلندا هو التنورة القصيرة التي يرتديها الرجال. فهذا الإزار له مكانة خاصة، حيث تعرض، دومًا، صورة العلم الاسكوتلندي وبجانبه رجل يرتدي تنورة صوفية تغطي نصف الساق وقميصًا أنيقًا ومعطفًا وقبعة، ويحمل بيده آلة موسيقية تشبه القربة مصنوعة من الجلد.

النسيج والحكاية
فرضت تقلبات الجو في اسكوتلندا نمط حياة وطريقة لباس معينة. فلقد عرفت العشائر التي تقطن اسكوتلندا منذ عام 1700 بحبها للألوان الزاهية كالأحمر والأخضر وارتدائها للإزار القصير كونه ملائمًا لطبيعة الحركة والتنقل بين الجبال، حيث الجو قارس البرودة شتاءً، بينما الأمطار تستمر في الهطول طوال الفصول، فتبقى الأرض طينية طوال الوقت، ما يجعل الثياب تتسخ إن طالت. لذا قام الرجال بارتداء هذا الزي الصوفي القصير عن طريق لف قطعتي قماش حول الخصر من الأمام إلى الخلف وبالعكس، والقطعة ذات الكسرات تلف من الخلف وعليها أن تكون محاكة بدقة. ثم يقومون بتثبيتها بحزام، ويلقون باقي القماش على أحد الكتفين. وفي الأجواء القاسية، يغطى الرأس والكتفين بالقماش.
في هذا النسيج، الذي يحمل بين خيوطه وخطوطه تاريخًا وهوية لدرجة أن إحدى دور الأزياء البريطانية الشهيرة استعارت نقشته مع بعض التغييرات الطفيفة وأصبح شعارًا لها. تتداخل الخيوط الصوفية بإتقان وتتمازج الألوان بعناية. فهو يعد من أكثر المظاهر التقليدية حضورًا خلال السبعين سنة الماضية على مستوى العالم. ولعل مرد هذا التمسك بهذا الزي الذي يبدو غريبًا اليوم هو أن اسكوتلندا قد ناضلت كثيرًا في سبيل الاستقلال، لذا كان اعتزازها بالغًا بتراثها وتقاليدها الشعبية، فبينما يرتدي الشبان اليوم آخر التقليعات يسير الشاب الاسكوتلندي مفتخرًا بزيّه الشعبي، وفي حين ترتدي العروس ثوب الزفاف الأبيض العصري، يبقى العريس الاسكوتلندي محافظًا على إزاره الذي يُسمى «كلت».
إن «الكلت» أو التنورة القصيرة للرجال زي يمتد لأكثر من ألف عام، بدءًا من القرن الثاني عشر، ويسمى نمط الخطوط المتداخلة أفقيًا وعرضيًا به بنقشةالتارتان.

نقشة التارتان
التارتان قماش ذو نقوش مكون من خطوط تتنوع في ألوانها وعرضها، وتتقاطع طولاً وعرضًا فوق أرضية بلون واحد. يستخدم في النقش خطان أفقيان من الصوف يمران فوق خيطين من لون آخر لتكتمل نقشة التارتان. هذا القماش الأشهر في اسكوتلندا وهو مصنوع من الصوف، وله أربعة ألوان رئيسة تشمل الأخضر والأزرق والأحمر والأصفر الزعفراني، ومنها مزج 5 آلاف لون آخر. تتدرج الألوان من الأسود الداكن حتى تصل إلى الأبيض العاجي، وخصصت الزاهية منها كالأحمر والبرتقالي للاحتفالات، بينما تُلبس الألوان الداكنة للصيد وأيام العمل اليومية. لكل لون من التارتان أسطورة رمزية، فالأحمر يرمز للشجاعة في المعارك حيث يخفي لون الدماء، والأزرق يرمز للأنهار والبحيرات، والأخضر للغابات الملتفة، ويرمز الأصفر للمحاصيل الزراعية المتنوعة.
ذكر التارتان لأول مرة في كتب الأدب عام 1200 ميلادية، وارتبطت كل نقشة بقبيلة معينة، إلا أنها تشعبت بعد حين ليصبح لكل رئيس قبيلة وعائلة نقوشهم الخاصة. بعض الخطوط تضاف لرسمة التارتان لترمز للمستوى الاجتماعي لمرتديها. سمى تارتان الطبقة الحاكمة بالستيوارت نسبة إلى العائلة المالكة في سكوتلندا منذ عام1317 حتى عام 1714، وفي المملكة المتحدة منذ عام 1603 حتى عام 1714. من الأسماء المتعددة للتارتان: ماك ليود، ماك ميلان، ماك ديف، كاميرون، روبرستون، وغيرها الكثير.
يضيف كل جيل بصمته الخاصة على نقوش التارتان حتى أصبح هناك أكثر من 4 آلاف نقشة مختلفة تتمايز بينها بتفاصيل بسيطة نالت إعجاب ذائقة العديد من محبي التراث. تسجل كل نقشة من التارتان في مؤسسة «السلطات الاسكوتلندية للتارتانان» كطريق لحفظ الحقوق الملكية لآلاف العائلات يعود لها الفضل في إثراء هذا التقليد وإبقائه. الجدير بالذكر أن أول صورة فوتوغرافية ملونة في العالم التقطها العالم الاسكوتلندي جيمس ماكسويل عام 1861 لشريط من قماش التارتان.

الكلت والتارتان..
عودة قوية بعد انقطاع

استمر ارتداء الكلت حتى جاء عام 1745 الذي وقعت فيه ثورة جاكوبايت، والتي أراد بها الاسكوتلنديون رفع سيطرة الحكام البريطانيين عن أراضيهم والمحافظة على حكم عائلة ستيوارت في سكوتلندا، إلا أن هذه الثورة قطعت أمل العودة لعائلة ستيوارت، ومنع على أثرها ممارسة الكثير من التقاليد التي اختصت بها القبائل الاسكوتلندية وعلى رأسها تنورة الكلت وقماش التارتان. رغم المنع لما يقارب الأربعين سنة، بقيت روح الجماعة خالدة وما لبث أن عاد الكلت التقليدي عام 1782 عندما تغيرت بعض القوانين. أبدت العائلات الاسكوتلندية رغبة بالغة في إحياء تراثها وابتكرت بعض العائلات والقبائل نقشات خاصة بهم.
حظي الاسكوتلنديون بفرصة عظيمة لانتشار حضارتهم حين نال الكلت إعجاب الملك جورج الخامس والملكة إليزابيث، فانتشرت بين البلدان حتى أصبح هناك تارتان خاص بكرة القدم وآخر بلعبة الغولف. نرى هذا الاهتمام جليًا في تأليف العديد من الكتب عن طريقة نسج الكلت وتاريخه وعرض هذا النسيج في بعض المتاحف ليروي تراثًا نشأ من قلب الأراضي الجبلية. كما اختير اليوم السادس من إبريل في أمريكا كيوم للاحتفال بالتارتان بأشكاله، يجتمع به أكثر من 100 طراز مختلف. وكذلك يقوم الاسكوتلنديون في شهر أغسطس الدافئ من كل عام بإطلاق مهرجان غلاسكو السنوي للألعاب الشعبية بما يحمل من رقصات الهايلاندرز التقليدية وتحديات تجذب 3500 مواطن و20.000 سائح.
يحمل القماش الاسكوتلندي اليوم تصاميم قديمة وأخرى حديثة تتماشى مع خطوط الموضة الجديدة، ما زاد من إقبال السياح عليها. يمكن طلب الكلت إلكترونيًا من عدد من المحال الرائدة كمحل Lochcarron of Scotland وJoyce Young.